إشراقات على زيارة ولي العهد السعودي سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز لبلادنا المملكة العربية السعودية.. في شعر المحضار

> «الأيام» رياض عوض باشراحيل

> ناطح الأقمار يا برج الرياض أنت أعلى برج في عيني ترى .. هكذا تنفس شعراً وغنى شاعر اليمن الكبير الراحل حسين أبوبكر المحضار في عاصمة المملكة العربية السعودية مدينة الرياض.. وفي مدينة جدة قال:

ابتسم فانت في جدة بين أهلك وأحبابك

ابتسم زالت الشدة والسعادة تدق بابك

أما في مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية فقد غرد البلبل الطروب المحضار وصدح مترنماً:

ذمام للدمام عندي حين حان الوفاء

وأنا من الناس لي هم يحسنون الوفاء بالتمام

مرت علينا ليالي من ليالي الصفاء

أيام في المنطقة مني عليها سلام

هذا غيض من فيض وجدول من شلال وقطرة من بحر تلك الصور البديعة والمعاني الرفيعة التي أوحاها له المكان والإنسان في المملكة الشقيقة، فاختزلها الشاعر في وجدانه ثم عبر عنها من أعماق مشاعره، مزهواً ومفاخراً بهذا الوطن المعطاء والصدر الرحب والحضن الدافئ الكبير المملكة العربية السعودية.

ومدن هذه الأرض الطاهرة بالسعودية وقراها وأريافها تاريخ عريق وطبيعة خلابة وحضارة روحية وعصرية في آن معاً، فالمملكة هي ثغر الجزيرة العربية الباسم وحديقتها العابقة وروضتها الغناء بالغة العطاء.. أذكت مظاهر النمو والتنمية وغزو العمران والبنيان روح الجمال فيها، تتعالى في أنحائها موسيقى الطير وأنغام النسيم فتبعث في النفس الراحة والطمأنينة والانتعاش. وقد كرم المولى جل شأنه هذا الوطن باحتضان وخدمة الحرمين الشريفين فأضحت هذه التربة الطاهرة رمز الوطن الإسلامي بأسره وقبلة المسلمين في الأرض، وللمملكة في ذاكرة الشاعر المحضار لوعة ونجوى وفي وجدانه غبطة وأشواق يحمل لها في نفسه أطيب المشاعر وأجمل الذكريات التي تمتد جسورها منذ عام 1967م عندما قصدها أول مرة.. لقد افتتن بها المحضار كأحد أبنائها الأبرار الفرحين بجمالها العريق فاهتزت فرحته وفاض إلهامه غناء وشعراً في العديد من مدن وأرياف المملكة المختلفة.

طاف الشاعر بمدينة الرياض في نهاية السبعينات، فشاهد برجها الشامخ جاثماً على صدر المدينة كالعقد الثمين الجاثم على صدر الحسناء، فخاطب البرج طرباً ولكن خطاب الإنسان العاقل، وهذا الملمح الفني يعرف في الأدب بـ (التشخيص)، وهو أثر من آثار قوة الإحساس بالمؤثر وشدة إيحائه للشاعر الذي أبدع في نظمه وسما في صياغة معانية وحياكة أسلوبه واستطاع فنياً أن يمزج صور الواقع المعاش بالخيال، والماضي بالحاضر تقوده إلى ذلك دفة عواطفه الصادقة ومواهبه العظيمة فأسفر ذلك عن صور إبداعية رائعة ومشاهد حية نابضة بالحركة والحياة.. اسمع الشاعر الكبير وهو يغرد في مدينة الرياض ويسجع مزهواً بها من خلال برجها الشامخ، إذ قال فيه:

ناطح الأقمار يا برج الرياض

أنت أعلى برج في عيني ترى

عم نورك هذه الدنيا وفاض

فاعطي من نورك زحل والمشتري

فيك للتاريخ صورة واضحة

فيك عبرة للنفوس الجامحة

فيك أفكار المفكر سارحة

كيف يبني المجد أو تعلى الدرا

واسقنا من مائك العذب الزلال

واغمر الناس بدفئك والظلال

أنت باقي ما بقت هذي الجبال

تستقي منك المدائن والقرى

فشموخ البرج وارتفاعه هو رمز لهمم أبناء هذا الوطن وشموخهم وارتفاعهم صوب المعالي والمجد وأنواره هي قلوبهم الصافية النقية والمنيرة لهم دروب العيش ومسالك الحياة الكريمة.. ولا يعدم الشاعر المحضار أن يربط الحاضر بالمستقبل فتغدو إبداعات اليوم وروائع ما تصنعه أيادي هذا الجيل هو تراث المستقبل وتاريخ الغد المثير للاعتزاز والإعجاب والإكبار.. وقد لفت الشاعر انتباهنا بالتكرار اللفظي الوارد في البيت الثاني للجار والمجرور في لفظة «فيك» وهي لا تخفي مضمون ما تبثه من تأكيد وتثبيت للمعنى وما تحمله على بساطها من مشاهد وصور ترسو بها على أفئدتنا وتربطنا ربطاً محكماً بموضوعه الشعري ولا يغيب عن ذي لب أبعاد ما يكنه المحضار من محبة وما يسكن في وجدانه من عشق لهذا الوطن المعطاء الذي يمنح الوافدين إليه سبل العيش الكريم ويوفر لهم وسائل النزهة والمتعة والراحة.

ولنُدِر حدقاتنا إلى روعة التعبير الذي تتلألأ فيه إشراقات الإبداع المولود من رحم الصدق الفني في استخدام الشاعر لفعل المقاربة (كاد)، التي تؤكد امتناع الفعل في الصور الشعرية الواردة في السطر الثاني من قوله:

دم لنا دم منتزه للوافدين

تحت ظلك أو بدورك واقفين

كم أناس كاد يقتلها الحنين

عندما شافوك نسيوا ما جرى

ولأن المحضار هو شاعر الحب والرقة والعشق فلا غرو في أن يرسم لنا لوحة من لوحات العشق ومشهداً من مشاهده الصادقة العذبة في الرياض، إنه مشهد اللقاء وما أسعد من لحظات لقاء المحب بالمحبوب! وما هي ملامح السعادة وعلامات الفرح الملموسة والمحسوسة على جبين العشاق ومشاعرهم عند اللقاء، لنسمع الشاعر معبراً عن هذا المشهد فيقول:

يوم شفتك يا حبيبي

زال كل الهم لي بي

طرت من فرحة قليبي

ودمع عيني فاض

ما سلي قلبي ولا راض

إلا معك في الرياض

أما مدينة جدة فهي توأم روحه وقلبه وصنو مدينة الشحر بحضرموت مسقط رأس الشاعر وهي تشترك معها في عدة سمات ومزايا ومنها إطلالتهما على البحر الذي ينشر عطره على المدينتين والتقاء حالة الجو والطقس وبروز الوجه الأثري والقيمة التاريخية في ملامحهما، ذلك مما يجعل الشاعر يحس وهو في جدة بأنه على بعد أمتار من الشحر، إضافة إلى ذلك وجود أبناء وطنه اليمني في كافة مدن المملكة وانتشارهم في مدينة جدة العريقة بصفة خاصة، لذلك فلا بدع أن يتغنى الشاعر ليس في قصيدة أو قصيدتين، لكن في تيار من قصائده الغنائية بمدينة جدة التي ترتدي اليوم أزهى حللها الحديثة دون المساس بنكهة الماضي وأصالة السلف وهو بذلك إنما يتغنى بأهلها وأهله ويحتضن السعادة والمحبة في قربهم ولقائهم اسمعه يغرد وهو باسم المحيا ومشرق القلب فيقول:

ابتسم فأنت في جدة

بين أهلك وأحبابك

ابتسم زالت الشدة

والسعادة تدق بابك

لابسة حلة جديدة

كل من جاء على نية

تمم الله مقاصيده

ولايزال خيال المحضار محملاً بثمار العشق والحب الصادق لهذه البلاد، فهذه زهرة أخرى من بستانه الغنائي تعبق طيباً وريحاناً .. إنه طيب الذكريات وريحان الحنين إلى جدة اشتد به الشوق وأضرم نيرانه في قلبه وأحرقه الوجد حين نأى عنها إلا أن ذكرياته فيها مغروسة في تربة وجدانه وعلى جناح الشعور بالحب والوفاء لها طاف الشاعر بدورها وأحيائها وهو في وطنه في ذكريات عطرة تفوح بروائع الماضي وتذكي في نفسه جذوة الحب والأشواق لها في أغنيته (عروس البحر)، قال المحضار:

يا حسرتي والشوق لك يا أم المدن

في وسط قلبي ما يخليني ممكن

أذكرك واذكر أهلك عزاز النفوس

في البحر الأحمر أنتي يا جدة عروس

يا ما ليالي في بني مالك مضين

وأيام في الحمراء وفي كيلو ثنين

يا كم أخذنا في الهوى منها دروس

في البحر الأحمر أنتي يا جدة عروس

وبيت معنا في طريق الجامعة

إذا ذكرته بت عيني دامعة

ويشعر الشاعر في ذكر أسماء أحياء المدينة بني مالك الحمراء، كيلو ثنين، الجامعة، طريق المدينة بالراحة ويتذوق طعم المتعة لما يحمله لها في مطاوي وجدانه من ذكريات خاصة كانت تلك الأمكنة مسرحاً ومرتعاً خصباً لها، ولطبيعة مدينة جدة دورها الهام في توجيه الشاعر ومناداته للاستجابة لبناها الجمالية وغرفه من ينابيعها العذبة ولا بد أن نرى أثر تلك المناجاة وصدى تلك الاستجابة في إبداعه فالشاعر لا يعدم أن يكرر في أكثر من مشهد بأن جدة هي عروس البحر وهي الوجه الحسن الذي يرنو إليه العشاق والجو البديع الذي تطيب به مسامرهم، ولأن الشعر هو انعكاس لطبيعة النفس الإنسانية وهو تعبير فني عن إحساس الشاعر، فلا عجب أن تكون مدينة الدمام بواحاتها الخضراء ورياضها الناضرة مصدر وحي الشاعر يبثها مشاعره المحتدمة ويناجيها بأشواقها المتدفقة مهما تراكم على سطوح ذكريات من غبار السنين ومهما هبت رياح الأيام لإطفاء شموع تلك الذكريات العاطرة أو تسدل عليها من ستارها ما يحجبه عن رؤية شعاعها:

ذمام للدمام عندي حين حان الوفاء

وأنا من الناس لي هم يحسنون الوفاء بالتمام

مرت علينا ليالي من ليالي الصفاء

أيام في المنطقة مني عليها سلام

وفي الوقت الذي حان للشاعر أن يغادرها ويترك أرضها يعيش في صراع مرير مع النفس تتقاذفه رياحها بين هواجس المغادرة ودوافع البقاء فيها، فيعانق الحاضر والمستقبل لديه عناق السعادة بالألم والغصة.. فماذا هو فاعل بعدما ارتبط بكل ما فيها ومن فيها حتى صار لا يقوى على فراقها والبعد عنها.

فراقهم ما هو بودي منهم ما اشتفى

قلبي فيا ريت لي خيرتي باحل معهم دوام

من بعد ناسي وأهل ودي ما وقع لي كفا

نهرج ونضحك ونا ما لي طرب بالضحك والكلام

ونحن نصل إلى ختام هذه السياحة المحضارية الفنية في واحة المملكة، فإنني أود أن لا أغادر المكان دون أن ألمح إلى أن المحضار قد نظم قصائد غنائية كثيرة في المدينتين الطاهرتين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك في العديد من المدن والأرياف والمناطق السعودية الأخرى التي زارها فوصلها وغاص في أعماقها ووصف مشاعره نحوها لم يتسع المجال لإحصائها في هذه المساحة. وإن كل ذلك الإبداع المحضاري نحو المملكة لا يعد سوى رسالة محبة وأخوة من الشاعر ومن وطنه اليمني إلى وطنه الثاني المملكة العربية السعودية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى