قصة قصيرة بعنوان (حصاد الجنون)

> «الأيام» عبدالله قيسان:

> كاد المقيل يضج بالضحك بعد فترة ليست قصيرة من الاستغراب والهمس والغمز. ولم يتردد البعض من الإشارة بإصبعه الى العم أحمد وهو جالس على دكة الدكان .. متكئ على عصاه بكلتا يديه .. رأسه الاشيب، تغطيه ( كوفية) مزركشة حيكت في لحج، وأُرسلت له هدية من هناك .. كان ماد حتى رفعت العصا مسلمة بابتسامة يعرف هو معناها .. ولم يتمالك نفسه، فحاول النهوض راداً السلام .. رافعاً عصاه هو الآخر، حتى كاد أن يقع على رجله الاصطناعية والابتسامة تشرق على وجهه العجوز:

- ايه ياح .. متى باتوصل (خدّوج).

قالها وهو يحاول استعادة جلستة على الدكة، ظل الشجرة الكبيرة يزحف مبتعداً، وسرب من الحمام في الافق البعيد مسرعاً، يخترق قطعاناً من السحب الزاحفة عائداً الى أوكاره .. على الدكة.

استوى في جلسته، ماسكاً عصاه بيده اليمنى .. انتهز فرصة هدوء المقيل، خرج من حدود الزمان والمكان .. ابتسامة تعجب وإجلال على شفتيه، الهتافات والطبول والزغاريد وهو منهمك في غمرة الحماس والتضحية .. تكاد طلعات شجاعة وناصعة أن تطل وتُسمع من وراء السنين:

- حوّل اتجاه المسيرة يا أحمد.

الشارع مزدحم بالمتظاهرين.. طلاب، نساء، عمال، فلاحون، بالفؤوس والمناجل، والضرب على الطبل متحد مع أصوات الزحف الراقص:

- انتفاضة ورأس الفاس يقطر بدم

- آه يا قطاع كم منك شربت الألم

كان صوت النساء ناعماًً، واختلطت حرارة الجو برائحة النساء، فازداد السباب حماساً وجنوناً .. تتشابك الأيدي، وتتحد الأرجل، موحدة الإيقاع مع دقة الطبل .. اشتد حماس (خديجة) فاندفعت الى مقدمة المسيرة رافعة قبضة يدها بقوة مع كل كلمة تهتف بها، مما أثار حماس أحمد فقفز آخذاًً البوق من زميله ليهتف راقصاً الى جوار (خديجة) حتى كاد كتفه يلامس صدرها الرجراج:

- تتواصل المسيرة الى المعلا .. هناك يقام الاحتفال.

- غير الشعار يا أحمد.

صاح الصوت مرة أخرى، فتعالى الهتاف: (مالبا خنفس ولا شارلستن والجماهير..) في المنعطف، كانت الشاحنات تنتظر، فتسابق المتظاهرون للركوب. سار موكب السيارات باتجاه عدن، كان أحمد يتقدم الموكب بسيارة شاص، معتلياً سطحها.. يردد الشعارات .. الرقص يرج الشاحنات خلفه وفي منعطف الطريق مع انفعال وحماس الجماهير وروعة الشعارات وعظمة الاحتفال نسي نفسه فمالت السيارة فجأة ومال هو .. حاول يمسك .. انخفض الصوت .. يختفي بسرعة .. فهوى .. تقافز الشباب من جانب الدكان لمساعدته على النهوض:

- سلامات ما لك يا عم أحمد.

- مافيش حاجة، قالها وهو منصرف يجر رجله الاصطناعية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى