البكاء على الأطلال من حول (عدن)

> د. عبده يحيى الدباني:

>
د. عبده يحيى الدباني
د. عبده يحيى الدباني
الجمعيات السكنية وما أدراك ما الجمعيات السكنية في البلاد اليمنية لا سيما منها العدنية! آمال وآلام، والمرء بينهما يحترق .. فساد بنوك وفساد ضمائر وفساد نفوس تسكت عن الحق ولا تنتصر لنفسها حين يصيبها البغي، بل تعطي الآخرين قيادها لكي ينهبوها ويضحكوا منها ويدغدغوا عواطفها، ونفوس أخرى فاسدة من حيث إنها مأجورة سمحت لنفسها أن تكون أبواقاً ومكياجاً تبيض ما سوّده الفساد وتجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، فأعوذ بك اللهم من النفاق والرياء والعجز وموت الضمير وأكل أموال الناس بالباطل.

جمعيات.. نعم وما أدراك ما هذه الجمعيات، فقد طال الانتظار حتى مات من مات وحتى كل أمل فات واستمات، وليعذرني القارئ الحبيب عن هذه المدات والسجعات، فإنما هي أنات وآهات وحسرات لست عابثاً ولا ترفاً فإنما أنا عضو في إحدى هذه الجمعيات أعاني ما يعانيه آخرون كثيرون إن أقل وإن أكثر.

جمعيات.. نعم ولكن الزمان يمر جافياً قاسياً والآمال تتحطم على صخرة الواقع المر بما فيه من روتين وفساد وموقف حكومي غير متعاون أو داعم وبما فيه من إحباط ويأس وتواكل. دخلنا في الجمعيات من أجل أن نتكافل ونتكامل فصرنا إلى التواكل والتثاقل ومن ثم إلى التخاذل.

ونحن اليوم قد رضينا من الغنيمة بالإياب فلم يعد الكثيرون يحلمون بالمساكن، قد صار أملهم أن يستعيدوا أموالهم التي وضعتها بعض الجمعيات في بنوك منهارة أو شبه منهارة، وما قضية البنك الوطني التجاري عنا ببعيد.. لقد تحولت الأحلام إلى كوابيس وقد تحول الأعضاء إلى (مفاليس). فمن نحاسب؟ من نلوم من ننتقد؟ من غريمنا؟ الكل يشكو والكل مظلوم حتى إدارة البنك المشؤوم الذي انهارت معه أموالنا وآمالنا الكل يتخلى عن مسئوليته ويلقي بها في ملعب الآخرين، ويبقى أن نغدو نحن المسئولين عما جرى.. نحن الأعضاء المساكين المنكوبين فأي زمن هذا يا ترى؟

فقد سرقت شاة يوماً عن جحا وجاء الناس كلهم يلومونه هو لأنه.. ولأنه ولم يلم أحد منهم الجاني فتعجب جحا من هذا الأمر واعتبر.

كنا في اجتماع قريب نحن أعضاء الهيئة العمومية للجمعية السكنية لمدرسي وموظفي جامعة عدن.. الشاهد أن قيادة الجمعية تلومنا وتقرعنا لأننا لم نذهب إلى مساحة الجمعية المحددة للبناء لنرى.. وكأننا إذا سرنا إلى هناك سنرى ناطحات السحاب تستقبلنا وتفتح لنا أبوابها، كل ما هنالك كثبان رملية زاحفة وأعمدة من الغبار ترتفع في السماء ثم تتلاشى كما تتلاشى آمالنا وثقتنا بولاة أمورنا من أدنى إلى أعلى.

فأنا كل ليلة تقريباً أدور حول المكان الكائن في مدينة الشعب لأني أتعلم (السواقة) هناك ولكنني لم يفتني قط أن أقف على الأطلال وأبكيها.. نعم إنها أطلال عجيبة، فهي أشباح ومعالم لبنايات لم تعمر بعد عكس ما هو معروف عن الأطلال في الجاهلية أو في غيرها، إنها أساسات مهترئة ومطمورة، إنها أطلال أخرى ولكل عصر أطلاله، كأنها أشلاء آمال وأحلام هذه الفئة المثقفة الراقية التي يسند إليها الوطن والتاريخ مهمة بناء الأجيال والمستقبل والعقول والافئدة وإعمار القلوب بالإيمان.

كل ليلة أقف هناك فيعصف بي اليأس عصفاً وأحس بأرواح زملائي تشاركني ذلك، حتى أولئك الذين ماتوا وهم ينتظرون، وساعتها يسألني أبنائي: أين مساكن الجمعية؟ أين بيتنا؟ ويقولون أحياناً بالعدنية العذبة (يابه فين بيت نحنا) فأشير لهم نحو الأفق هناك.. هناك خلف تلك السحب المدماة حيث الشمس تغرق ببطء مخلفة بقعاً حمراء في قلب الأفق، ومن يدري لعل هذا الكلام الحالم الحزين سيصير حقيقة ذات يوم فالكثير من النوارس - أعني الكفاءات - قد هاجرت من الوطن إلى بلدان كثيرة مختلفة، وسيبقى الوطن وحده هو الذي يدفع الثمن، ولكن من المسئول؟ فإما أن ننزف نحن ونتحمل وإما أن نرحل فينزف الوطن .. فإلى متى؟

مرت السنون وتبعتها سنون وليس ثمة مساكن إنما هناك مخططات ورسمات ونشرات وصور ومقالات مدبجة.. فهل سنبني لمن يبنون الأجيال منازل من ورق؟ قد نصل إلى هذا وقد نخسر الأرض نفسها وتضيع الأطلال برمتها، كل شيء جائز في هذا الزمن لا سيما في اليمن.

هذا كله عن جمعية جامعة عدن، وهي بشهادة الكثيرين أفضل الجمعيات حالاً ووضعاً ورصيداً، فما بالك بسائر الجمعيات في عدن أو في غيرها. إننا حقاً نسمع الكثير عن فساد يجري في بعض أوساط قيادات هذه الجمعيات ونشتمّ من بعيد روائح عبث وصفقات وعمولات واتفاقات مشبوهة، ولكنني في هذا المقام لا أتهم أحداً فليس معي دليل وليس هنا مجال التحقيق في الأمر أو توجيه الاتهام. إنما أردنا فقط التعبير عن المعاناة ولفت أنظار الرأي العام والرسمي إليها.

فيا أعضاء هذه الجمعيات الموقرة تمسكوا بجمعياتكم وقوّموا نشاطها أولاً بأول ولا تدعوها بيد مجموعة معينة يقررون مصيرها ومصيركم لوحدهم وإلى الأبد مثل الزواج الكاثوليكي، لا تتركوا الأمور سائبة فيطمع الذي في قلبه مرض ودعوا عنكم التواكل والعجز والتخاذل والإحباط واليأس فإنني أوصيكم وأوصي نفسي بذلك.

ويا ولاة الأمر في المرافق والمؤسسات والجامعات وفي الوزارات وقيادة الحكومة والدولة، ويا رئيسنا البار وأبانا وقائدنا الكريم علي عبدالله صالح مدوا أيديكم إلى هذه الجمعيات لا سيما في عدن التي تعيش أزمة سكنية خانقة.. مهدوا الطريق لها، سهلوا إجراءاتها ومعاملاتها، اعملوا على حل مشاكلها مثل قضية البنك الوطني، ادعموها بالمال والأرض والخدمات يرحمكم الله ويسدد خطاكم.

فإننا نريد بيوتاً نسكنها في الدنيا لا بيوتاً تشاد على جماجمنا ورفاتنا لا سمح الله. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى