أولوياتنا: حماية البيئة والمواد الغذائية والأدوية من التلوث

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
صدف لي يوم الجمعة الماضية أن تعرفت على صياد عجوز، رجل دمث الأخلاق ووديع جداً، ووظيفته كما تعلمون خدمة الإنسان والبحر.. الصياد العجوز، هذه المرة، كان غاضباً جداً وحزيناً، وقال قبل أن أنهي سؤالي له عن رائحة البحر النتنة ولونه الأخضر: هناك حالات عابرة كانت تحدث، وتعطي رائحة ولكنها رائحة مقبولة، لكن هذه الرائحة وهذا اللون الأخضر لم أصادفهما ولم أعشهما طوال حياتي.. إلى هنا وانتهى حديث الصياد العجوز.

وسؤالنا نحن غير الصيادين هو، ولكن لماذا حدث ذلك؟! وما السبب في أن نجد أنفسنا فجأة أمام بحر أخضر ورائحة نتنة؟ فهل هذه العملية تنشأ من تلقاء نفسها، من لا شيء، وهي نتيجة طبيعية، أم ماذا؟! أما الحكومة، فلم تسأل ولم تجب! ولم تقدم طوال الفترة الماضية أي تفسير إزاء التعدي على البيئة البحرية وعناصرها ومكوناتها منذ ظهور البراميل المحملة بالمواد الكيماوية على شواطئ شقرة وغيرها، وكذلك نفوق الأسماك الصغيرة والكبيرة على شواطئ المهرة وعدن، والشكاوى المتكررة من جهات مسئولة حول عمليات الجرف العشوائية التي تتعرض له مزارع الأسماك والأحياء البحرية.. إضافة إلى ما نشاهده على الشواطئ من بقايا الزيوت السوداء ونفايات السفن وغيرها التي من المؤكد أنها تنقل الكثير من الأمراض.. حتى أصبحت تلك المخلفات أحد المصادر الرئيسة الملوثة للبحر وللبيئة بشكل عام.. وأصبح الإنسان في مسيس الحاجة لمن يضع له النقط على الأحرف كي يعرف على الأقل كيف يحمي نفسه.

و أضحت حماية البيئة ضرورة لحماية وسلامة الإنسان لدرجة علت فيها الأصوات في المحافل الدولية والندوات العلمية والقانونية للمناداة بحق الإنسان في بيئة ملائمة، وضرورة المحافظة على الوسط البيئي الطبيعي الذي يعيش فيه.. وبدلاً من أن تكون أشجار الفاكهة هي الخضراء، أصبح البحر هو الأخضر والأشجار ضامرة وصفراء من جراء التلوث الناشئ عن استخدام بعض المواد الكيماوية، التي تكمن خطورتها في إفساد الأشجار والتربة وأجهزة جسم الإنسان، حيث تنتقل هذه المواد السامة عبر المياه والهواء والفاكهة وتسبب مرض السرطان (عشرون ألف إصابة سنوية بالسرطان في بلادنا). وقد أشارت المنظمات الدولية والإقليمية الخاصة بمكافحة أخطار تلوث البيئة إلى المخلفات السامة التي تقذف بها السفن كل يوم في البحار والمحيطات وكذلك بما يستخدم في الزراعة من رش المبيدات الحشرية، وصعوبة التحكم في مدى تلوث الأماكن السكنية وحظائر الحيوانات والحاصلات الغذائية، بل ويمتد تأثير ذلك إلى الأحواض والمسطحات المائية.. وترش مئات الأطنان من المبيدات الحشرية والمواد الكيماوية الأخرى على أشجار الفاكهة والمزروعات حتى تحولت تلك الثمار إلى ثمار جوفاء لا طعم لها ولا رائحة.. وتطرح آلاف أخرى من الأطنان من المواد النفطية وغيرها سنوياً في مياه بحارنا.. وبالرغم من العقوبات الصارمة التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية بحق المخالفين الذين يلوثون البحار والمحيطات فإن هؤلاء غالباً ما ينجحون في الفلات من القانون.

ويمكن لنا من خلال العرض السابق وبناء عليه أن نطالب الجهات المسئولة توضيح - على الأقل - تلك الظواهر التي تشكل اعتداء محققاً على حق المواطن اليمني في العيش في بيئة ملائمة؟! خاصة ونحن أكثر شعوب الشرق الأوسط إصابة بأمراض التلوث والعدوى.. بل وأهدر هذا التلوث المقومات الجوهرية للحق في سلامة وصحة المواطن وأمنه الشخصي.. وحتى لا تختلط أمور السياسة في أخطر المسائل الحياتية، فعلى الدولة بكافة أجهزتها أن تكثف الرقابة على الواردات بالموانئ اليمنية (خاصة المواد الغذائية والأدوية)، وضرورة وجود شهادة المنشأ ضمن الأوراق الرسمية ومعتمدة من السفارة اليمنية بها تفيد بصلاحية السلعة، وأن تتحول معامل الفحص من العاصمة صنعاء إلى المنافذ الجمركية، وأن يكون هناك كشف بالمواد الغذائية المستوردة، ولا يجوز استيراد أي سلع غذائية إلا إذا كانت مصحوبة بشهادة من بلد المنشأ مصدق عليها من السفارة اليمنية هناك.. وعلى المختصين في الجمارك طلب تقديم هذه الشهادة من المستوردين سواءً أكانوا من القطاع الحكومي أو العام أو الخاص أو التعاوني أو غير ذلك قبل الإفراج على السلعة، والاستعانة بالمنظمات الدولية والإقليمية (الوكالة الدولية لحماية البيئة، والوكالة الدولية لبحوث السرطان، منظمة الصحة العالمية وبرامج الوكالة الدولية للطاقة الذرية) لمعرفة خططها الخاصة بمكافحة أخطار تلوث البيئة.. والقواعد التي يجب على الدول مراعاتها لوقاية صحة الإنسان وحمايته من التلوث.. ومساعدة تلك الوكالات بذلك.. وضرورة وجود سياسة جنائية تحمي حق الإنسان في بيئة ملائمة، وفي العيش في بيئة طبيعية خالية من التلوث ومخاطره.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى