عصام سعيد سالم ..فارس الحرف الذي صعد

> د. هشام محسن السقاف:

>
عصام سعيد سالم
عصام سعيد سالم
الخيط الرفيع بين حياة المرء ووفاته مدعاة لقراءات تأملية، في هذا الإنسان الذي يملأ السمع والبصر ثم يتلاشى كما يتلاشى ضوء الشمعة دون ضجيج. إن رواغ المصابيح إلى زوال محتوم، ويبقى السر العظيم في مقدار ما يهتدي الآخرون من ذلك البصيص في مسراهم إلى الغايات المنشودة، ولذلك تبقى الحياة (الفانية) في رحلة عيش الإنسان القصيرة على البسيطة، وحتى بعد رحيل الإنسان، خالدة بأعماله وأفعاله، وربما بالمقدار نفسه بالذكريات الطيبة التي يخلفها، كريح يألفها الإنسان زكية، تأتي من حين إلى حين، لتنعش الجميل المخبؤ في ذاكرته عن ذلك الغائب المفارق وهو تحت التراب -بينما (كل الذي فوق التراب تراب).

كانت تقودني قدماي ماراً أمام المنزل المقابل لمعهد «الحصيني» وروضة الأطفال-حالياً- بالشيخ عثمان، وهناك ينتصب شيخ وقور، متربعاً على كرسي أمام باب منزله في جلسة تأملية غير مدروكة المرامي، إنه أحد وجهاء هذه المدينة بلاريب، ولكنه في ذلك الوقت (منتصف السبعينيات من القرن الماضي) كان يمضي أيامة الأخيرة متأملاً تقلبات الزمن السبعيني في المدينة العريقة.

وعلمت أنه الوجيه سعيد سالم اليافعي الذي مضى إلى بارئه تعالى وقد خلف أبناء ينهجون نهج أبيهم في الحياة العامة، تعرفهم بسيماء الثقافة والأدب والانخراط في الحياة الاجتماعية والسياسية كأشهر ما تكون الأسر تأثراً وتأثيراً في هذه المدينة.

كان الأخ الأستاذ محمد سعيد سالم قد عرفناه عبر الشاشة الفضية معلقاً رياضياً مفوهاً ومطلعاً اطلاعاً رياضياً كافياً على أسرار الساحرة المستديرة وهو ما أهله أن يكون ذا شأن في هذا المجال. ثم جمعتني سنوات الدراسة الجامعية في روسيا الاتحادية مع المحامي الألمعي إبراهيم سعيد سالم الذي كان شعلة من النشاط والتفوق العلمي.

أما الفقيد الغالي الزميل عصام الذي انتقل إلى جوار ربه يوم الجمعة 13 يناير الحالي فقد عرفته من قراءاتي له قبل أن التقيه مصادفة في يوم لا ينسى من عام 1990م وتحديداً في الثاني من أغسطس عندما ضمتني وإياه والفقيد العزيز محمد عيدروس يحيى السقاف (العراشة) سيارة الأخ حسين الجاوي، كان عصام يعرض قضايا عامة تهم الآخرين بينما استغرق الجاوي والسقاف في الاستماع إليه. ثم توطدت العلاقة مع نجم الصحافة عصام في أكثر من محفل وملتقى ومكان طوال السنوات الماضية منذ عودتي من موسكو عام 1997م وحتى اللحظة الأخيرة من حياة عصام العصي على الآلام والأوجاع والأقل التفاتاً لنصائح أصدقائه ومحبيه الداعية عناية خاصة منه لصحته، فمات واقفاً في بلاط صاحبة الجلالة حاملاً معه قضايا إنسانية نبيلة.

في الثالث من يناير الحالي، وكان يوم ثلاثاء مزحوم بالجهد والعمل، التم عقد جلستنا (القاتية) في فندق كان ينزل به الزميل العزيز فارس السقاف رئيس مركز دراسات المستقبل، حين طل علينا الزميل الغالي الفقيد عصام سعيد سالم ليشاركنا الحديث عن الندوة التي كان المركز قد نظمها صباح ذلك اليوم وليشرق الحديث ويغرب في أمور شتى تخص الصحافة وهمومها إلى ملاحظات أبديناها ناصحين- أنا والزملاء فارس السقاف ومحمد قاسم نعمان وصالح أحمد صالح- بشأن صحة عصام الذي بدا مرهقاً ومتعباً في تلك الليلة، وعندما غادرنا مبكراً -نحو الساعة السابعة مساء - كان يشيعنا بنظرات هي أشبه ما تكون بنظرات التوديع.

يبقى عصام بالنسبة لصاحبة الجلالة (السلطة الرابعة) أحد أبرز فرسانها -على حد وصف نعي صحيفة «الأيام» الغراء- والأقدر على كتابة المقالة والعمود القصير بشحنات عاطفية وتكثيف لغوي -مبسط- يلامس القضايا المثارة ويستحوذ على اهتمام القراء.. ويكتب لعصام قصب السبق على المستوى الوطني في إصدار أول مجلة كاريكاتورية حملت اسم (صم بم) ابتداءً من نوفمير 1992م ولاقت رواجاً وحضوراً واسعاً، واستطاع هو ومن معه مداولة خروج الصحيفة في أوقاتها دون انقطاع رغم الظروف المالية المحيطة بالصحيفة.

غير أن لعصام الصحافي اللامع الذي عرفه الجميع ابتداء من بداية النصف الثاني من السبعينيات الماضية مساهمات وطنية مبكرة في مرحلة العمل الوطني قبل الاستقلال الوطني وهو لما يزل طالباً في مدارس عدن، وهو ما يجعل من التأريخ لحياة الفقيد العزيز عصام مهمة يجب أن يضطلع بها أبناؤه وزملاؤه ومريدوه مع التأكيد على جمع الإرث الطيب الذي تركه عصام سعيد سالم في الصحافة والإعلام.

رحم الله الفقيد العزيز عصام وأسكنه فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى