مواطنون في سويسرا ورعايا في اليمن!

> نجيب محمد يابلي:

> أسرة الشاذلي واحدة من أعرق الأسر في هذه المدينة الطيبة (عدن)، وعرف المجتمع أفراد هذه الأسرة في مواقع مختلفة وجبهات شتى، ويضاف لذلك رصيدهم الوطني، ويكفيني أن أذكّر الناس ولعل الذكرى تنفع المؤمنين بالأخ والصديق العزيز نصر عبدالرحمن شاذلي.

كم هو مؤلم أن يتحول الوطن إلى معاناة والمواطنة إلى نقمة وذلكم هو حال أفراد أسرة الشاذلي وقد تلقيت ملفاً بالمأساة من الشاب الخلوق صلاح محمود عبدالرحمن شاذلي أرسله من موئل إقامته سويسرا، وكم كانت المصادفة جميلة أن ذكرتني سويسرا بقصيدة الأمير أحمد فضل القمندان التي خاطب بها شقيقه السلطان عبدالكريم فضل، الذي قدم من أوروبا في أربعينيات القرن الماضي وجاء في مطلعها :

كيف أوروبا وما شاهدتم

أسويسرلند وحش كاليمن

صدق القمندان في قراءته للواقع اليمني، ومن أراد أن يصدقه فأنصحه بالاطلاع على ملف صلاح شاذلي المدعم بالوثائق والمطعّم بالآهات والأنات، حيث نسجت المأساة أول خيوطها بقدوم صلاح شاذلي من الهند في 27 يوليو 1994م حاملاً شهادة في مجال هندسة وصيانة الطائرات المدنية.

التحق صلاح شاذلي مع زملاء آخرين بشركة طيران اليمن (اليمدا) وقطعت الإدارة وعداً وعهداً بتثبيته بعد ستة أشهر وعمل لمدة عام كامل متطوعا في الهندسة والصيانة على طرازات الداش والبوينج 737 والبوينج 707 وطائرات أخرى تابعة لأسطول الشركة دون أن يتقاضى ريالاً واحداً ونكثت الإدارة بوعدها وعهدها. همس أحد الزملاء في أذنه «صلاح أنت من بيت الشاذلي وبالمختصر المفيد أنت محسوب على الجماعة» ولا علم لصلاح حتى الآن من هم «الجماعة»؟

ظل صلاح تائهاً ومرهقاً في مشاويره بين ديواني وزارة النقل وطيران اليمن، وفي غمرة اليأس ظهرت بارقة أمل بمذكرة وجهها الأخ وزير التعليم الفني والتدريب المهني إلى الأخ وزير النقل والشؤون البحرية في 9/3/2003م أوضح فيها مؤهل الشاب الواعد ومعاناة مشواره مع اليمنية وأوصاه به خيراً بتوجيه هيئة الطيران بتوظيفه تقديراً لمؤهله وظروفه الصعبة، وكان صلاح الشاذلي قد عاد إلى عدن في نهاية 1996م من القاهرة لمتابعة دراسته هناك، ظناً منه أنها سحابة صيف مارة، إلا أن الحقد طغى على كل القيم الدينية والدستورية والإنسانية.

إلى «فندق الصخرة» و «مستشفى صابر»
«بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين» كما يقول المثل العربي، لأن كل الأبواب قد أوصدت في وجه صلاح الشاذلي، وأيقن بما لا يدع مجالاً للشك أن حقوق المواطنة أصبحت في خبر كان، إلا أن رحمة الله كانت واسعة وبلا حدود، فالأرزاق بيده وحده سبحانه وتعالى.

طرق صلاح شادلي باب «فندق الصخرة» وكان الأخ أحمد الماطري، مدير عام الفندق صاحب صدر رحيب اتسع للشاذلي، الذي أصبح فيما بعد المشرف العام للفندق، وفي بداية عام 2000م كان صدر الشيخ الفاضل سعيد باهدى، صاحب مستشفى صابر أكثر رحابة وفتح له باب مستشفاه وأصبح فيما بعد نائب المدير العام للشؤون الإدارية، وتضمن ملف الشاذلي كلمات شكر وعرفان للأخ الماطري والشيخ سعيد باهدى والأخ ضرار سعيد الخضيري، مدير العلاقات العامة والأخ المحامي يسار حسين باعلوي.

أسجل كلمة للتاريخ أنني قد عهدت الأخ صلاح الشاذلي صاحب خلق كريم وابتسامة عذبة يمنحها بالمجان لكل إنسان، إلا أن الأمور لم تقف عند ذلك الحد لأن الأمور زادت تعقيداً كما ذكر ذلك في رسالته، وأصبح هدفاً للمضايقات والملاحقات والتطفيش، وتصعدت الأمور أكثر من ذلك لا لجناية ارتكبها، إلا لأنه وأسرته مدموغون بالانفصال كما بين ذلك في رسالته.

سويسرا الوطن ونعم المستقر
يروي صلاح الشاذلي أنه لم يجد مفراً من مغادرة البلاد للبحث عن وطن آخر، لأن وطنه أصبح أضيق من خرم الإبرة، فالتفت يميناً ليرى طفله (ينوف) والتفت شمالاً ليرى طفله الآخر (نوف) ونظر إلى الخلف ليرى أمه
وزوجه، فقرر الرحيل إلى بلد آخر وكانت سويسرا ليعوض سنوات الاغتراب، التي اكتوى بها في بلاده.

يروي الشاذلي أن سويسرا ردت له الاعتبار بعدما فتحت ذراعيها لتحتضنه هو وأفراد اسرته، لقد أدمت المعاناة قلب صلاح الشاذلي عندم قال : «لقد أعادت لنا سويسرا آدميتنا بعد أن صودرت، وأعادت لنا حقوقنا كبشر بعد أن سلبنا إياها وطننا الحبيب».

يمضي الشاذلي في آهاته وأناته: «لقد منحتني سويسرا الإقامة وحق العمل والدراسة أسوة بمواطنيها، وها أنا الآن استعد لامتحان معادلة الشهادة والاستعداد للالتحاق بالعمل في مجال تخصصي بعد الخضوع للامتحان النظري والعملي، وتحضير الدراسات العليا إن شاء الله».

إنها ذروة المأساة أن تكون غريبا في بلادك ومألوفا في بلاد الآخرين، عندما تكون رخيصاً في بلادك وثميناً في بلاد الغير.

ربّ إن هذا منكر فأزله!

تضمن ملف صلاح الشاذلي موضوعاً كتبه د. أديب محمد الشاذلي، ابن عم صلاح الذي يعمل حالياً محاضراً في كلية طب إحدى جامعات نيوزلندا، التي اكتسب جنسيتها، وآه يا بلد!

ü في قصيدة ألقاها الأمير أحمد فضل القمندان يوم الأحد، 4 محرم، 1343 هـ (1924م) في استقبال شقيقه السلطان عبدالكريم فضل عند قدومه من أوروبا في مطلعها:

طلعت أنوار لحج من عدن

فاسقها يا أيها الوادي تبن

وورد في البيت السابع منها:

كيف أوروبا وما شاهدتمو

اسويسرلند وحش كاليمن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى