مرة أخرى .. الحرب الخفية على «الأيام»

> سعيد عولقي:

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
أكتب عن «الأيام» لـ «الأيام» .. «الأيام» الصحيفة والمدرسة والتاريخ والقضية والموقف والدور الرائد في البحث المستمر عن مساحات أوسع للحرية ومسافات أبعد للاستقلال الحقيقي في الرأي والفكر والممارسة.. عن «الأيام» وما تمثله «الأيام» من قيمة ثقافية ومهنية وأخلاقية تحفر في الصخر من أجل ارساء تقاليد تعطي للحق فرصة ليعبر عن نفسه وللقارئ مجالاً للبوح بمعاناته وللمواطن فسحة لمعرفة ما يدور حوله ومن وراء ظهره من حوادث وأحداث.. وهي تفعل ذلك بإصرار وعناد متواصل في رحلة البحث المستمر عن الحقيقة والانتصار لها برغم قوة الاغلال وقسوة الاسلاك الشائكة وحقول الالغام التي تتحرك وسطها متحدية خوف الطغاة من الكلمات!

أكتب عن «الأيام» ليس لمجرد التعبير عن وجهة نظر أو موقف تضامن بشأن واقعة بعينها أو حادثة بحد ذاتها فما اكثر الوقائع والحوادث والمضايقات التي تعرضت وتتعرض لها «الأيام» طوال مسيرتها المحاصرة بالتضييق والمضايقة.. لا.. ليس هذا فحسب.. أنا لا أتكلم عن (حادثة) وإنما عن (حالة) والفرق كما تعلمون كبير.. فإذا كانت المسألة محصورة في إطار حادثة لهان الأمر لأن الحوادث تشغل بوقوعها فترة زمنية أو حتى مرحلة محدودة بزمنها وظروفها ثم تنتهي بزوال تلك الظروف ودواعيها وملابساتها.. أما الحالة فإنها تتجاوز ما هو آني ومرحلي إلى ما هو طويل الأمد وبعيد المدى وهنا تكمن خطورتها.. إنها لا ترتبط بحدث محدد في حد ذاته ولا بواقعة معينة بعينها ولاحتى بزمن ولكنها تتجه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة نحو محاربة الفكرة نفسها وما تمثله هذه الفكرة من معانٍ وما تحدثه من تأثير.. وبناء على قواعد هذه الحالة ونتيجة لفرض أهدافها تتعرض صحيفة «الأيام» بكتابها ومراسليها وفنييها للملاحقات والمضايقات المستمرة.. أما أصحاب دار «الأيام» من آل باشراحيل وعلى رأسهم الأخوان هشام وتمام باشراحيل الناشران فإن الضغوط المتواصلة التي يواجهانها تتعدد وتتجدد وتتلون ولا تكاد تنتهي في كل مرة إلاّ لتبدأ من جديد مرة أخرى.. وهكذا فإن هذه (الحالة) تبقي «الأيام» بدون انقطاع تقريباً في وضع من الاستنفار يكاد أن يكون منتظماً أو حتى منظماً في تواصله الذي يتخذ طابع الحرب الخفية التي لا تتخللها الهدنة إلاّ في أوقات قليلة نادرة وبشروط المعتدي! وهذه الحرب الخفية ضد «الأيام» تتيح للخصم الذي يمثل السلطة - أو يعمل بإيحاء منها - كل ما يلزمه من وسائل وأساليب وأدوات تزخر بها ترسانتها التي لا ينضب معينها ابتداءً من القوانين المفصلة لقمع الحريات ومروراً خلف تلك القوانين نفسها التي فصلتها بنفسها، اختصاراً للوقت.. وانتهاء بالتلويح بهراوة البوليس واستخدامها وقت الحاجة لقتل أي فكرة تدور في أي رأس يحاول مقاومة القمع.

إن الوطن الذي تعرض ويتعرض لعملية استباحة شاملة ومتواصلة لقيمه وامكانياته ومقدراته وجد نفسه يعيش حالة احباط مستديمة غيبت عن الناس وضوح الرؤية القادرة على إلهاب الجماهير التي بدأت تدرك أن غفلتها بالأمس كانت كارثية وأن خديعتها الآن جريمة وفي الحاتلين فإن المستقبل أمامها غائم.. وفي مواجهة وضع كهذا تعمل السلطة بإصرار على ابقائه طي الكتمان وفرض التعتيم عليه، فإن «الأيام» تتصدى بشجاعة ومثابرة تستحق الإعجاب من أجل رفع الحصار عن الحريات واثبات مقدرتها على التعبير عن تيارها المستقل ونجاحها في أن تقود من حيث تعبر.. وبدون جدال أصبحت «الأيام» تتصدر كل صحف الرأي المستقلة في بلادنا.. وتقف في طليعتها بلا منازع.. وهي مكانة رفيعة لم تكتسبها بين يوم وليلة وإنما نالتها بعد مسيرة كد وعرق ومعاناة طويلة منذ صدورها الأول على يد مؤسسها المغفور له الاستاذ محمد علي باشراحيل وحتى صدورها الثاني على يد نجليه وما حققاه لها من نجاحات متواصلة استحقت بها المكانة التي وصلت إليها.. وبسبب الدور الريادي الذي تحتله «الأيام» والقيم التي تمثلها.. فإنها لم تعد مجرد جريدة.. لقد تحولت إلى رمز من رموز الحرية البارزة وقلعة متقدمة من قلاع الدفاع عنها في مواجهة الحرب الخفية المستمرة ضدها من قوى تبدو وكأنها قد أصيبت في رشدها.

أكتب عن «الأيام» وأنا أدرك أن الحرب الخفية ضدها لن تتوقف إلا باقتلاع الفكرة التي تمثلها وإلغاء الدور الذي تمارسه وإنهاء الرسالة التي تؤديها وإجبارها على الاستسلام.. وبتحقيق هذا الشرط فقط تتوقف الحرب.. لكنه إذا تحقق فإن «الأيام» عندئذ تفقد مبرر وجودها و«الأيام» أكبر من أن تستسلم للابتزاز.. وأكبر من أن تنكس رايتها وتتخلى عن قضيتها.. وأكبر من هذه الحرب الخفية ومعاركها الصغيرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى