(لحج) قيثارة الوادي الحزين

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
لخولة أطلال ببرقة تهمد ** تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد .. قفز إلى ذهني هذا البيت الشعري وأنا أدلف إلى ما يعرف بدار الحجر أو قصر سلطان لحج العتيق في محافظة لحج، القصر الذي يحمل في طابعه المعماري نمطاً فريداً للمعمار الهندي وهو ما يدل على تأثر سلاطين ذلك الزمن بالثقافة الهندية، وربما احتكاكهم إما عبر الرحلات إلى بلاد الهند أو من خلال تلك الجالية الهندية واسعة العدد التي رافقت الإنجليز إلى عدن وشغلت العديد من الأعمال الإدارية، فكان لها أن اختلطت بالسكان .. حتى أصبحت جزءاً من ذلكم النسيج الاجتماعي.

عموماً دلفت القصر ببهوه العتيق.. ونفاذ رائحة دبغه تستقبلك عند سلالمه.. وهي الرائحة ذاتها التي ذكرتني بسنوات دراستي الثانوية بالمحافظة قبل ربع قرن من الزمن، حين كان القصر قسماً داخلياً للطلاب الوافدين من قرى ومدن محافظة لحج.

الغريب بعد مضي كل هذه السنوات أن القصر على هيئته كتحفة معمارية ما زال موطناً للأشباح لم يشهد أي ترميمات رغم احتوائه على مقر اتحاد الفنانين بالمحافظة، وهو الاتحاد الذي له باع طويل في فن الغناء اللحجي الذي يزخر بقائمة طويلة من الفنانين الذين مثل عطاؤهم وجهاً بديعاً للفن اليمني اللحجي بلوحات شعراء أمثال الأمير أحمد فضل القمندان وصالح نصيب والمحلتي والمغلس.. وغيرهم.

هكذا بدت لي مدينة لحج الحاضرة التي تسكنني منذ أمد البعيد تدلف إلى شيخوختها العجيبة وتقلصت مساحتها الجمالية، ولم يبق على مداخل شوارعها الأثرية ما يوحي بجلاء صورتها عدا أكشاك أو هي بقايا أكشاك تبيع الفل للمارة. قفز إلى ذهني بستان الحسيني، ذلكم البستان الذي يستقبل القادمين إلى عدن عبر بوابة لحج بأريج نفحات نسائمه العطرة بآيات وتلاوين عطر الفل والكاذي، خليط من تلاوين أشجار الورد التي يزيد من عطرها قدوم المساء حين تهم الشمس بجمع ما بقي من خيوطها الذهبية في أفق آيل للغروب.. لحظات تجلت عندها مخيلة القمندان الأمير الشاعر في مخاطبة الجمال الأخاذ المحيط ببيئته اللحجية التي تستقبل بساتينها دفق مياه العوالي، فتكشف حين إذن عن مفاتنها البضة المخملية التي تأسر الألباب.

شاخت مدينتي التي أكن لأبنائها من الحوطة والثعلب والوهط قدراً من الإجلال والعرفان لعطائهم في الحقل التربوي التعليمي في أطراف المحافظة ومناطقها النائية إثر الاستقلال.

أما ما زاد من جذوة هذه الشجون ما قرأته في الكتاب التاريخي: هدية الزمن لأحمد فضل القمندان، ص 57، من تخالط أنساب الحاضرة اللحجية أو هي قيثارة الوادي الجميل.. بسكان وقرى المناطق المجاورة، في يافع وحالمين والضالع والصبيحة.. أمراء (فرقة) حالمين واتصالهم بالعبادل وآل سلام في كلد وحالمين وكل ما كان من ماض ينم عن علاقة نسب وقربى بين هذه الحاضرة بفيافي الجبال والوهاد والأودية المحيطة.

إلا أن قدراً من الحزن يسكنني عندما أقارن ماضي بهاء المدينة وعطائها الفني والشعري بحاضر الأرض اليباب التي رأيت وخطا المشيب على محياها الجميل.. المتدثرة بصوت الصنعاني واللحجي وحمدون ورهط من رحلوا من أشهر مبدعيها.. المستأنسة بشدو فيصل وغنج الخواجة الصغير.

آملاً أن تتعافى حاضرة لحج مما أصابها من وهن.. وأن نراها متجددة بخمائل بساتينها.. وقيثارة مبدعيها الأعزاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى