حبيب سروري المسكون بعدن

> «الأيام» د. معن عبدالباري قاسم:

> أعطى علم النفس الكثير من الاهتمام لعملية الإدراك (Perseption) كونها عملية عقلية معرفية تفسر المثير من المعلومات المحسوسة الواردة من البيئة إلى الدماغ ليحولها إلى خبرة إنسانية مخزونة في الذاكرة، وستكون عملية استرجاعها مرهونة، كما يفيدنا تراث البحث في العلوم النفسية، بعوامل الزمن، المكان، الدافعية والانفعالية.

وتلعب عملية التنشئة الاجتماعية دوراً مهماً وفاعلاً في تنمية القدرات، المهارات الإدراكية وبالمثل حفظها وفقاً لخصائص النمو العمرية (بالطبع للوراثة بصمتها الأساسية في الخلق النوعي للمادة الإنسانية). إن إدراك المكان، الزمان والأشخاص ليس فقط محصلة نمائية للشخصية وتطورها ولكنها أيضاً عملية تأكيد الهوية، الانتماء، الارتباط بالماضي، الحاضر، المستقبل لهذا العالم.

لهذا نجد دوماً أن المواقع المكانية أبرز الاستهدافات في حالات الحروب والصراعات والتنازعات، من خلال تغير المعالم - تغير الهوية المكان يعني تغير وظيفة، وبالتالي يفضي إلى تغير الأنماط السلوكية والعلاقات تباعاً (سلباً، كانت أم إيجاباً.

على أن التفسير السلوكي يخبرنا أن شدة التغيرات وقسوتها تخل دوماً بدرجة تكيف الإنسان) وبتحليل نفسي أعمق يعتبر مؤشرا خطيرا لدرجة الصحة والاضطراب للإنسان.

في رواية حبيب سروري المتميزة (دملان) تنعكس بوضوح تلك الخصائص الإدراكية الانطباعية الشخصية في الرواية والتي سنحاول أن نشير إلى بعض من جوانبها فقط لمحدودية الحيز هنا.

ففي دملان ترتسم لنا معالم المدينة (عدن) وشخوصها وعبق لهجتها العدنية المدللة. وسأحاول هنا أن أرصد ذلك من منظور كمي أكثر منه نوعي في تناول كم الاستحواذ عند حبيب نحو هذه المدينة الباسلة، المنحوسة، الجميلة والبائسة.

عشق المكان في عدن:

كما القاهرة معشوقة نجيب محفوظ، وسان بطرسبورج عند ديسكوفسكي، ها هي عدن كذلك عند حبيب سروري في دملان تتسلسل، المعالم الجغرافية، الطبيعية منها والعمرانية المدنية من بداية الرواية حتى منتهاها، من صيدلية سقراط ومكتبة المعري في ص7 حتى كلية الاقتصاد بجامعة عدن ص 459، وهي بداية ونهاية -قد تكون صدفة- تعكس في ما تعكسه من لا وعي الراوي، وزن العلم والثقافة وازدهار المدنية والحضرية فيها ولسكانها، بأبعادها المتعددة التكوينات بأفق رحب وعالمي (سقراط) وقومي عربي (المعري) ووطني محلي (جامعة عدن).

وهكذا يجد القارئ حنيناً وارتباطاً روحياً ومكانياً مع المواقع المشار إليها في الرواية لمدينة عدن وخصوصاً أولئك الذين ولدوا وتربوا وتعلموا وعاشوا وعانوا وعشقوا وتعذبوا، فرحوا وحزنوا في معظم الأوقات من سيرة حياتهم داخل هذه المدينة، وتلك عملية نفسية طبيعية تعكس روح الانتماء والتعلق العاطفي المقرون وفقاً للتحليل النفسي عند فرويد بالدفء والتشبع العاطفي الأسري والأمومي تحديداً منه.

وبمرور سريع لصفحات الرواية، يشعرك المؤلف بمدى الحنين والمعاناة التوثيقية الاغترابية لصور مواقع معالم عدن المحفورة في الذاكرة، بنكهة خاصة لكل موقع سواء ما تلاشى منها أو بقي مثل مطار عدن، ص 11، شارع المعلا الرئيسي ص 27 ، زريبة كباش السيلة (تلاشت) ص 32، مسجد دغبوس ص 98، جولدمور ص 57، سينما بلقيس وشيناز ص 55، السيسبان (تلاشت) ص 62، مرقص شيناز(تلاشى) ص 196، مدينة الشعب والبريقة ص 80، السيلرس كلوب، نادي البحارة ص 113، شواطئ جولدمور في عدن، شاطئ خليج الفيل، صخرة خرطوم الفيل قرب النادي اليمني، ساحل العشاق ص 268، ساحل معاشيق، ساحل أبين، ساحل الغدير، المطعم الصيني شينج سينج، جولة خورمكسر، جبل حديد، أطراف خورمكسر، فندق عدن، الطريق البحري الذي يتوجه نحو الشيخ عثمان، من جبل صيرة ومينائه الميثولوجي الصغير ص 295، شعب العيدروس بحي كريتر، حافة حسين في كريتر ص 411.

إدراك الشخوص:

بمقدار ما للرواية من سيرة ذاتية لحبيب فإنها أيضاً لمدينة عدن مسقط رأسه يتحاكى في ذلك من خلال تتبع أسماء شخوصها الحقيقية، التي تعمد المؤلف التركيز فيها لصفاتهم الشخصية الروحانية الأبوية والبسيطة: لكمال الدين محمد ص 5، الأستاذ نجيب ص 7 والذي تكرر حتى الصفحة الأخيرة من الرواية ص 459، ليعكس ذلك البعد الروحي والتربوي الذي غرسه فيه، الحاج الرديني ص 7، الحاج عبدالله مسعود البيضاني ص 48، الشيخان الباحميش والبيحاني، الشيخ قاسم، الشيخان عبدالرحمن الشرماني وعبدالرب السروري ص 50، والأستاذ عبدالعزيز إبراهيم ص 112.

كلمات وعبارات عدنية:

اللغة هي وسيلة الاتصال، واللهجات دالة الخصوصية لهوية الارتباط المكاني (فيزيائية المكان كدرجة الحرارة، الضغط الجوي، كمية الأكسجين، الارتفاع عن سطح البحر، لها تأثير على نبرات الصوت والأداء الـوظـائـفـي للأعـضـاء الـتـشريحية للكلام (الحبال الصوتية، حركة اللسان..الخ).

إن التطور اللغوي واهتمام حبيب سروري باللغة، نستدل عليه بوضح سواء من تراكمية خبرته والتزامه بتطويرها من الإرهاصات الشعرية أو بتعقيدات مزجها من الإبداع الأدبي إلى تقنيناتها الرياضية الحاسوبية في أطروحته للدكتوراه وحتى أجزاء من رواية دملان،

على أنني سأكتفي هنا فقط، حتى لا أشتت ذهن القارئ في تعقيدات منهجية التحليل، بالتركيز على تلك التعبيرات التي وصفتها بالعدنية، لشيوع استخدامها في عدن باعتبارها (قاموس لهجات، من جانب، ومن جانب آخر مؤشرا لغويا إدراكيا وثيق الارتباط بالزمن، المكان وأناسه، والذي يمكن تناوله بتفصيل أكبر في وقت آخر من حيث مفاهيم تلك التعبيرات سلوكياً، انفعالياً لأنماط الشخصية مثل:

مبطوحاً، تصردنت ص8 ، تتقارح -ص9، التوسيح، المايسترو، الجنتلمان -ص 10 . المطعفرة -ص22، ترهيطاً، النقرة -ص12، بعسساته-ص49، حنب ، التنخير- ص 50، شخطت- ص51، خبابير - ص 60، سأقرمطها -ص63، يتبرطع- ص 73، قراطيس لبن ، الكركسة -ص60 ، طفرة - ص 144 ، من حلقك إلى ربك - ص 145، أنمر - ص 148، الشاهي السلالي - ص 151، أتفحرر - ص 152، بضاعة مليح- ص 152 ، عيش وملح، اتدجدج، يكتكت- ص157 ، أعكر بهم -ص 160، الضريب واللاصي- ص167، كردفت-ص 177، الصانونة - ص179 ، درة ميزان - ص 195، الكيرم، البوتر، الاستريجل - ص 1242، ربشة- ص 267، جعثونه - ص 285 ،قرح أحد الفيوزات- ص 291 ، كتكوتات- ص 301، تبنشر- ص 306 ، كدافته، دبل نص- ص 312، مكرضحة -ص 320، ملججاً- ص 327 ، أردع رأسي - ص 343، معيط، عراب صرور- ص 312، اشقلبها، أنا أفدي قلبك - ص 348، أهاطش- ص 749 ،عردود - ص373، تختضل، كدافات - ص 375، حنجلاته، صفطة، طحي، أبحرر، أزرزر وجهي، تكبر عيوني وتحمر وتزرق- ص 383 ، أمرط - ص 385 ، العمبصة - ص 387، نحش- ص 388، اشترغ - ص 391 ، السلبطة ، الأكواد - ص 398، ينقفون - ص 487، كعفتموني، أطحس - ص 460 .

أستاذ مشارك /علم النفس/ كلية الطب/ جامعة عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى