> «الأيام» عصام خليدي:

تاريخ اليمن يفصح عبر الأزمنة بالأدلة القاطعة والبراهين أن الأرض اليمنية قد صنعت وأنجبت الكثير من العظماء في كافة حقول الثقافة والإبداع وهو ما يشير إليه تاريخ اليمن بإجلال وعرفان إلى أولئك العظماء الذين أسهموا بصورة فذة في مختلف مجالات الثقافة وصنوف الإبداع الإنساني. وفي الواقع إن كلمة (عظماء) يندرج في طياتها من كان لهم دور رائد في تأسيس البنيان الثقافي والمعرفي من خلال عطاءاتهم الإبداعية والفكرية.

ذلكم العطاء الرائع الذي شكل تأسيساً للفعل النهضوي والحداثي الثقافي والإبداعي الذي كان مرده طبيعة العلاقة التي حكمت سياق ذلك التطور مع (السلطة) إذ كانت أكثر (استقلالية) وأقل (تورطاً) في التهافت لخدمة أهواء وأغراض السلطات.

ومن الواضح أن صروف التطور السياسي السلطوي العربي قادت تحت ذرائع ومسميات متعددة وكثيرة إلى ما يشبه الاستبداد القمعي للفكر وبالتالي الهيمنة السلطوية الرسمية على المؤسسات الثقافية والإبداعية وبصورة مباشرة فجة أنتجت الكثير من الإشكالات التي أثرت سلباً على إيقاع التطور الطبيعي لحركة الثقافة والإبداع عموماً. ومع كل الآثار الناتجة عن هذه العلاقات غير السوية تبقى قضية المفكرين المبدعين وتحويلهم إلى أدوات تخضع لأهواء وأمزجة وولاءات متضاربة هي أشد وأعنف أشكال الاضطراب النفسي الفكري ضراوة .

وتأتي الصحوة المتأخرة وبعد أن يتم استخدام كل الطاقات الفكرية والإبداعية حسب ظرف الزمان والمكان لخدمة السلطة بعملية هي أشبه ما يمكن أن نطلق عليها عملية (الاغتصاب الفكري والإبداعي) التي تحدث على إثرها هوة واختلال كبيران في كيان ووجدان المفكر والمبدع، وذلك أمر طبيعي معطياته ذلك النتاج (المبرمج) نظير تلك العلاقة غير السوية كفكر وكيان يجب أن ينمو في مناخ مطلق من الديمقراطية وحرية التعبير. وأمام كل تلك الصراعات والهزات الفكرية تأتي حالة (الاغتراب الفكري والوجداني) في حياة (المفكر والمبدع) فيفقد هويته وانتماءه إلى (ذاته أولاً) وتكون النهاية التي لاشك أنها افراز طبيعي مرده وأسبابه تراكمات العلاقات السلطوية غير المتزنة، ذلك أن القاعدة لتخلق أي نتاج إبداعي بعافية تامة هي توفير مناخ رحب لممارسة الحرية والديمقراطية حيث إنهما التربة الخصبة التي من خلالها ينمو الإبداع ويستقيم عوده وبالطبع لا يعي المفكر والمبدع تلك النهاية الوخيمة وعواقب مسعاه لمثل تلك العلاقات (المفتعلة) وهيمنتها نظراً لوطأة ظروف حياتية ونفسية معينة ربما نالت من توازنه في وقت من الأوقات فلا يدرك أضرار تلك الهيمنة السلطوية إلا بعد أن يتوه في دهاليزها وتفقده بإغراءاتها (اللامحدودة) ما ليس في علمه وبالتالي تفسد عليه أغلى وأعظم ما يملكه من هبة الله.