قصة قصيرة بعنوان (الكائــن)

> «الأيام» عبدالله سالم النهدي:

> في أحشائها ثمة كائن بدأ ينمو ويتشكل.. بدأ يشاركها الوجود.. ويقاسمها الحياة.. يأخذ منها.. لم تكن تشعر به.. لم تعره انتباهاً.. لم يكن من الوجود بحيث تتنبه له.. لكنه أخذ طريقه لإثبات وجوده وكيانه أخذ ينمو في احشائها يوماً بعد يوم بسرعة غير معهودة في الحالات التي تماثله.

بدأ الانتفاخ على بطنها يظهر بشكل واضح.. تحسست بطنها براحة يدها بحركة دائرية، استبانت من خلالها ذلك الانتفاخ البسيط فيها..وعرفت ما هو بغريزة الانثى.

«إنه الحمل» هكذا تمتمت بامتعاض.

استلقت على ظهرها، وتركت يدها مسترخية على بطنها، وعلقت عينيها بالسقف. المساء صامت لا يبوح بشيء، وفي اعماقها هواجس تخشى من ظهورها، أمر كهذا لو ظهر - ومثله لا يخفى - كيف ستواجهه.. كيف ستعلله للناس، هم يعرفون أن زوجها غائب منذ عام عنها.. كان هناك في جبهات القتال يدافع برجولة عن شرف الوطن.

«اللعنة.. هل كان يجب أن يكون؟.. انا لا أريده.. ثم لماذا كان؟.. من مرة واحدة؟ هناك من يستجدي حدوث امر كهذا من مرات عدة فلا يكون.. ياللعبث.. يا لسخرية القدر..»

بدأ رأسها يدور ويوشك أن ينفجر كلما تذكرت الناس وما سيظنون بها، يجب أن تجد حلاً، يجب أن يكون هناك من يشاركها في إيجاد حل، غداً ستخبر أعز صديقاتها وليكن ما يكون.

أسندت رأسها على المخدة وهي تتذكر ما كان.

****

لم تجده صدفة، كانت ترقب حضوره إلى هذا المكان.. طالما أتت إلى هنا ترقباً له.. لم يكن ترقبها وحضورها ترقباً، كان حلماً ذاك الذي اتبعته.. في ليلة ما حلمت به .. حلمت بأنها ستلتقي به في ذات المكان..

ما صدقت عينيها وهي تبصره ذلك المساء جالساً تحت الشجرة ينظر في الاتجاه الآخر معطياً إياها ظهره.. فتحتهما على اتساعهما وحاولت أكثر من ذلك بهما.. مشت بخطى واثقة إليه وهو لا يشعر بها اقتربت منه وقشعريرة تجتاحها.

«... ... ...».

التفت إليها عقب سماع صوتها.. ابتسم مرحباً.. ومد ذراعيه لها لتلقي بنفسها بين احضانه والرغبة تدفعها.. رغبة الأنثى الجامحة.

حكى لها كيف هرب من الحرب وهي لم تسأله ولكن ليعطي شرعية وتبريراً معقولاً لوجوده هنا، وكيف ترك كتيبته العسكرية في أتون المعركة والنيران تلتهم رفاقه تباعاً، ولربما ظنوه الآن أحد الذين صاروا رماداً لكنه الآن لا يستطيع العودة معها إلى القرية، فهو في حكم الفار وسينظر إليه الناس والوطن بأنه خائن.

كانت تستمع له بصمت فلا تريد ان تقاطعه حتى لا تفقد نشوة سماع صوته، ذلك الصوت الذي أطربها، وأدفأها في ليالي الشتاء.. كانت تتأمل ملامح وجهه، ذات الملامح التي تعرف مساماتها وتفاصيلها وزواياها ..الفم.. الأنف..الذقن.. الجبهة العريضة..عيناه فقط لاحظت احمرارهما الشديد.. تلمعان شرراً.. لم تكن هذه عيناه من قبل.. بيد أنها عللت في نفسها الأمر بأنه ربما نيران الحرب كستهما هذا اللون.. اكتفت بالنظر في ملامح وجهه فقط. فهي تعرف كل جزء في جسده. حكى لها ما يريد وفعل ما تريد..لا شيء حد من لقائهما، وكأن شيئاً في الدنيا لم يكن سواهما.

جلست تلملم نفسها حين تركها، ونظرت إليه وهو يخطو مبتعداً ليغيب في الأفق.. انتابتها رعشة قوية بررتها بأنها لن تراه مرة أخرى.. ربما..ربما.

****

انتفضت صديقتها وتراجعت رعباً للخلف وهي تقول: «الشيطان.. إنه الشيطان.. والله إنه الشيطان.. لقد تقمص صورة زوجك لقد خدعك». ونهضت وهي تهذي بكلمات مبهمة وتنظر برأس قلقة في كل الاتجاهات وتتركها وحدها وقد تلبسها الصمت والذهول.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى