الفيدرالية اليمنية

> أحمد محسن أحمد:

>
أحمد محسن أحمد
أحمد محسن أحمد
كنت أسمع النقاشات والحوارات وأشكال الجدل والاختلاف حول قبول ورفض دخول عدن حكومة الجنوب العربي (الفيدرالية).. البعض يرى أن بقاء عدن خارج هذا التشكيل أكثر فائدة وجدوى للوطن آنذاك.. والبعض الآخر كان لا يؤمن بالانفصالية (حسب مفهوم زمان) بخروج عدن من حكومة الاتحاد.. وهناك من كان يظهر النية المبيتة بأن لا نكون تحت مظلة الاستعمار ومفاهيمه!.. يعني أن التجارب والأفكار التي كان الإنجليز يقدمونها كنماذج للتكوينات والتشكيلات الحكومية للدول والإمارات والسلطنات والمشيخات العربية كان هناك من يظهر العدائية الكاملة لهذه التشكيلات.. طبعاً لا أريد الخوض في المنابع التي كان هؤلاء يستسقون قناعاتهم منها.. ما يهم أن التشكيلات التي كان البعض يزدريها ويتأفف منها هي التي صمدت.. وتشكيلاتهم هي التي انقرضت أو تاهت في صحارى التناقضات والمتاجرات!

ودخلت عدن رافعة رأسها الأشم في حكومة الاتحاد.. وعرف أبناء عدن حينها أشكالا عديدة من أنظمة الديمقراطيات الناشئة زمان.. هنا نشأ مجلس تشريعي ومجالس البلديات .. (للعلم.. قانون السلطة المحلية رقم 4 لعام 2000م.. أجمل ما فيه الآية الكريمة في الصفحة الثانية بعد البسملة {قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ماكنت قاطعة أمراً حتى تشهدون} صدق الله العظيم) .. وكذلك المقدمة التي تقول إن هذا القانون استند على التجارب اليمنية السابقة وذكر منها أهمها وهي المجالس البلدية في جنوب اليمن ومجالس الشعب المحلية، يظهر أن القصد من ذلك المجلس التشريعي.. المعروف، لكن يظهر أن كلامنا وقوانيننا جميلة وحلوة وتستأكل أكل.. لكنها محفوظة في رفوف مكاتب المسؤولين!

ما علينا.. نعود من جديد إلى قصة عدن والجنوب العربي زمان.. وتلك الأفكار الأولية التي تبرز النبوغ في الذهن العربي في جنوب الوطن ظهرت مجالس تشريعية.. ومجالس البلديات والمجالس المحلية ومجالس ضواحي عدن . وكانت صلاحيات هذه المجالس واسعة.. لدرجة أنني كنت الأقرب إلى مجالس البلديات زمان أيام الحكم الأنجلو سلاطيني.. وكانت مجالس البلدية لها وزنها.. ومثلها كان المجلس التشريعي كما كان لحكومة الاتحاد الفدرالي وزنها.. قد تكون للعوامل الخارجية أثرها في ما صار لاحقاً.. لكن لمجرد أن يعترف رجال هذا الزمن بتجارب قديمة للجنوب في مجال الحكم الفيدرالي، فإنه من العيب أن تكمم أفواه من يريد أن يخوض في دهاليز أحكام زمان وإيجابياته وسلبياته.

ولا أعرف السبب الذي يثير بعض أعمدة نظامنا الحالي عندما تذكر لهم كلمة الفيدرالية، فطالما أن قانون السلطة المحلية اعترف بقوام الأنظمة والتشكيلات التي كانت تسير أمور البلاد، فلماذا لا يريدون منا الخوض في هذا المجال. لأن القانون الذي يعتبرونه أبا القوانين في هذا العصر اعترف بتجارب زمان والاستفادة من تجارب زمان حتى وإن لم يشر إليها كما يجب.. لمجرد أن يقول القانون إن هناك مجالس تشريعية ومجالس محلية في جنوب اليمن، فإن غطاء هذه المجالس هو الحكم الفيدرالي.. حتى وإن لم يذكره القانون.. المهم أن هذا القانون اعترف بمزايا الحكم الفيدرالي الذي كان سائداً في جنوب اليمن.

لا عجب إذا ما رأينا ردود الفعل القاتلة والمهلكة التي تكون نتاجا للضغط المفرط، الذي ليس له أساس ولا أبسط التبريرات.. إما أن يكون أصحاب الضغط هذا يريدون المزيد منه.. أو أنهم يريدون تأجيل هذه المسألة حتى يؤمنوا لأنفسهم وأولادهم ومن لف لفيفهم الهناء والاستقرار حتى إذا ما جاء الشكل المغاير لشكل نظامهم أو أن تأتي العاصفة يكونون قد أمنوا لأنفسهم كل شيء.. و(تأمين النفس) للشعب فيه تجارب عدة.. لأن العاصفة لا تطحن إلا فئات الشعب المعدمة.. أما الرموز والقيادات فقد أمنوا أنفسهم.. البعض يتهم اليوم الناس بالانفصالية والهروب إلى الخارج، بينما هم أنفسهم يمتلكون عدة جوازات وجنسيات.. ويمتلك الواحد منهم كل وسائل العيش والهناء في بلدان تؤمن لهم المعيشة.

سمعت زمان عن قصة الذئب والحمل.. الذئب يقول للحمل أنت تقطع علي الماء .. فيرد عليه الحمل ياسيدي الذئب أنت في أعلى التل والماء من عندك فكيف أقطع عليك الماء .. فيرد عليه الذئب أنت (...) ويجب أكل لحمك وتكسير عظمك! وهذه القصة قريبة جداً لمن يتهمون الناس البسطاء الذين يطمعون في تحسين أحوال البلاد والعباد.. فتقول لهم السلطة في سدة الحكم.. أنتم تقطعون على البلاد الماء والهواء والاستثمار والانتعاش، لذلك يجب أن نذيقكم ويلات العذاب لمجرد أنكم تنادون بالحياة الكريمة والحرة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى