سلموا تحلية المياه للقطاع الخاص

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
قرأت خطاب الرئيس علي عبدالله صالح بعد مأدبة الإفطار بالقصر الجمهوري كاملا وعدت أكثر من مرة إلى حديثه عن أزمة المياه الخانقة والتكاليف الباهظة التي يتحملها الشعب نتيجة ولعه بالقات.

لكن القات قضية مستعصية ولن تنجح معالجتها في الأعوام القادمة إلا بخطة طويلة الأمد، ولأن أزمة مياه الشرب مرتبطة بزراعته إلى حد كبير فإنها ستؤدي إلى مصاعب ونفقات وأمراض ناجمة عن شح المياه كما يحدث في العديد من البلدان. لذلك علينا مواجهة الواقع الأليم بجرأة وتخطيط وصراحة وشفافية.

سيادة الرئيس أشار في البداية «أن مشكلة المياه هي المعضلة الرئيسة». ثم أضاف «أحث المواطنين والمزارعين على اتباع الإرشادات لضمان إيقاف استنزاف المياه، فالمياه أصبحت مشكلة حقيقية وتنذر بمخاطر جمة إذا استمر إهدارها».

ثم أبلغ المواطنين أن الحكومة «بصدد التفاوض مع عدد من الدول الصديقة بشأن إنشاء محطات لتحلية مياه البحر لا للري ولكن للشرب». وقال إن لدينا عدة أزمات حالية ومتوقعة للمياه في عدد من المدن والمناطق. صراحة عظيمة وجرأة أعظم فقد كان المواطن يلمس ذلك منذ التسعينات ولم يعد يخفى على أحد ما تعانيه تعز ونواحيها من جفاف، كما أن صنعاء تواجه أزمة حادة بدأت منذ عشرين عاما وهو الثمن الذي دفعه تطور العاصمة إلى أضعاف حجمها وسكانها ونتيجة للتوسع المخيف في زراعة القات المعتمدة على المياه الجوفية. ولا بد أن الخبراء يعرفون أن ما يسمى بحوض صنعاء قد بات على حافة الخطر وأن الأمطار لا تكفي لتعويض إلا نسبة ضيلة من المياه المستخرجة من الأعماق والتي تصل إلى 400 متر في أكثر الأحيان.

والحل؟

ذكرت في مقال سابق أنه سيكمن إذا توفر المال اللازم لتحلية المياه من البحرين العربي والأحمر على نطاق محدود ثم يتسع ليشمل المناطق القريبة من السواحل لأن نقل المياه بالأنابيب الضخمة ثم بناقلات الماء بالغ الكلفة.

لذلك أقترح أن تسلم عملية التحلية للقطاع الخاص أكانت في البحر الأحمر تجاه الحديدة، أو العربي مقابل حضرموت وعدن والمحافظات المجاورة. ويتوجب على القطاع الخاص اليمني الاتفاق مع شركات عالمية لبناء وتشغيل وجبي أثمان المياه من البلديات المحلية لأن نتائج تكليف الأجهزة الحكومية بالعملية كلها وكذلك المشكلات والتعقيدات الناجمة عن ذلك ستكون محبطة تماما. فنحن لا نملك أجهزة حكومية ذات خبرة في تحلية المياه مع أن عدن كانت أول مدينة في جزيرة العرب تمتلك محطة تحلية صغيرة في جزيرة صيرة بكريتر في القرن التاسع عشر لتحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب كنا نسميها «البمبة» وهي تحريف لكلمة إنجليزية التي تعني مضخة. لكنها كانت محدودة الإنتاج ولا تباع إلا بالوعاء المعدني الذي كان يحمله الوراد على كتفه ويحتوي على أربعة جالونات أو حوالي خمسة عشر لترا.

يجب أن يشمل اتفاق القطاع الخاص مع نظيره الأجنبي عدة محطات تضخ ملايين اللتراث يوميا عبر البحرين بينما يتدبر العلماء اليمنيون مسألة نقل المياه إلى أعالي البلاد ربما أيضا بتكليف شركات عالمية بذلك كما كلفناها بالبحث واستخراج وإنتاج وتصدير النفط. حاليا تقدر تكاليف النقل بسبعة دولارات للطن الواحد.

القضية كما أكد سيادة الرئيس لم تعد تحتمل الانتظار طويلا فهي مسألة أساسية للغاية.

ولسنا الدولة الوحيدة التي تعاني وستعاني من شح مياه الشرب لكننا نسرف في استعمالها لزراعة نبات كالقات بكميات هائلة رغم انعدام الفائدة الغذائية أو التصديرية إذ يستطيع الإنسان العيش بدونه بقية العمر لكنه يحتاج للماء عدة مرات يوميا ليبقى على قيد الحياة بإذن الله.

وكأن سيادة الرئيس كان على موعد مع تقرير وصل عبر وكالات الأنباء عن الأزمة المائية الحادة التي تعانيها الصين أسرع الدول نمواً اقتصادياً- عشرة بالمائة سنويا- حتى جفت آلاف البحيرات المنبثقة عن جبال الهملايا وتبخرت مياه الأنهار بسبب الجفاف وقلة الأمطار وتلوثت الآبار والمنابع الأخرى جراء إلقاء النفايات الصناعية بنسبة تسعين بالمائة، وتناقص نصيب الفرد السنوي من الماء إلى 2200 متر مكعب أو أقل من ربع المتوسط العالمي مما سيؤثر حتما على سرعة النمو وطموحات البلاد لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول الفين وعشرين أو ثلاثين.

صحيح أن الصين تمتلك احتياطياً مهولاً من المال والخبرات والمعدات لبناء السدود والصهاريج لكن القضية كما في اليمن ليست مالاً فحسب بل تخطيط وتنفيذ وصيانة وسرعة وأقل درجة ممكنة من الفساد الإداري وتعطيل المعاملات. لذلك نجحت في العقدين الماضيين في بناء قاعدة أو قواعد اقتصاد حر في الجنوب- شنغهاي خصوصا التي أضحت عروس شرق آسيا كما كانت في القرن التاسع عشر وبداية العشرين قبل النكبة الشيوعية والغزو الياباني الكاسح.

وعزا الكاتب البريطاني المقيم في بكين جوناثان واكس في مقال نشره في جريدة «الجارديان» إلى الأزمة المائية احتمالات تردي أوضاع الصين الاقتصادية وتباطؤ النهضة الحالية الباهرة. هذا فيما يخص الصين فما بالك باليمن.

لذلك أحسن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بالتركيز على الأزمة المائية والنتائج السلبية لرزاعة القات من المياه الجوفية التي تتناقص باستمرار. وقد نصل يوماً ما إلى درجة يصبح سعر ناقلة المياه - الشاحنة - زنة عشرين طناً نصف متوسط راتب الموظف والنصف الآخر للقات إذا ما واصل مضغه مع الدخان والمياه المعدنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى