ما بعد الحداثة

> «الأيام» د.يحيى قاسم سهل:

>
د.يحيى قاسم سهل
د.يحيى قاسم سهل
منذ بكائيات امرئ القيس على الأطلال وحتى بداية الألفية الثالثة والشعر العربي مازال منهمكاً في تبجيل الماضي، ما من شاعر إلا ولديه ذلك الحنين لبيته الذي غادره، لأصدقائه، للطرقات التي تعفر بغبارها،لامرأة اشتعلت في سمائه ذات يوم كنجم خرافي.

ما هو هذا الماضي الذي يقدسه الشعراء؟

وحتى ماضي الهزائم يضيء في رأس الشاعر لماذا الشعرا ماضويون إلى هذا الحد؟

ثم، ما هو هذا الماضي الذي يغرس الشعراء أرجلهم فيه؟ وفي اللحظة ينغمس الناس في حياتهم بكل ضجيجها ينبجس الماضي في رأس الشاعر، ويبقى أسير ذلك الماضي.

هل الماضي هو برزخهم للحاضر وذلك العماء المحتشد الذي يسمونه المستقبل؟

في أواخر الأربعينات من القرن الفارط، وبتأثير من الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد العربية، انقلب الشعراء على الماضي، بعد أن كان حرزهم الذي يحفظ قصائدهم ويقيمهم من الارتطام بالحاضر وماء المستقبل.

فارتفعت الأصوات وتعالت الدعوات من كل سهل ورابية، وامتلأت الصحف والدوريات العربية بالدعوة للشعر الحديث والتخلص من «قصيدة العمود» أو القصيدة الكلاسيكية، وانتشرت تلك الدعوة كما تنتشر (الكوليرا) وقيل إن القطيعة مع الشعر العمودي بدأت في أرض الرافدين، بقصيدة «الكوليرا» لنازك الملائكة، وعدت الحداثة رفضاً لأبوية الماضي كما قال أحدهم.

هذا، وانغمس الجميع في التنظير للعدمية مع ماضي الشعر العربي برمته، وشهدت البلاد العربية معارك أشد ضراوة من كل معارك البداوة، بما فيها داحس والغبراء.

وقد تزامنت الدعوة للشعر الحديث مع صعود نجم الفكر الماركسي ودولة البروليتاريا، ونظرية الالتزام، وعلم الجمال... الخ.

وبات ضرورياً على دولة البروليتاريا أن تجسد آمالها وتطلعاتها من خلال القصيدة الحديثة.

وفي ليلة وضحاها أصبح الشعراء العموديون رجعيين، وركب الموجه أصحاب الدعوة للشعر الحديث.

وفي هذه الدوامة بل والمتاهة أيضاً، ضاع الشعر، بل وضاعت الأرض العربية في حزيران 1967م.

وفي أواخر سبعينيات القرن المنصرم أيضاً ، بدأت معارك أخرى لا تقل ضراوة عن الأولى، وكان موضوعها هو البحث في ريادة تلك الدعوات أي دعوات «الحداثة» وذهب رأي إلى أن الحداثة عراقية، ورأى غيره أنها مصرية، وعارض أهل اليمن وقالوا إنها يمنية لأن علي أحمد باكثير يماني وإن عاش في مصر.... الخ.

والسؤال هو: ما هي هذه الحداثة التي يلهجون بها؟ ثم لماذا نقرأ إلى اليوم أبو تمام و المعمري والمتنبي والنواسي، ونطرب كثيراً لشعر البردوني والجرادة.. والأكثر دهشة أننا اليوم نسمع دعوات تتحدث عن «ما بعد الحداثة».

ثم ماذا بعد «مابعد الحداثة»؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى