حرية الرأي والقيود المفروضة

> انتصار عبدالسلام كرمان

> إن حق الإنسان في التفكير الحر من أأكد الحقوق التي كفلتها للإنسان بوصفه إنساناً الشرائع السماوية كافة ، وظاهرتها على ذلك الأنظمة الوضعية كافة، وقوانينها ودساتيرها بما فيها دستور الجمهورية اليمنية في مواده: 5.6.42.58، وكان للإسلام القدح المعلى في ذلك عندما ارتقى بهذا الأمر من دائرة الحق إلى دائرة الواجب، وجعل من التفكير الحر فريضة دينية، وضرورة عقلية وتوجه بآياته لأولي الأبصار، وأولي الألباب، وأولي النهى، وإلى الذين يتفكرون، ويتدبرون، ويعقلون، إلا أنه صاحب مخاطبة الإنسانية بالفكر الحر الرفق في الأسلوب، واللين في الخطاب، والموضوعية في بحث القضايا حتى لو كان مشركاً وثنياً.

والمتتبع لبعض الكتابات والصحف يجد أنها أعرضت ونأت عن هذه المبادئ السامية المصاحبة لحرية الفكر والتعبير في المفهوم الإسلامي، فحولت مفهوم «الاختلاف» الذي دعا إليه هذا الدين الحنيف إلى خلاف وشقاق وفرقة، وخرجت بذلك عن مفهوم الاختلاف الذي به تعمير الحياة، وتتنوع أنشطة الإنسان، وبه تحصل مقومات الخلافة في الأرض، وتسد حاجات الإنسان المختلفة في مجالات حياته المختلفة، فتحول هذا المفهوم على أيدي أولئك الكتاب من حيث يعلمون أو لا يعلمون إلى معاول لهدم هذه الأمة واستقرارها ونضجها ورقيها أخلاقياً وفكرياً وحضارياً عندما ابتعدوا عن تطبيق تلك المبادئ السامية المفروضة في الشريعة الإسلامية والتي حددت فيه لتكون «ضوابط» و«قيود» و«حدود» مرافقة لحرية الفكر والتعبير والتي لا تقيد في الحقيقة مضمون الرأي أو الموضوع المختلف فيه بل تقيد «الأسلوب» الذي يقدم به فاشترط الرفق ولين الخطاب في عرضه، وتقيد كذلك طريقة التفكير التي تتناوله فاشترط فيه الموضوعية وتناوله من كافة جوانبه وتجريده من الأهواء الشخصية والانتماءات بكافة أشكالها، ولم أجد عند بعض الكتابا والصحفيين إلا التجني على هذه الآداب، وهذه «الحدود» وهذه الـ«قيود» والتي تمثل «معايير» في ضونها تحفظ للفرد نفسه (المتحدث) إنسانيته وكرامته وتدل على رفعة خلقه، وسمو تفكيره، ونضج عقله، كما أنها تحفظ للمخاطب كرامته، و«ماء وجهه» وتشجعه على قبول النقاش والفكرة المطروحة، وتسهل اقتناعه بها حتى وإن كانت على نفسه، فيعدل من سلوكه في ضوء ما طرح من نقد «بناء».

إن تلك «الحدود» و«القيود» التي وضعها وشرعها الدين الإسلامي إنما هي دالة على واعترافاً بـ «إنسانية الإنسان» فـ «الحيوان» فقط هو الذي يعبر عن مكنونات تفكيره وأحاسيسه وانفعالاته من دون «حدود» ومن دون «قيود». أما الإنسان فهو من تميز بهذه الـ «حدود» وتلك الـ«قيود» التي تمثل معايير ميّزه الله عز وجل بها عن سائر مخلوقاته حى لا يتعدى على الآخرين حتى وإن كان مطالباً بـ «حق» من حقوقه أو من حقوق وطنه، كما أن تلك الـ «قيود» والـ«حدود» تميز رشد الإنسان من جهله، ورجاحة عقله من فساده، فالـ «مجنون» فقط هو من يسير بلا «قيود» ولا «حدود» حيث يستجيب استجابة آلية وأوتوماتيكية للرسائل العصبية التي يرسلها دماغه فتنطلق نتيجة لذلك مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، وتتحرك عضلاته وأجهزته وأعضاؤه المختلفة في ضوء تلك الرسائل منفذة كل ما أمرته به من دون أن يحسب حساب الوقت والمكان الذي هو فيه، والشخص والمقام الذي يتناوله والأسلوب الذي يتوجب عليه اتباعه واستخدامه في تلك اللحظة، فالسلوك والتفكير الذي يصدر عن الشخص السوي من خصائصه أنه يختلف باختلاف الموقف الذي يكون فيه، ويحكم علماء النفس على مستوى ودرجة سلامة التفكير وطرائقه بمستوى ودرجة قدرة الفرد على تنويع أساليبه في التعامل مع المواقف مع ما تقتضيه هذه الظروف المحيطة فـ «لكل مقام مقال» و«لكل حادث حديث».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى