المحطة الأخـيرة..خطل ومقاومة

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
الأزمة الخطيرة والمتصاعدة التي تسببت بها «جيلاندس بوستن» الدنماركية إثر نشرها في سبتمبر الماضي رسومات عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وما أحدثته هذه الكاريكاتيرات من احتجاجات عارمة وغاضبة في جميع أنحاء العالم ولم تتوقف باعتذار رئيس تحرير الصحيفة كارستن جوست يوم 30 يناير الماضي في رسالة إلى وكالة الأنباء الأردنية (بترا) وقال فيها إن (هذه الرسومات لا تنتهك التشريعات الدنماركية، ولكنها أهانت بشكل لا يقبل الجدل مشاعر الكثير من المسلمين ونحن نعتذر على ذلك).

الأزمة بكل تأكيد عادت بي لاستذكار قول الأستاذ الجامعي وأحد القساوسة المعروفين (ويلفركنتمويل سميث) في كتابه (عقائد الآخرين) بقوله (للغربيين ولاءان لروما واليونان كمصدرين للحضارة السائدة بينهم، وولاء لفلسطين كمصدر عقائدي لهم. وبسبب هذه الازدواجية في الولاء كان على الغربيين أن يتخذوا أسلوبين فكريين متباينين عند معالجتهم للكثير من قضاياهم، فهم يفكرون بأسلوب علماني عقلاني محض عندما يعالجون قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية، وبأسلوب عقائدي ديني محض عندما يتصدون لقضايا الفرد الشخصية. أما الشرقيون فإن ولاءهم للدين وحده يسود كل كيانهم وتفكيرهم وكل ميادين حياتهم، وهذا هو السبب في شدة ردود فعلهم عندما يمس الدين عندهم بأي مساس). وحذر ويلفر من مسألة التجاوز لهذه الفروقات عند التصدي للقضايا الحياتية بقوله (إن على الغربيين أن يتخلوا عن أسلوب فكرة تقسيم البشر إلى فريقين، فريق الناجين وهم المسيحيون حسبما يعتقدون وفريق الهالكين وهم غير المسيحيين. كما يجب أيضاً أن يتخلوا عن اعتقادهم الذي يرى أن أسلوب الحياة الغربية هو الأسلوب الصائب اطلاقاً. إن مثل هذا الاعتقاد الذي يرى أن كل شيء يجب أن يسير على النمط الغربي، فيه الكثير من الخطل.. وسيلاقي الكثير من المقاومة).

أظن أن هذا الخطل هو ما حدث بالضبط وحتماً سيجد المقاومة والرفض من عامة المسلمين في العالم وعلى أولئك المؤيدين لنشر الصحيفة تلك الإساءة البليغة باسم الحريات التي هي بمثابة المقدسات للإنسان الأوربي مراعاة هذه الخصوصيات الشرقية المستمدة في الأصل من دينهم المستحكم في كافة أنماط الحياة، والقول بإمكانية الجمع والمزاوجة فيما بين الحياتين الغربية والشرقية في اطار حضاري أو ثقافي واحد قد يمكن استساغته وقبوله في كثير من النواحي الجامعة لكن في الوقت نفسه تبقى هنالك فروقات تستوجب المعرفة والحذر، خاصة اذا عرفنا بمترتبات إهمالها أو تجاوزها مهما كانت الأسباب والمبررات، فلا يعني أن حرية التعبير في الغرب المفتوحة على مصراعيها ووصلت لحد التصوير الدرامي للذات الإلهية والأنبياء مثلما رأينا في فيلم (آلام المسيح) أنها صالحة لمجتمعاتنا الشرقية المحافظة والمختلفة كلياً إذا ما تعلق الأمر بالمقدس والعقائدي باعتبارها من المحرمات الدينية غير القابلة للمساس أو العبث في كل الأحوال وتحت أي مسمى كحرية الرأي أو التشريعات الوضعية المطلوب احترامها على الرغم أن ما يراد انتهاكه - نصاً مقدساً أو تشريعاً - مصدره الدين وليس البرلمان الأوربي أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو غيرها من الملابسات والمفاهيم المغلوطة التي للأسف كان الأحرى بنا سبر غورها قبل حدوث ما حدث ومازال أمامنا متسع لقول كلمة الفصل حول هذه الفروقات في أسلوب الحياة مادامت غالبية المجتمعات الغربية لا تتحمل وزر جهلها بما تظنه مساساً في الحريات بينما نعده انتهاكاً للمقدسات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى