المحطة الأخـيرة..اهمية الرأي العام

> د. صالح يحيى سعيد:

>
د. صالح يحيى سعيد
د. صالح يحيى سعيد
على الرغم من أن دراسة موضوع الرأي العام بعناية تامة لازالت حديثة المنشأ وأن استخدام مفهومه علمياً وسياسياً قد بدأ منذ عام 1789م وهو عام انطلاقة الثورة الفرنسية الكبرى، إلا أن الاهتمام فيه - أي بالرأي العام - قد شغل بال المجتمعات الإنسانية وسلطاتها ومفكريها وفلاسفتها منذ أقدم العصور، وذلك نظراً لما يشكله من أهمية كبيرة.

ويجمع معظم العلماء والباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية وخاصة في علمي الاجتماع والنفس، على أن مفهوم الرأي العام هو عبارة عن مجمل آراء جماعة معينة أو المعبر عن آراء جزء كبير منها على أقل تقدير، وذلك تجاه قضية معينة تشغل بالها في الحاضر وتجاه المستقبل، ويأتي في مقدمة الجماعات الإنسانية الأمم والشعوب. وإذا كان للرأي العام وعلى مر التاريخ أدوار مهمة في صنع الأحداث وتطور المجتمعات بمختلف جماعاتها ومؤسساتها ومجالاتها وفي ظل ظروف وخصائص متفاوتة لم يساعد بعضها على إتاحة كامل الفرص للرأي العام لكي يعبر صراحة عن نفسه ويظهر قوته ويفجر إبداعاته الخلاقة فإنه قد أصبح قوة تنظيمية هائلة ذات أهمية كبيرة في المجتمع المعاصر الذي يتسم بازدياد حجم السكان وتفاقم الأزمات وتطور وعي الشعوب وثقافتها وانتشار التعليم ومبادئ الديمقراطية وحرية القول والتعبير، والتطورات الكبيرة والمتسارعة في شبكتي الاتصال والمعلومات، والمناداة بحق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وتجديد وبناء وتطور مؤسسات المجتمع الحديثة.. الخ.

وتتجلى أهمية الرأي العام في المجتمع المعاصر من خلال عدة مظاهر أبرزها:

المشاركة الفعالة في رسم السياسات والأهداف العامة وصنع القرارات الاستراتيجية وذلك عبر ممثليه في المجالس النيابية والمحلية واللجان التخصصية المختلفة الحكومية والأهلية وكذا من خلال أطروحات المفكرين والعلماء وما ينشره المواطنون في مختلف وسائل الإعلام الرسمية والخاصة. أصبح الرأي العام وسيلة رقابية فعالة على أداء أجهزة الدولة ومنشآت القطاع الخاص مما يساعد على كشف الأخطاء وتطوير الإيجابيات .

يؤثر الرأي العام بصور مباشرة على مكانة ومستقبل الزعامات والحكومات والأحزاب ويظهر تأثيره هذا أثناء الانتخابات الرئاسية والعامة والمحلية وكذا أثناء الأزمات والأحداث والكوارث.

توقف نجاح العديد من المؤسسات والمنشآت العامة والخاصة ذات الطبيعة الإنتاجية والخدمية المرتبطة بصورة مباشرة بمصالح الجمهور على مدى تعامل هذه المؤسسات والمنشآت مع الرأي العام وكسب ثقته. يمكن القول إن الرأي العام قد أصبح في الأزمنة المعاصرة، هو صانع الثورات التحررية والاجتماعية وصاحب اليد الطولي والرأي الأول تجاه تحقيق مطالب الأمم والشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وبناء حياتها الحرة الكريمة والمستقرة، بعيداً عن تدخلات الاستعمار الخارجي والاستبداد الداخلي.

وأخيراً من الأهمية الإدراك التام أن الرأي العام يصبح قوة تنظيمية جماهيرية سياسية واجتماعية هائلة عندما تجمع مكونيه أهداف ومصالح مشتركة ذات أبعاد ودلالات مهمة قريبة وبعيدة المدى، وكذا فإنه يكون أكثر فاعلية عندما يكون واعياً وموجهاً من قبل قوى وقيادات واعية ومخلصة تريد له الحياة الحرة الكريمة وتحقيق أهدافه التي يناضل ويعمل من أجل تحقيقها، وقد أثبتت تجارب العديد من الشعوب أنه من الصعوبة للغاية تجاوز هيجان الرأي العام وثورته وتجاهل مطالبه المشروعة، وذلك مهما كانت القوى والنوايا التي تقف عائقاً أمامه.

أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى