قبور الرجال الأتقياء الخالدين

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
أمرُّ على قبور عدن.. لا أجد قبراً لمثقف شتم شعبه، ولا أجد قبراً لسياسي قال يوما لحاكمه «انهب، فأنت المالك القاهر»، لا أعرف قبراً في مقبرة العيدروس ولا في مقبرة الرحمن لرجل زعم للمتنفذين أن كل شيء قد آل اليهم، واتهم كل قلم جرؤ على قول كلمة حق.. أمرُّ على القبور، فلا أعرف قبراً لإنسان أقنع ناهبي ثروة الأمة، أنهم خلقوا ليظلموا، وشجعهم على طغيان بغير حساب، وفساد بلا رقيب.. أو أوجدوا المتنفذين في كـل مكان!!

في كل إدارة أجد متنفذاً أحاطته بطانته تقول ما قالت البطانة للفاسد، فيتحول الموظف الصغيرإلى متنفذ دكتاتور، يملك مصالح الناس ويتصرف بحقوقهم، وتسانده بطانة من صغار صغار الموظفين يطبلون للمجد الذي يحيط بالمتنفذ.. ويطغى المتنفذون كأن شمس نهارهم غير قابلة للأفول، وكأنهم سيبقون ولن يشاهدوا سقوطهم المخزي حتى لو كان ذلك في آخر أعمارهم.. ويستبد الصغار بالناس كما يستبد الكبار، كيف لا والناس على دين ملوكهم؟!.. وتتلفت حولك فلا تعرف أين المتنفذ وأين المتنفذون الصغار، في كل بوابة وفي كل حجرة متنفذ يحكم بما شاء له الهوى.. يفرد كفه على البوابة أو فوق- وليس تحت - مكتبه، فإذا أخذ المعلوم فالحقوق إلى الجحيم والقوانين إلى زوال.. أما إذا لم يفهم المواطن، فهو يحتاج إلى حوّل آخر لتأديبه.. وتحتار: أتبقى شريفاً (سواءً كنت موظفاً أم مواطناً) لا ترشو ولا ترشى فتقضي أيامك سجين موظفين غير مرئيين، وتضيّع حقك، أم تتوكل على الشيطان فتبيع حقك لتحصل على حقوقك؟!

إنه الفساد يتمخطر صعوداً وهبوطاً لا تدري في طريقه الحلال من الحرام، ولا تدري متى تتحصل على حقك ومتى يُسلب نهائياً، فكل من حولك بطانة للفاسدين يشاركون الناس في حقوقهم وأموالهم وأملاكهم بالباطل .. وحملة الأقلام، بعضهم ينظر إلى الكعكة فيسيل لعابه فيتحول المداد الأسود الذي يخطه هذا البعض إلى سوط رهن إرادة المتنفذ، يخاطب به الضعفاء والجياع بعيداً عن العدل .. بل ويحث في مقالاته الشيخ الكبير في قريته أو مدينته، والقائد العسكري على الظلم والتعسف، لكي يتجمع المقهورون في مكتبه صامتين ولكي يتسابق المنافقون كالذباب على برميل للقمامة، وكلما تحدث المتنفذ بصوت عال مع المقهورين أصحاب الأرض والثروة يعلو طنين المنافقين كأنه كلمة حق.. جئت من المهرة ومررت على الحضارة والتاريخ والإنسان حضرموت ومنها إلى شبوة قلب الجنوب، ثم إلى أبين أرض الأبطال والرجال ولحج وهي في حالة زفير وشهيق حتى بلغت عدن أم الكل حيث تحول ربيع 1990م إلى خريف دائم، ورأيت أتعس ما يمكن أن يراه الإنسان يمر بأرض غنية في زماننا هذا.. النهب أحد يدي المتنفذين على بلدهم وناسهم ويبرر بما لا يمكن تبريره، ويعلنونها نهباً بغير منازع، ويتجول أصحاب الأرض والثروة في شوارع الملاك الجدد ويستأجر بعضهم الشقق، ويدخل السجن أو يهاجر كل من جرؤ على استخدام عقله، فالعقول في هذا الزمن ملعونة.. والأفكار النيرة جريمة يواجهها الفاسدون باعتبارها رجساً من عمل الشيطان، وتتبارى بعض الأقلام في أيدي أنصاف الرجال تندد بـ«الانفصاليين الخونة» وتتهم «أصحاب الحق» وتنتشر حلقاتهم ينشرون من خلالها أفضال المتنفذين وكرم الفاسدين، وتتحول الكلمة إلى تنكيل وطغيان وحفلات ولائم لسب الرافضين للقهر والانفصال اللـذين يسـريان فـي ثقافة المنتصر والمهزوم.

وأعود أبحث بين قبور أحبائنا، عن أقلام ساندت ظلم الانجليز أو ظلم الاشتراكيين أو ظلم الشرعيين بعد 94م فلم أجد قبراً صاحبه حمل قلماً منافقاً، بل وجدت شهداء الكلمة وموتى أحراراً أمسكوا بأيديهم أقلاماً تشع نوراً، حاربت القهر ورفضت الظلم وهتفت للعدالة والحرية والحق.

رحم الله أولئك الصادقين، وها هي رحماتنا تحيط بهم وتحملهم إلى الباري بكل ضراعاتنا لله أن يرحمهم ويؤويهم إلى جنة أُعدت للخالدين.. آه لو فعل كتّاب اليوم مثلهم.. آه لو فعلوا!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى