أكثر من 800 لوحة في عدة مدن وإعلانات عبر الإعلام الرسمي والمعارض ومحاضرات وخطب في المساجد لمواجهته .. اليمن ينفذ أكبر حملة وطنية في تاريخه للتوعية بمخاطر الفساد

> «الأيام» خاص:

> يشهد اليمن منذ عدة أيام حملة وطنية هي الأكبر والأوسع والأولى من نوعها في تاريخ البلاد للتوعية بمشكلة الفساد ومخاطره وآثاره على الوطن والمواطن في جوانب مختلفة، سواء ما يتعلق بعملية التنمية الاقتصادية أو بالاستثمار وأداء الحكومة بوزاراتها ومصالحها المختلفة، وانعكاس ذلك على الخدمات التي تسعى لتقديمها للمواطن والرفع من مستوى معيشته، أو ما يتعلق باليمن ككل ومكانتها وصورتها أمام الآخرين.

وتأتي هذه الحملة التي أعلن عنها في وقت سابق وتستمر 35 يوماً في إطار برنامج مدروس عرف بالاجندة الوطنية للإصلاحات، التي يشكل مكافحة الفساد والتصدي له مساحة كبيرة منها ويتضمن جملة من الإجراءات والخطوات العملية سواء ما يتصل منها بالقضاء وإصلاحه ومعالجة الاختلالات في بعض الأجهزة الحكومية بشكل مباشر او ما يتعلق بإجراء تعديلات لازمة لإنجاح ذلك لبعض القوانين أو استحداث قوانين جديدة تصب في نفس التوجه العام للقضاء على الفساد وتخليص البلاد من مخاطره، وهو ما كان قد ورد في مصفوفة الإصلاحات التي أعلنها المؤتمر الشعبي العام في مؤتمره العام السابع الذي انعقد في عدن.

وزير التخطيط والتعاون الدولي د.عبدالكريم الارحبي أوضح أن الحملة جزء من أجندة مصفوفة الإصلاحات الوطنية الشاملة بشكل عام والتي قامت على اساس تشخيص نقاط الضعف والخروج بمقترحات للإصلاحات في قطاعات مختلفة، وأشار إلى أن الهدف منها هو رفع وعي الناس بقضية الفساد وحشد الرأي العام لمساندة جهود الدولة في مكافحة الفساد إضافة الى تهيئة الناس لما سيأتي من إصلاحات في المستقبل باعتبارها جزئية من مصفوفة الإصلاحات الوطنية الشاملة.

لافتاً إلى أن الاطراف كلها مطلوب منها المساعدة على إنجاح الحملة بما في ذلك المعارضة والمجتمع المدني والمواطن العادي إضافة إلى الحكومة.

وحسب مصدر من القائمين على الحملة فإنها لن تتوقف عند هذا الحد، بل هناك تواصل مع منظمة الشفافية الدولية في ألمانيا لمساعدة اليمن في صياغة وتحسين قوانينه لمكافحة الفساد وإيجاد حلول عملية بما من شانه مكافحة الفساد وتوفير مناخ ملائم للتنمية والاستثمار، ولا يجد مسئولون في الحكومة اليمنية في تعاون بعض الدول والمنظمات أو الاستعانة بخبراء منها للاستفادة من تجاربهم والاستشارة في الحرب على الفساد أي حرج بل يعتبرون ذلك ضرورياً بالنظر الى حجم المشكلة والاستفادة من تجارب الآخرين كفرنسا وألمانيا التي استعانت اليمن بخبراء منهما.

وظهرت ملامح الحملة التوعوية في أكثر من مدينة يمنية خلال الأيام القليلة الماضية حيث نصب أكثر من 800 لوحة ولافتة في الشوارع والاحياء البارزة من مدينة صنعاء وعدن وتعز والحديدة وحضرموت منها 130 لوحة في صنعاء إضافة الى 16 لوحة كبيرة وكلها توضح مخاطر الفساد وتدعو الى محاربته، وقال مصدر مطلع ان برنامج الحملة يشتمل على إعلانات تلفزيونية اضافة الى 120 إعلاناً كان قد بدئ بثها عبر إذاعتي صنعاء وعدن والاذاعات المحلية الأخرى والتليفزيون وكافة الصحف اليمنية بما فيها صحف المعارضة، إضافة الى برامج توعوية وقصائد شعرية وخطابات في المساجد وغيرها.

وتنفذ الحملة تحت شعار رئيس هو "اليمن أغلى" في حين تتضمن الشعارات المتفرعة عنه دعوات جادة لمحاربة الفساد أينما كان والكشف عن الفاسدين وإحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، مسترشدة بأحاديث شريفة تنبه الى عواقب استشرائه كقضية الرشوة وخاتمة الراشي والمرتشي، ومحذرة من هذا السلوك السيئ كما تدعو إلى الاصطفاف الوطني والمتضامن في مواجهة الفساد بوجوهه المختلفة، وتنبه الى آثار وعواقب عدة قضايا مثلت مشكلات حقيقية أمام أي إصلاح او جهد حكومي لتحقيق مستوى عال من التنمية ورفع معدلات النمو الاقتصادي والتي تعد من مفردات الفساد مثل التهرب الضريبي والدواء المغشوش والازدواج الوظيفي وغيرها.

مراقبون يرون أن حملة التوعية بالفساد وأخطاره التي تشارك فيها عدة جهات حكومية بالتعاون مع خبرات دولية لتقديم الدعم اللازم لليمن في سبيل محاصرة المشكلة خطوة ضرورية ولازمة باعتبار المواطن أول المتضررين من قضايا الفساد، وقد يكون هو نفسه أحد وسائل مسبباته فكان لزاماً وضعه امام مواجهة هذه المشكلة وتعريفه بأخطارها عليه وعلى أسرته ومجتمعه واقتصاد بلاده وتنميتها ومصير الاستثمار فيها حاضراً ومستقبلاً، وإيصال رسائل بأسلوب مدروس إليه تبين له واجباته ودوره في التصدي لهذه المشكلة، ويشير التوقيت الذي تنفذ فيه الحملة التوعوية الى أهميته ودقة اختياره بالنظر الى جملة من الخطوات التي سبق أن اتخذتها الدولة والحكومة في إطار الاصلاحات سواء ما يتعلق بالقضاء وإعطائه استقلالية تامة كما تم اخيراً من جعل رئيس المجلس الأعلى للقضاء وأعضائه من قضاة المحاكم، بعد إعلان الرئيس تخليه عن رئاسة هذا المجلس، وتطوير عمل المحاكم التجارية والاستعانة بمتخصصين من دول أخرى في مجال القضاء التجاري او ما يتعلق بإعادة النظر في اللجنة العليا للمناقصات التي كان ينظر إليها على أنها واحدة من منابع الفساد في اليمن والتي سبق أن أشار اليها الرئيس علي عبدالله صالح في خطاباته أكثر من مرة وأمر بإعادة تشكيلها وتعديل ما يتعلق بالجوانب المتصلة بها من الناحية القانونية وهو ما يجري حاليا فعلاً من مناقشة قانون المناقصات أمام مجلس النواب الذي يسير باتجاه تشكيل لجنة فنية متخصصة متفرغة للمناقصات وبشفافية تامة بدلاً عن اللجنة الحالية المكونة من عدة وزراء، والتي ظلت خلال الفترة الماضية محل شد وجذب ويتزامن ذلك مع ما أكدته مصادر مطلعة من انه يتم حالياً إعداد اللمسات الأخيرة لتشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد، والتي ستكون هيئة مستقلة وبحسب معايير دولية بما يضمن استقلاليتها وفعاليتها في هذا العمل، كما يتوقع إصدار قانون الذمة المالية من قبل البرلمان خلال الأيام القادمة والذي يناقشه اعضاؤه منذ فترة، والتي يؤمل عليها مجتمعة ان تساعد في محاصرة الفساد والفاسدين وغلق الأبواب التي كانت بمثابة ثغرات مفتوحة أمامهم لنهب المال العام والاكتساب غير المشروع، كما أن إصلاح الاختلالات في صندوق الدواء الذي اتخذته وزارة الصحة يعد واحداً من أبرز الأمثلة على نجاح الخطوات التي تسير في هذا الاتجاه، حيث كان من نتائج ذلك أن أصبح جميع الدواء المستورد إلى اليمن عبر منظمات صحية عالمية في مقدمتها منظمة الصحة العالمية لضمان دواء بمواصفات عالية وموثوقة وبأسعار مناسبة.

في حين ينظر اقتصاديون الى ما اتخذ حتى الآن من خطوات باتجاه مكافحة الفساد بأنه الأسلوب الامثل والناجع في تهيئة الارضية المناسبة لاقتصاد قوي ولاستثمار آمن وتنمية حقيقية وفي المقابل يرى سياسيون أن قضية الفساد في اليمن خلال الفترة الماضية كانت واحدة من ابرز القضايا التي استغلت من قبل بعض الاطراف الحزبية للتوظيف الدعائي الانتخابي بدلاً من التعامل معها بمسئولية وطنية تراعي مصلحة الوطن والمواطن، ويقولون إن الحكومة خلال الآونة الاخيرة بما اتخذته من إجراءات ضد الفساد وبصورة عملية قد سحبت واحدة من أخطر الاوراق التي كانت محل مزايدة واستغفال للمواطن وتصويره ضحية للحكومة دون ابداء أية مساعدة أو مشاركة في القضاء على الفساد وسد ثغراته وخلق وعي لدى المواطن بمظاهرة وآثاره وإقناعه بأنه واحد من أدوات إزالته في عملية تكاملية تشترك فيها الحكومة والمعارضة على السواء بتعاون ملموس وحقيقي من المواطن نفسه والمجتمع بشكل عام.

ولذلك فقد مثل الإعلان عن إنشاء إدارة خاصة في جهاز الأمن القومي لمكافحة الفساد بعد الأحداث الإرهابية التي شهدها اليمن خلال السنوات الاخيرة، والتي كان لها آثار خطيرة وانعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني، تاكيداً عملياً على جدية الدولة والحكومة في التعامل مع قضية الفساد بأسلوب وطني مدروس ومخطط له وضمن اجندة وطنية تستدعي النظر الى الفساد كافة وأنه قضية عامة لا يجب حصرها في موظف حكومي دون غيره من الناس أو التسليم بأطروحات معارض هنا أو هناك ببراءة كل من هو خارج الحكومة عن آثامها حتى وإن كان منغمساً فيها وفساده ظاهر للعيان، بل التعامل معها كمشكلة وآفة ينبغي تضافر جهود الجميع لخوض حرب وبأقل خسائر في مواجهتها.

ولعل أبرز ما يميز هذا الجهد الحكومي الحالي بهذا الخصوص أنه يسترشد بتوجيهات الرئيس علي عبدالله صالح، الذي سبق له أن كاشف بها مواطنيه في أكثر مناسبة ولامس فيها جوانب متعلقة بالفساد كالمناقصات والوساطات والرشوة والمحسوبية واستخدام النفوذ أو المنصب، حيث اعتبر تلك بوابات واسعة لدخول الفساد واستشرائه، وشدد في أول اجتماع له بالحكومة بعد التعديل الوزاري الذي اجراه عليها في فبراير من العام الجاري على ضرورة تشديد الرقابة من قبل مجلس النواب، وعدم استغلال المناصب في إرهاب الحكومة، وتفعيل رقابة السلطة التشريعية وأجهزة الرقابة والمحاسبة والأمن السياسي وجهاز الأمن القومي إضافة الى بعض الوزارات والجهات الأخرى، كما أكد على ضرورة متابعة المشاريع والاهتمام بالمواصفات الفنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى