المرأة مرة أخرى ..ضحية

> د.أسمهان عقلان العلس:

>
د.أسمهان عقلان العلس
د.أسمهان عقلان العلس
بعد سياسة الخصخصة التى أرجعت الى المنزل أعدادا كبيرة من النساء في عدن تحديدا، تأتي استراتيجية الأجور لتبتلع سنويا نسبة مهولة من النساء الأكاديميات عاليات التأهيل ، حيث تتداعى في هذه الأيام في الجامعات اليمنية الحكومية قضية إحالة أعداد ممن بلغوا أحد الأجلين إلى المعاش، وذلك وفقا لسياسة الأجور، التي بدأت هذه الجامعات بتطبيقها، والتي سيكون في قوام المرشحين للتعاقد بموجبها كوادر وطنية علمية عالية التأهيل، وسيكون من نتائجها السلبية أن تستنزف إجراءات المعاش سنوياً أعدادا متزايدة من هذه الكوادر ، بحيث تبقى هذه الجامعات على حافة الإفراغ المستمر من خبراتها وتجاربها العلمية.

إن تأثيرهذه السياسة، فيما لو استمر العمل بها، ستؤثر سلبا على المرأة الأكاديمية على وجه الخصوص إذ إن المرشحات للإحالة إلى المعاش من جامعة عدن في هذا العام فقط قد بلغ عددهن 23 امرأة من حاملات الألقاب العلمية العليا.

لقد ارتكز هذا الإجراء في جوهره على نظام التعاقد والمعاش ، ولم يراع على وجه الخصوص استقلالية الجامعات وخصوصياتها ووظائفها الأكاديمية والاجتماعية ، التي لا تحدد بعمر وظيفي. كما لم يراع مضمون وأبعاد هذه السياسة توجهات بلادنا الداعمة لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل أو التزام هذه البلاد بعهود ومواثيق مرتبطة بهذا النهج . وبموجب هذه السياسة ستجبر المرأة على إنهاء خدماتها عند بلوغها سن الخامسة والخمسين ، سواء بلغت أو لم تبلغ العمر الوظيفي المحدد لها في القانون. وسيحمل هذا الإجراء مضموناً آخر، إذ إنه في الوقت الذي قرر فيه هذا النظام سن التقاعد، إلا أنه لم يخفض سن الخدمة الفعلية للمرأة من 35 سنة إلى 30 سنة ، ليتوافق مع خروج المرأة إلى المعاش في سن 55 . وسيفضي هذا الإجراء إلى خروج المرأة من الخدمة الحكومية براتب غير كامل ، وفقا لمبدأ النسبية الذي سيعمل به في هذه الحالة.

إن المرأة في مختلف الدوائر تعد متضررة من هذه الإجراءات ، إلا أن نتائج هذه الإجراءات تبدو أكثر وضوحاً في صفوف المرأة الأكاديمية، لأن متوسط السنوات التي تقضيها المرأة في التعليم العام والجامعي والتخصصي 25 سنة في مختلف المجالات العلمية، ناهيك عن أن هذه السنوات تتزايد في تخصصات الطب والهندسة بما يعني أن دخول المرأة إلى مجال الوظيفة الحكومية لن يتم قبل أن تبلغ سن 28 سنة ، مثال على ذلك ما يمكن أن يحدث في كلية الطب فقط على وجه الخصوص ، التي ستنهي كل كوادرها من النساء ، البالغ عددهن 94 امرأة ، الخدمة الحكومية قبل بلوغهن سنوات الخدمة الفعلية، وهذا مثال لما يمكن أن يحدث في باقي الكليات ، الأمر الذي لن يمنح نظام المعاشات المرأة في هذه الكليات فرصة العمل لأكثر من 25 سنة، وستهدر أمامها نحو عشر سنوات من فرص العمل الحكومي. كما ستضيع على الدولة فرص استثمار عائد تأهيل هذه المرأة لصالح خدمة المجتمع.

إن الرؤية الدقيقة لمضمون هذه الإجراءات يمكن أن تكشف لنا عن نتائج سلبية بعيدة المدى مغايرة لالتزامات الدولة اليمنية تجاه حقوق المرأة ، كما أن هذه السياسة تبدو معرقلة تماما لاستراتيجية النوع الاجتماعي ، التي تسعى الدولة من خلالها إلى إتاحة الفرص المتساوية أمام المرأة والرجل للتمتع بمختلف الفرص المتاحة من قبل المجتمع.

إن أضرارا كثيرة ستلحق بالعملية الأكاديمية بكل أشكالها من جراء هذه السياسة . كما أن أبعاد هذه الإجراءات ستؤثر سلبا على السياسات الأخرى للدولة في الجوانب المتصلة بتنمية المجتمع، إذ إن الإهدار المتواصل لقدرات المرأة تحديدا في الجامعات سيخلق عزوفا لدى هذه المرأة عن استثمار فرص التعليم المتاحة أمامها، رغبة منها في استثمار سنوات عمرها وعدم إهدار قدراتها في التعليم العالي. كما ستترك هذه السياسة اتجاها سلبيا بين صفوف الفتيات من عدم جدوى التعليم العالي ، والاكتفاء بالتأهيل المتوسط الذي سيحقق فرص عمل وحقوقاًً مالية مجدية لهن ، ناهيك عما سيتركه تأثير هذه السياسة في الأسر اليمنية من نزوع بعدم جدوى تعليم البنات، وتعزيز الاتجاه نحو الزواج المبكر لبناتهن، مما يؤدي إلى إرباك السياسة السكانية لليمن في مجال التعليم والعمل والصحة الإنجابية، التي تصرف الدولة من أجلها موارد مالية وبشرية داخلية وخارجية طائلة.

إن القراءة المستفضية والمتأنية لمضمون وأبعاد هذه السياسة في أوساط الجامعات مطلوبة ،لأن ما ستأتي به الأيام من جراء استراتيجة الأجور سيكون أعظم على الجامعات اليمنية بوجه خاص.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى