الشارقة تحتضن الأدباء والكتاب العرب:اجتماع المكتب الدائم وندوة جماليات التحديث في الأدب العربي

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> مذاق خاص تتسراه الروح حين يكون الانزياح متاحاً لخلق ناشئة تعرفية بالمكان والزمان في نطاق الخليج والجزيرة العربية، بالاعتماد على الحواس وباستنطاق الممكنات من الشفاهة والرؤية وإلى حدود التماهي. والمكان تحدده فضاءات التحرك الابداعي العربي بالشارقة عاصمة الثقافة العربية ملتقى يضم شتات الأفئدة العربية بضميرها المتكلم - الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب- وبالزمان الذي كان قد تحدد لعقد الاجتماع الدائم للاتحاد وعلى حواشيه والمتن أيضا تعقد ندوة : جماليات التحديث في القصة العربية القصيرة في الخليج والجزيرة العربية أنموذجاً، وذلك في الفترة من 23-25 يناير 2006م.

عندما سبحنا في فضاء دبي فجراً كانت المدينة لا تستيقظ، لأنها - بإيجاز - لا تنام، وكان الطريق إلى الشارقة سريعاً تقطعه جسور ضخمة من الأحلام المحققة فوق رمال الخليج العربي غوصاً إلى الأعماق أو تفجراً نحو الآفاق، ويكون كل شيء جميلاً ومرتباً وفارهاً في الصنعة والإبداع من الإسفلت إلى الحدائق والزهور إلى ناطحات السحاب الزجاجية وحتى الكناري والعصافير الملونة.

لم ننم كثيراً في الفندق فقد كنا على موعد يتحقق في مساحة الممكن عربياً، ومساحته (تاريخ طويل) حاضنه وصانعه اتحاد عام الأدباء والكتاب العرب منذ تلقف رسالته التوحيدية على مستوى الوطن الكبير ولأبنائه الناطقين بالضاد في خمسينيات القرن العشرين، إذاً هو يحافظ على هذه (الرسالة) في خابية القلب وحدقات العين.

كان الكلُّ مملوكاً لمشاعر اللحظة، بانزياح نحو أفق التوحد واجتياز تشوهات تصنعها السياسة، رئيس الاتحاد الأستاذ عزالدين الميهوبي من الجزائر الشقيق في قلب خافقة الاحتفاء، وصانع تموجات الاتحاد و(جوكره) بغير منازع د. علي عقلة عرسان الأمين العام من سوريا الصمود. وبينهما تدافع محمود من مغرب العرب على المحيط الهادر إلى مملكة البحرين على الخليج الزاخر.

أما الإمارات فقد كانت ممثلة باتحاد كتابها يترأسهم حارب خميس الظاهري، وجندت الشارقة امكاناتها للحدث الإبداعي العربي في سبيل إنجاحه، ولم تبخل بشيء إلا أن يكون الحضور مقتصراً على الضيوف بينما التوق أن يتوازى حضور الضيف والمضيف، ورغم ذلك كان الترتيب الدقيق عنوان الحدث، كنت أرى الأخت الأمين العام الشاعرة هدى أبلان وهي تحتل بملء نصاعة الحضور مكانها في اجتماعات المكتب الدائم، ولأقرأ معنى المتحرك في سيرورة الاتحاد، وقد كان الأستاذ المؤسس عمر الجاوي قطب الالتقاء والجذب في اجتماعات ومؤتمرات الاتحاد منذ أطلق صيحته الشهيرة (مدد يا سباعي ..مدد) من أجل فرض تمثيل اليمن باتحادها، وقد كان له ما أراد وعندما رأيت المكان المخصص لرابطة الأدباء في الكويت ويتربعه الأستاذ عبدالله خلف بجدارة الانتماء للرابطة والتمثيل، استحضرت الأستاذ أحمد السقاف وقد كان أمين الرابطة ورئيس وفودها إلى المؤتمرات والمهرجانات الأدبية العربية لسنوات طويلة، والصوت العربي المدوي والمعبر شعراً عن قضايانا العربية.

لم أفق من لحظات التأمل والاستحضار لزمان مضى إلا على صوت الأستاذ علي عقلة عرسان وهو يشيد بالحضور الجديد المتمثل في جيل من الشباب الذي يحضر لأول مرة اجتماعات المكتب الدائم، راجياً أن يستوعب هؤلاء بعض القضايا المحتدمة - ومنها قضية عضوية فلسطين - قبل أن يدلوا بدلوهم في النقاش والجدل بدافع العاطفة وقد شعرت وكأن الكلام إشارة مبطنة لي وقد تملكتني الحماسة وأنا أسمع حجج الأخ رئيس وفد فلسطين.

وقد كان الخروج من المأزق: استكمال عقد المؤتمرات الخاصة باتحاد أدباء فلسطين في مناطق الشتات وتحديداً في سوريا بعد أن تسنى للإخوة عقدها في غزة والضفة ومناطق شتات أخرى خارج فلسطين على أن يحضرها اثنان من الاتحادات العربية إلى جانب الأمين العام علي عقلة عرسان وممثل فلسطين في المكتب الدائم.

استعرض تقرير الأمانة ما تم إنجازه منذ الاجتماع الفائت في الجزائر وأهمه ترجمة 14 رواية عربية إلى اللغة الصينية ومثلها إلى اللغة الروسية وإن كانت وقفاً على إيجاد دور نشر يعتدُّ بها لتقوم بطباعتها في روسيا الاتحادية وأقر الاجتماع - ضمن قضايا كثيرة - منح درع القدس للفقيد عبدالله الطيب رئيس اتحاد أدباء وكتاب السودان السابق، الذي خدم الثقافة والأدب والفقه في السودان والوطن العربي، وتكريمه والاحتفاء به كرائد من رواد الأدب والثقافة في الاجتماع القادم الذي من المقرر عقده منتصف هذا العام في بلادنا على أن تعقد على هامش الاجتماع ندوة مكرسة للذكرى الـ (ستمائة) للعلامة عبدالرحمن بن خلدون.

أما ندوة (جماليات التحديث في الأدب العربي- الخليج العربي وشبه الجزيرة أنموذجاً) فقد ضمت المحاور التالية :

- المحور الأول: جماليات التحديث في الرواية الخليجية.

- المحور الثاني: جماليات التحديث في القصة الخليجية.

- المحور الثالث: جماليات التحديث في أدب الطفل.

وقد طغى على البحوث المقدمة ميل واضح إلى العرض التاريخي لمسار وتطور الرواية والقصة في الخليج، إلا عدداً من الدراسات التي لامست قضايا التحديث وجمالياته في القصة والرواية وإن كان للإمارات العربية نصيب الأسد من الدراسات والبحوث المقدمة خلافاً لعنوان الندوة.

وقد قدم من اليمن الأخ الأديب عبدالرحمن عبدالخالق ورقة بحثية بعنوان :

«جماليات التحديث في أدب الطفل» كما قدم د. عمر عبدالعزيز ورقة أخرى بعنوان :«البردوني سارداً -الزبيري رائيا».

وقد فجرت ملاحظات الأستاذ عبدالله خلف رئيس وفد دولة الكويت الانتقادية لبعض الذين قدموا استعراض دراساتهم بلهجاتهم دوناً عن اللغة الفصحى حيث تنطق بعض الحروف بغير ما يجب أن تنطق به، وانقسام الحاضرين بين مؤيد ومعارض.

وقد استقبل سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي أعضاء الوفود المشاركة في قصره بالشارقة صباح يوم 25 يناير الماضي، حيث تبادل الكلمات الودية مع رئيس وأمين عام الاتحاد عزالدين الميهوبي وعلي عقلة عرسان، وقدم القاسمي في سياق حديثه مقترحات من شأنها تعزيز فعالية الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في المشهد الثقافي العربي مبدياً مساعدته ومساهمته في هذا الجانب من خلال إيقاف أرض في إمارة الشارقة يذهب ريعها لصالح الاتحاد مع بناء مقر دائم للاتحاد على جزء من هذه الأرض.

وقد ردّ د. علي علقة عرسان رداً أدبياً جميلاً على هذه المشاعر العربية الصادقة وعلى هذه الأريحية الإماراتية التي تعكس أصالة أهل هذا البلد العربي الذي يخطو بجدارة في سلم التنمية والتطور، كما لم ينس أن يشير إلى أهمية الاهتمام باللغة العربية خاصة في الجامعات والمدارس ورياض الأطفال حفاظاً على الهوية العربية.

وقد تجمعت الوفود العربية مساء ذلك اليوم في صالة الفندق في جلسة سمر تخللتها الكلمات الودية والقصائد الشعرية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى