أب يبحث عن قاتل ولده؟

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
«هذا أمر استدعاء اذهب وابحث عن قاتل ولدك».. هكذا قال رئيس النيابة,امتد النهار سواداً فوق عيني محمد فريد وهو ينظر إلى أمر الاستدعاء الذي استلمه من نيابة محافظة لحج,نظرات تتزاحم بالقهر من قلب مكلوم.. «أمر استدعاء لقاتل وقتلة؟!».. هكذا سأل الأب وكيل النيابة.

وصبت الإجابة السم عليه زعافاً «والمتهمون الستة أطلقنا سراحهم».. فلم يرد الأب، فالشفاه تخثر عليها الدم.

وذهب مسرعاً يبحث عن قاتل ابنه، ومضى الوقت في مساره البطيء وفي المساء أبلغ الأب بمكان القاتل، وفي الصباح قالوا إن «القاتل اختفى»، دار الأب من جديد حول الأرض باحثا عن قاتل ولده.. أخذ يسأل هنا وهناك، قاده بحثه هذا للعثور على جوازين للقاتل كل منهما يحمل اسم آخر!!

وحينما سارع لإبلاغ الأمن والنيابة بذلك قالوا له: «نعتقد أنه تخطى الحدود.. اذهب وابحث عنه».

كانت الأبواب جميعها مغلقة أمامه، كاد أن يصرخ بأعلى صوته «أين الأمن؟ أين النيابة؟».. لكنه خلع حذاءه وتركه أمام الكل، ليواصل رحلة البحث عن قاتل ولده.

دار الرجل من جديد حول الأرض وحَملت إليه الأخبار معلومات جديدة.. «هاهي سيارة القاتل موجودة في مكان كذا وكذا!!».

وفي الصباح الباكر سارع لإبلاغ الأمن والنيابة بما استجد من معلومات، وكان عليه أن ينتظر حتى المساء ليأتي إليه الرد. وفي المساء قالوا له: «لقد أرسلنا طقم ولكن السيارة اختفت».

في هذا الجو الرمادي الكئيب والخانق بكى المارة والأطفال والنساء بحرقة،حينما حملت إليهم الريح من بعيد حلول عيد الفطر.

في صباح يوم العيد ذهب الأب والأم والإخوة إلى ثلاجة المستشفى لزيارة جثة الشهيد وفي الغرفة الباردة وبعيداًَ عن ضجيج الأطقم والبشر، قبَّل الأهل الجثة، كانت روح المنتصر الصامتة تشع ضياء معلنا «أن المجرمين في ضلال وسعير».

لم ينهزم الأب ولم ينكسر قط في هذه الغابة الملتفة من حوله، ففي قلبه آمال لم تأت بعد، لم ينصع لمشيئة زعماء الباطل والإذلال، فالإرادة فتحت له الأبواب على مصارعها وجاش في قلبه المكلوم صوت العـدالة، التي لم يتردد مثلها في هذا الزمن.

ظل الأب ينتظر انتهاء عطلة العيد.. نحسبها نحن أياما، أما هو فقد ظل يحسبها دهوراً طويلة جداً وراح قلبه يغالب هموم البحث عن قاتل ولده: «أواه لو أعرف أين قاتل ولدي؟ كي أخبر كل أجهزة الدولة والمجالس المحلية ومنظمات حقوق الإنسان وكل البشر».

وعلى وجه الأب المتطلع للخالق القادر رب العباد، نقرأ عبق روح ابنه الشهيد المنتصر، وما يجيش من أمل وقهر ورجولة.. ولاح خلف الأفق خبر جديد، ما هو: يقال أن القاتل قد هرب إلى دولة شقيقة وهذا عنوانه، فهمس الأب بأذن الأجهزة المعنية.. وبخفوت ردوا عليه: «نتابع هذه المعلومة» وترددت في خواطره وأفكاره المكدودة آمال جديدة، وقال في قريرة نفسه: «حلت نهاية القاتل فغداً سيسلم لأجهزة الضبط القضائي ثم إلى العدالة :{ ألم تر أن الله يعلمُ ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم يُنبَّئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} المجادلة/ آية7».

نهض الأب من الرحيل والترحال بين المحافظات وأحسَّ أن نهاية القتلة قد حلت فطوبى لروح الشهيد المنتصر ولكن وبعد ستين يوماً من البحث والتحدي، وتقديم كل الأدلة وأدوات الجريمة وأماكن تنقل القتلة غاب في الغابة كل شيء، ومن جديد سدد المتنفذون نحو الأب الذي يبحث عن قاتل ابنه نصال رماحهم السوداء: «نحن لا نستطيع أن نساعدك بشيء؟ فاذهب، وابحث من جديد عن قاتل ولدك».. وارتمى هناك فوق سرير ابنه الشهيد منتظراً الفرج من الله سبحانه وتعالى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى