عبدالرحمن السقاف رطانة البحر وكائنات الماء والضوء والمطر

> «الأيام» محمد حمود أحمد:

> في أمسية تكريمية للشاعر والإعلامي والمسرحي المعروف عبدالرحمن السقاف تقاطر عدد من رجالات الأدب والثقافة والفنون إلى منتدى باهيصمي الثقافي الفني للاحتفاء بثلاثة عقود لؤلؤية في عمره الإبداعي الذي بدأ بالمسرح في مستهل السبعينات، مروراً بالإعلام والدراما التلفزيونية وبنشاط أدبي فاعل ومتفاعل، متوجاً مشواره الحافل بثلاثة دواوين شعرية هي «للوردة رأي أيضاً» و «دندنات لسيدة الموج» و«دم الينابيع هذه رطانتي».

وبدأت الندوة بمداخلة قيمة وضافية للشاعر شوقي شفيق بعنوان «العتبة والمتن.. قراءة في بعض نصوص عبدالرحمن السقاف» واستهلها بالاشارة إلى أن العتبة هي «العنونة» أي عنوان النص، وهي بوابة الدخول إلى فضاءات النص. وترتبط العتبة هنا بمفهوم «المهيمنة» وهو مفهوم جديد يحيل إلى الفكرة التي يتمركز النص حولها.

هذه المفاهيمية التي أوردها هنا تكون دليلي إلى الدخول إلى فضاءات نصوص عبدالرحمن السقاف في مجموعة «دم الينابيع هذه رطانتي» على وجه الخصوص والمهيمنة التي تؤطر مجموعة النصوص هنا «الينابيع ودمها».

وفي المعجم نبع الماء أي خرج، والينبوع عين الماء، ومنه قوله تعالى {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} وفي قراءة نصوص عبدالرحمن في مجموعته هذه تتجلى لنا الفكرة الرئيسة في النصوص كلها وهي «الاحتفاء بالماء» وقد أحصيتُ منذ العنونة الرئيسة للمجموعة وداخل النصوص ما يزيد على مئة مفردة تحيل إلى الماء وتدل عليه وتتعالق معه. خذوا مثلاً «الينابيع، البحر، الغيمة، النهر، أنهل، أترع، الضفاف، الدمع، الندى، صيرة، دفقات، الموج» هذه المفردات وغيرها كثيرة، أسميها كائنات مائية يشتغل عليها السقاف وتمتلئ بها نصوصه. بحيث إن النص الواحد يحضر فيه أكثر من كائن مائي. فلمَ هذا الاحتفاء الشديد بالماء وكائناته؟ ألأن الماء يحيل إلى النقاء والطهر وهو رمز لهما؟ أم لأن بيئة الشاعر تبدأ بالماء وتنتهي به؟ أو لأن الماء يحيل إلى الرومانسية وإلى رقة الروح والإحساس التي ينماز بها عبدالرحمن السقاف الشاعر والإنسان؟

أزعم أن هذه الملامح تجتمع في الشاعر وفي نصوصه.

وتحدث شوقي حول أنواع القراءات ووظائفها في الدخول إلى فضاءات النص وقال : إن قراءتي التذوقية جعلتني أستشف أن الكائنات المائية هي المهيمنة التي يتوسلها الشاعر في نصوصه، ودم الينابيع على ما أرى هو النص المركزي في المجموعة التي سمى بها الشاعر مجموعته، وهو يتوافر على أربع حركات وإضاءة ومشهد وصورة ويتميز باتساعه وتنوعه، ولكأني بالشاعر في النص جرى على ما جرى عليه مؤلفو السيمفونيات، وإن لم يسمّ أجزاء النص كلها فإن من الواضح اعتماده على حركات السيمفونية حيث المدخل التمهيدي يشوبه بعض الهدوء والانسيابية، يتبعه تصاعد درامي تتناثر فيه الأسئلة لكنها لا تتبعثر يشدها خيط درامي يرتفع ويعلو، ويختتم سيمفونيته بالسؤال الذي رددته آلاف الألسنة من قبل: «أما آن للفارس أن يترجل؟»

وبعد قراءة كاملة للنص يقول المتحدث: تحيلنا الإضاءة في مطلع النص إلى عزلة الشاعر والجدول الذي أضاء هذه العزلة. وهذه الإضاءة كانت بمثابة الكشف- بالمعنى الصوفي وبالمعنى التطبيقي والمعملي معاً - للشاعر.

يقول: جدول أضاء في عزلتي

كنت أرى من يعتبرون الأحلام/ ومن نافذة واحدة للماء الذي يدفئ غزلان الروح

حين سرح في حقل/ قرب منديل من خفق الطفولة.

من نافذة واحدة فقط

رأيت كيف تنسلّ التواريخ مذبوحة علناً على جذع هواء صدي.

< الشاعر مبارك سالمين استهل مداخلته بالقول: مداخلة الصديق شوقي شفيق عبرت عن المكانة الكبيرة للشاعر عبدالرحمن السقاف في حياتنا، وأنا أحتفظ له بذكرى عطرة وفي مكان جميل من الذاكرة عندما كان في المسرح الشعبي يقرأ شعراً ذات يوم من عام 1971م ولم أكن أعرف هل هو شعره أو ضمن النص المسرحي فعبدالرحمن ممثل مسرحي بامتياز وأنا شخصياً أدين لتلك اللحظة بتعزز ميولي للشعر، ونحو الأدب عموماً. ومنذ ذلك العام وإلى اليوم يكون قد تجاوز الثلاثين عاماًَ في مسيرته الابداعية ومن وحي هذه الليلة المضيئة ومن وحي عبدالرحمن الشاعر والانسان، أستطيع القول استناداً إلى ما علق في ذاكرتي من خصائص شعرية لعبدالرحمن أن أهم ما يميزه هو عناوين دواوينه الشعرية.. وهذه ميزة ذات أهمية خاصة. (دم الينابيع هذه رطانتي، دندنات لسيدة الموج) فهو ببراعة الشاعر يضع عناوينه. فالعنوان كما يصفه رولان بارك يحيل النص أو هو ما يضيء النص ويقود المتلقي إلى فضاءاته. وبالاضافة إلى عناوينه، تلتحم لدى عبدالرحمن تلك المفردات التي يحتاج إليها الشعر ولعل أهم هذه المفردات تلك المفردات المتصلة بالصوفية في استخدامها الشعري الخاص، فدم الينابيع هذه رطانتي ديوان يحتشد بهذه المفردات من القطرة إلى الخمرة إلى آخره من الألفاظ ذات الدلالة الصوفية وتختلط الصوفية عند عبدالرحمن السقاف بسريالية واضحة ولعل سرياليته هي من نمط السيريالية المتشح بالواقعية، أي لا يغيب معها المعنى. ويقول : لغة عبدالرحمن لغة صافية، لغة فيها من الاشراق مع استقامة الشعر بنفس سريالي، صوفي في الآن ذاته. وعبدالرحمن كانت انحيازاته على الدوام خارج الاطار المحلي والقولبة وقد برز كشاعر في منتصف السبعينات بين 40 إلى 50 شاعراً لم يستمر منهم الا القليلون، فعبدالرحمن السقاف كانت انحيازاته للشعر على الدوام وأظن أنه ليس حضرمياً وليس لحجياً وليس عدنياً.. ليس إلا شاعراً ينتمي إلى قبيلة الشعراء. ويمكن أن نسميه وفقاً لعلم الاجتماع المعاصر «انه ينتمي إلى الإثنية الشعرية». فلدى الشعراء إثنية وظيفية واحدة أكثر من باقي الاثنيات الاخرى ولهم لغتهم الشعرية التي يتصلون ببعضهم من خلالها. فكما لاحظنا اللغة الشعرية في دم الينابيع أن الكلمتين اقترنتنا لتكونا معنى خاصاً جديداً يختلف عن معنى كل مفردة على حدة. وفيها انزياح واضح في المعنى في اللغة، وهذا هو الطابع الشعري لعبدالرحمن السقاف. وما يمكن أن أختم به مداخلتي على أهميته هو ميل عبدالرحمن السقاف إلى الغنائية والغناء.

وكما يقال: الشعر مقوده الغناء. وحتى في مقاطعه النثرية تسود هذه الغنائية في نصوصه وتجده يغني، وهذه خاصة لا يتسم بها الا شاعر كبير من طراز عبدالرحمن السقاف.

وقدم الشاعر عبدالرحمن ابراهيم قراءة نقدية لنص شعري لعبدالرحمن السقاف بعنوان (سلاماً.. عدن) عبر فيها عن إعجابه بالنص مؤكدا خاصية الغناء في شعر السقاف، وتناول النسق الشعري والجرس الموسيقي للألفاظ واستخدام البحور الشعرية الشائعة لدى عبدالرحمن كالمتقارب والمتدارك وحرية انتقاله بين تفعيلات البحور لخدمة المعنى المراد وعدم الانجرار وراء الوزن الشعري على حساب الفكرة والمضمون.

وقد ألقيت عدد من الكلمات التي قيمت تجربة الشاعر من عدد من الأدباء ومنح المحتفى به هدية رمزية وشهادة تقديرية من هيئة منتدى باهيصمي في ختام الاحتفالية التكريمية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى