التمكين السياسي للمرأة

> د. سهير علي أحمد:

> صدقت اليمن على العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وقد أكدت هذه المواثيق والإعلانات الدولية ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن تكفل الدول الأطراف تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد.

كما صدقت اليمن على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وهي ملزمة بتطبيقها، وهذه المواثيق تنص على منح المرأة نسبة 30% في مواقع السلطة وصنع القرار والتمثيل النيابي. كما دعت الاتفاقية إلى اعتماد مبدأ التمييز الإيجابي لصالح المرأة التي تعاني الحيف وعدم المساواة.

ومن أهم الحقوق التي اكتسبتها المرأة اليمنية دستورياً هو حقها في التصويت والترشيح في الانتخابات العامة سواء كانت برلمانية أو رئاسية أو محلية وذلك وفقاً للمادة 43 من الدستور والتي تنص على أنه «للمواطن حق الانتخابات والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء..».. اذاً للمرأة حق مساو لحق الرجل في كل أنواع الانتخابات ولفظة مواطن تشمل كل مواطن استوفى شروط الترشيح والانتخابات ذكراً كان أم أنثى.

كما جاء قانون الانتخابات رقم 27 لعام 1996م وتعديلاته لينظم حق المرأة الدستوري في المشاركة في الانتخابات مرشحة وناخبة مثلها في ذلك مثل الرجل تماماً وذلك وفقاً لنص المادة الثانية منه التي تنص على أنه «يتمتع بحق الانتخابات كل مواطن بلغ ثماني عشرة سنة شمسية كاملة..» كما نصت المادة الخامسة من القانون على أن «تقوم اللجنة العليا باتخاذ الإجراءات التي تشجع المرأة على ممارسة حقوقها الانتخابية وتشكيل لجان نسائية تتولى تسجيل وقيد أسمائ الناخبات في جداول الناخبين..»، وغيرها في المواد كنص المادة 51 والمادة 74، حيث لم يشترط المشرع القانوني اليمني شرط الذكورة في المرشح النيابي أو الرئاسي.

كما تضمن الدستور نصاً صريحاً بأحقية المرأة والرجل على حد سواء في تنظيم أنفسهم سياسياً وذلك في نص المادة 58 منه «للمواطنين في عموم الجمهورية -بما لا يتعارض مع نصوص الدستور - الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً و...الخ». كما حرص المشرع في قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم 66 لعام 1991م وتعديلاته على تأكيد حق المرأة في الإسهام في الحياة السياسية وذلك وفقاً لنص المادة الخامسة منه والتي تنص على أنه «يحق لجميع اليمنيين تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية والحق في الانتماء الطوعي لأي حزب أو تنظيم سياسي..».

اذاً يكون للمرأة بموجب نصي الدستور والقانون الحق الكامل في تكوين الأحزاب السياسية والانضمام إليها وأي إهدار لحق المرأة يعد مخالفة صريحة لأحكام الدستور.

كما منح الدستور المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في تقلد جميع المناصب العامة بما في ذلك حقها في الانتساب إلى سلك القضاء، وهو حق لم يرد نص قرآني واحد يحظره على المرأة، وليس في جميع الأحاديث النبوية الشريفة ما يمنع المرأة من تولي شؤون القضاء. كما لم يرد نص دستوري صريح يمنع المرأة من تولي القضاء بل نص الدستور في المادة 41 منه على أن «المواطنون جميعهم متساون في الحقوق والواجبات العامة» كما أن قانون السلطة القضائية رقم 41 لعام 1994م في المادتين 41.57 منه لم يشترط الذكورة في تولى القضاء ووظائف النيابة العامة. وهذا ما صدقت عليه اليمن في الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية للمرأة حيث أكدت على حق المرأة في تقلد أي منصب كان في الدولة وذلك وفقاً لنص المادة الثالثة من الاتفاقية والتي تؤكد على أن «للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون تمييز».

في الواقع العملي نجد أنه على الرغم من منح المرأة حق الترشيح وحق الانتخاب وغير ذلك من الحقوق السياسية مازال دورها محدوداً خاصة في مراكز صنع القرار سواء في الحكومة أو في الهياكل الانتخابية، ففي انتخابات 2001 لم تتعد نسبة التمثيل في المجالس المحلية 38 أمرأة من 6000، وفي البرلمان لا يوجد سوى امرأة واحدة من 301.

وقد أرجع هذا القصور لعدة معوقات منها:

1) نظام الانتخابات الذي يعتمد نظام الصوت الواحد والدائرة الفردية.. بالإضافة إلى الصعوبات الفنية عند تطبيق القانون عندما تكون المرأة المرشحة مستقلة ولا تحظى بدعم حزب معين.

2) الثقافة الأبوية للمجتمع وسيادة السلطة الذكورية في جميع مجالات المشاركة.

3) عدم خبرة المرأة في مجال المشاركة السياسية مما يستدعي التدريب والتوعية بإدارة الحملات الإنتخابية.

4) قصور وعي المرأة بأهمية مشاركتها في العمل البرلماني والسياسي وتبعيتها للرجل في اختيار المرشحين.

5- وأخيراً حصر ترشيحات الأحزاب ومنظمات المدني والجمعيات الأهلية في الرجال فقط.

ولتدليل بعض هذه المعوقات وخاصة فيما يتعلق بتوعية المرأة بحقوقها وإكسابها خبرة المشاركة في العمل السياسي قامت بعض المعاهد كالمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدوليةNDI بعدة ورش عمل الحملات الإنتخابية للمرشحات للمجالس المحلية وقادة الحملات الانتخابية، كما بادرت بعض منظمات المجتمع المدني كمنظمة اتحاد نساء اليمن وغيرها وكذلك بعض المنظمات الحكومية كاللجنة الوطنية للمرأة بإقامة العديد من الورش والندوات التوعوية للمرشحات بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات، ورغم هذه الجهود المكثفة والإقبال الكثيف من النساء فوجئنا بأن عدد المرشحات للمجالس المحلية للانتخابات القادمة لا يتعدى 1% بعد انسحاب العديد منهن، رغم المناداة بتطبيق نظام الحصص (الكوتا) رغم أن المرأة تساوي أكثر من نصف المجتمع اليمني ولكنها غير ممثلة تمثيلاً يتساوى مع عددها ودورها، وهذا النظام سيمكنها من الوصول إلى مواقع السلطة وصنع القرار ولا سيما السلطة التشريعية.

الحقيقة أن المرأة اليمنية تنافس الرجل في ظروف غير عادية وغير متوازية، حيث يملك الرجال كل عوامل النفوذ المالي والسياسي والاجتماعي إضافة إلى وجود قيم تقليدية معيقة للمرأة، كل هذه عوامل تعيق تمكينها سياسياً. ولتحقيق العدل والمساواة للمرأة لابد من إرادة سياسية تنجز ما التزمت به الدولة محلياً ودولياً، وتعديل بعض النصوص القانونية كنص المادة 63 من الدستور بما يؤدي إلى نظام التمثيل النسبي، وكذلك تعديل قانون الانتخابات وقانون السلطة المحلية وذلك بتخصيص عدد من الدوائر المغلقة للنساء. وأخيراً نظام القائمة الحزبية والتمثيل النسبي، وهذا نظام يساعد على توسيع المشاركة ويساعد الأحزاب السياسية على الوصول إلى البرلمان، ويوفر مجالاً أوسع أمام النساء اللواتي يترشحن على قائمة الأحزاب، كما يشجع النساء على الانخراط في عضوية الأحزاب فمبدأ نظام الحصص للنساء يعمق حقوق المواطنة ويزيد من قدرة المرأة على المنافسة، كما أنه مفيد سواءً لترسيخ النهج الديمقراطي أو تحقيق العدالة والمساواة. وخاصة إننا في مجتمع ينظر إلى المرأة بعين واحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى