دولة المناشدات

> «الأيام» شكاوى المواطنين:محمد عبدالله الموس

> لا يخلو خطاب رسمي يصلنا من أفواه أفراد السلطة أو من وسائل إعلامها من الحديث عن (دولة النظام والقانون) و(دولة المؤسسات) إلى آخر ذلك من مرادفات وشروط الدولة العصرية التي تجاوزت كل أنماط الترابط المنطلق من القبيلة أو العشيرة أو الجهة وغيرها من المسميات التي احتوتها مظلة (الدولة الوطنية) في كثير من أصقاع الأرض قولاً وفعلاً منذ زمن بعيد.

دولة المؤسسات تعني في أول صورها أن تنقطع أيدي ومزاحات الأفراد عن التدخل في الأداء المؤسسي المستند إلى القانون مهما كانت هذه الأيدي وأياً كانت الجهة التي تستمد قوتها منها، فبسيادة القانون يحصل الناس على حقوقهم وتردع كل صور الاستئثار والتعدي على حقوق الناس وآدميتهم وكرامتهم، وتردع حتى أفراد جهات إدارة الدولة من تجاوز حدود مسؤولياتهم في التعاطي مع الحقوق القانونية لأفراد المجتمع.

المواطن عبدالسلام محمد قائد، مندوب مبيعات من محافظة إب، تعرض للضرب من قبل مجموعة مسلحة، أبلغ جهات الأمن بأسماء وعناوين المعتدين ولم يتم القبض عليهم بحجة (أنهم) أخطأوا الهدف فقد كان المقصود بالاعتداء شخصاً آخر!! وكأن التعدي على الشخص الآخر عمل مشروع!! أليس هذا هو العذر الأقبح من الذنب بعينه؟ الرجل (يناشد) وزير الداخلية بإصدار توجيهاته إلى الجهات المختصة في القيام (بواجبها) في ضبط الجناة («الأيام» 4876- 26/6/2006م).

هذه (المناشدة) ربما تحتل رقماً فلكياً في عدد المناشدات التي لا تخلو منها معظم الصحف الصادرة في بلادنا، فهذا يناشد بتنفيذ حكم قضائي صدر لصالحه، وذلك يناشد القبض على قاتل قريب له، وهناك من يناشد برفع ظلم وقع عليه من جهات يفترض بها حمايته، ومناشدات بفتح طريق أو ترميم مدرسة أو توفير شربة ماء.. الخ، وهي مناشدات موجهة في الغالب إلى مسؤولي الدولة مباشرة، ما يعني أن الأجهزة لا تعمل إلا بالتوجيهات بدلاً من تطبيق القانون،كما أن هناك مناشدات (لأهل الخير) من عزيز قوم ذل، أو مريض عجز عن العلاج أو معوز عجز عن تلبية حاجاته الآدمية.

المناشدات التي تحملها الصحف هي (رأس جبل الثلج)- كما يقولون- فهذه الناشدات صادرة عمن بقي لديه رمق يتيح له الوصول إلى صحيفة وربما هناك مئات أضعافهم أعجزتهم الحيلة من الوصول إلى الصحف لرفع مناشدتهم إلى مسؤول أو إيصال أنيتهم إلى (فاعل خير)، وهي تنم عن غياب الدور المؤسسي للدولة فلو أن الأمر غير ذلك لما وجد من يبحث عن (رقبة كبيرة) للحصول على حقوقه القانونية، أو من يتسول على أبواب فاعلى الخير للحصول على حقوق يفترض أنها مكفولة قانوناً.

إن دولة المؤسسات هي أكبر كثيراً من مجرد الشعارات والخطب الجوفاء، إنها حقوق ينص عليها الدستور والقوانين وتكفل فرضها في الواقع جهات تنفذ القوانين دون مراعاة لـ(خواطر العيون)، ولا نستطيع أن نتفوه بمصطلح (دولة القانون والمؤسسات) إلا بعد تجاوز واقعنا كدولة يتسول أبناؤها حقوقهم الإنسانية والقانونية (بالمناشدات).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى