أديب وصحفي وأحداث «إعدام عند الفجر»

> «الأيام» علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
الإبداع الفني هو ذاك النشاط الذي يؤديه المبدع مستخدماً من الإشارات ما يعبر عن مضمون عمله الفني.. وهذه الإشارات لها دلالات تهدف إلى التأثير على المتلقي على نحو ما.. وعندما يصل مضمون ذلك العمل الفني عبر تلك الإشارات.. يأتي دور المتلقي ليكملها ويفسرها وينفعل بها وجدانياً.. كما أن الصورة الفنية لأي عمل تختلف من متلق إلى آخر، نظراً لاختلاف الثقافة الخاصة بكل متلق، وكذلك تأثير هذه الإشارات عليه لاختلاف الخبرات الوجدانية عنده. ولأن هذه الإشارات التي يتلقاها من العمل الفني ذات دلالات غير مباشرة.. أو هي مباشرة أحياناً فهي تعتمد على إيحاءات متعددة المستويات. كذلك أنه مهما كان ثراء تلك الإشارات المشبعة بثقافة وخبرات المبدع وثراء أو محدودية ثقافة وخبرات المتلقي، فإن مستويات المشاركة ستختلف في الإحساس بمستوى هذا العمل الفني.. وكلما حمل العمل الفني قدراً أكبر من الإشارات الموحية العميقة كان ثراء العمل الفني فتتعدد مستويات التلقي.

هذه المقدمة في فلسفة الإبداع بين مضمون العمل الفني ومستويات التلقي إنما هي تعبير مساند لعمل إبداعي قرأه لنا الأديب والصحفي الخلوق مختار المقطري، في احتفالية رائعة خصته بها جمعية تنمية الثقافة والأدب وهو نص مسرحي من فصل واحد، الذي استحسن أن يصفه بأنه يمكن أن يأتي أيضاً في مسلك المسرحيات المقروءة. نص أعطى له مؤلفه عنواناً تطابق تماماً مع مضمونه الفلسفي (إعدام عند الفجر).

ونص مسرحية (إعدام عند الفجر) أزعم أنه نص فلسفي لمفهوم الحرية والظلم لدى ديكتاتورية السلطة أياً كان نوع النظام فيها أو في أي عصر هي وما يرتبط بها من مؤسسات سلطوية تابعة، خانعة أو مستغلة فاسدة.. فهي تترجم في الأخير مفهوماً واحداً لنظام سلطوي مبني على قاعدة الظلم والغاية الميكيافيلية. وقد جعل الكاتب من شخوص ومواقع الحدث رمزاً جلياً للصراع بين الظلم والاستبداد من جهة، والحق والحرية من جهة أخرى.

أشار الأديب والباحث والناقد أديب قاسم، في مداخلته أثناء تلك الاحتفالية بقوله:«إن مسرحية (إعدام عند الفجر) تقف على قاعدة من التراث المسرحي في النصوص العربية والعالمية.. يكفي أن يشرع الكاتب بالفكرة فيجد المسرحية.. وكل أشكال وألوان الصراع، غير أنها لا تكون سهلة عند التناول.. إلا متى قيض لها كاتب مقتدر يملك ناصية اللغة والفن، واستطاع النفاذ إلى جوهرها.. ولقد حققت مسرحية (إعدام عند الفجر) هذا المطلب كنص أدبي مسرحي».

ويقول في موقع آخر في مداخلته:«إن طريقتها في الكتابة المسرحية (أدبية) اتسمت بقدرة فنية بارعة على تحريك الحوار وتصعيده.. وقدرة جيدة في استعمال الكلمات في تناسق وتناسب عذب»، هذا التقييم المتبصر للأستاذ أديب قاسم لنص المسرحية لهو كما أتصور شهادة تضاف إلى رصيد الأستاذ مختار المقطري في ابداعاته الأدبية.

ومما لفت اهتمامي وأنا أصغي لتلاوته النص أن هذا العمل قد تميز برؤية فلسفية تمثل مفهوم الصراع وهو صراع درامي جسده عبر العصور ولا يمثل بالضرورة صورة مرسومة أو مشهودة لفترة زمنية محددة، أو واقعة مثبتة بعينها ولكنه صراع عبر عصور في عالمنا العربي، من خلال ما حملته بعض الإشارات المرئية التي يمكن أن نشاهدها في النص، أو المسموعة عبر الحوار التي جمعها المؤلف في مسمياتها المتناقضة مثل (السيف، الشعلة، الشمعة، الورق، المنشور، التحريضي، الوالي، الطعام، الملفوف بالورق وغيرها). وهي مسميات قديمة حديثة تمثل اعترافا ضمنيا بجوهر الصراع النفسي والمعاناة اللذين يمكن أن يجابههما المؤلف في هذا العمل، إذ تطلب منه أن يوصل حدث الأمس باليوم إلى حد التأزم والانشداد والمجابهة والضمير، والاعتراف الصريح والرمزي هدفه من ذلك كله عرض فلسفته لمفهوم الحرية وكذلك المعاناة والظلم.. فنجده في حواراته المتسارعة ما بين سجينين لا سواهما وسجان وقائد أوحد قد جعل في تعابير الحوار بينهم ومعانيه متوترة منقبضة كما هو حال الأسلوب الدرامي الذي اتبعه حين جعله سبيلاً هو الآخر للتعبير عن مكنونات نفسية متداخلة بانفعالات وإيقاعات بطيئة تعبر عن مأساة تراجيدية موجعة ومؤلمة يتعرض لها من يتجه نحو النور بحثاً عن الحرية مدافعاًَ عنها رغم يأسه.

ولأن النص يقف على قاعدة من التراث المسرحي العربي والأجنبي كما جاء في إشارة الأستاذ أديب قاسم، فإن فيه محاكاة لنصين من الأدب العالمي هما (الكونت دي مونت كريستو) الذي تحول إلى فيلم عربي (أمير الانتقام) وكذلك (قصة مدينتين).

ومما لا ينسى في تلك الأمسية اهتمام ومتابعة الحضور لقراءة النص وإعجابهم به مما جعل من مداخلاتهم تأخذ قدراً أكبر من الوقت المخصص.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى