علي ناصر محمد في رده على بريماكوف وزير الخارجية السوفيتي السابق .. المخابرات السوفيتية ساهمت في اذكاء الصراع في الاشتراكي

> «الأيام» متابعات:

>
من اليمين علي ناصر محمد ويفجيني بريماكوف وسالم ربيع علي وعبدالفتاح اسماعيل وعبدالقادر باجمال
من اليمين علي ناصر محمد ويفجيني بريماكوف وسالم ربيع علي وعبدالفتاح اسماعيل وعبدالقادر باجمال
قال الأخ علي ناصر محمد، الرئيس الأسبق على يفغيني بريماكوف، أحد منضري السياسة السوفيتية حول ما جاء في كتابه عن اليمن الجنوبي: «تجاهل المؤلف السلبيات والممارسات الخاطئة التي ارتكبتها بعض الأجهزة السوفياتية في تعاملها مع اليمن الديموقراطية، وهذا ما كشفت عنه الوثيقة التي تسربت، حول دور الـ «كي جي بي» في إذكاء الصراع بين الرفاق في الحزب، في محاولة لوصول مجموعة أكثر موالاة لهم كما كانوا يتوهمون، وهم بهذا التدخل الغبي ساهموا في أحداث 1986 ».

لم ألتق يفغيني بريماكوف إلا في 29/10/2006 أثناء محاضرته في مكتبة الأسد في دمشق حول كتابه «الشرق الأوسط... المعلوم والمخفي»، ووقع على نسخ من كتابه لبعض الشخصيات التي حضرت. ومع الأسف، لم نسمع جديداً في المحاضرة إلا ما نقرأه في الصحف ونسمعه عبر القنوات الفضائية، وأهم ما قاله هو موقف روسيا من السلاح النووي في إيران، ولم يشر إلى السلاح النووي في إسرائيل.

اطلعت على الكتاب الذي تضمن قسماً صغيراً وفقيراً عن اليمن، وسأورد هنا بعض ملاحظاتي على ما جاء فيه حول «اليمن الجنوبي»:

لم يخصص بريماكوف لتجربة اليمن الديموقراطية سوى ثلاث صفحات مشوشة من كتابه، مع أنها كانت التجربة الأولى في المنطقة العربية، التي اعتبرت صديقة للسوفيات. فقد تحدث عن نضال اليمن الديموقراطية والضرر الذي ألحقته القفزة نحو الاشتراكية من دون مراعاة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الحقيقي في البلاد وحتمية انتشار الأفكار اليسارية لدى منظري هذه القفزة من دون الأخذ في الاعتبار عدم وجود المتطلبات الأساسية الحقيقية لمثل هذه الراديكالية، وقال: «إن عبدالفتاح إسماعيل تجاهل عملياً كل هذه الوقائع عندما طالب بتقديم المساعدة للتجربة في اليمن الديموقراطية، وفي المقدمة تأسيس حزب سياسي وبناء الاشتراكية، وأنه علينا في موسكو دعم هذه التحولات نحو الاشتراكية، وبهذه الصورة فإنه عندما يقدم الرفاق السوفيات المساعدة لنا في اليمن شمالاً وجنوباً على طريق الاشتراكية، فهي مساعدة لهم ولحلفائهم اليمنيين».

وأشار الى أن الرئيس قحطان الشعبي كان أكثر تحفظاً على خطط التحولات في الجنوب والعلاقة مع الشمال وحل القضايا بالتدريج، مؤكداً تخلف البلاد الكبير، وطالب بمساعدة الاتحاد السوفياتي شريطة ألا تمس هذه المساعدات حريتنا وسيادتنا، ولم يتحدث الشعبي عن الاشتراكية والماركسية، فقد كان الشعبي أحسن من كثيرين آخرين يشعر بالوضع وقلما يتعرض للتأثير الدوغماتي.

هذه الأفكار والملاحظات والتنظير الإيديولوجي هي خلاصة رأي بريماكوف عن التجربة وقيادتها، لكننا مع الأسف لم نسمع مثل هذه الملاحظات ونحن في السلطة، وهم وقفوا إلى جانب يسار الجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني ومع كل فريق منتصر حتى قيام الوحدة اليمنية.

لم يذكر بريماكوف أنه كان من منظري السياسة السوفياتية حول اليمن والمنطقة التي ينتقدها اليوم، بعد سنوات من سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وحلفائهم في أفغانستان وأثيوبيا واليمن الديموقراطية وغيرها، وتسبب بعض القيادات السوفياتية بهذا الانهيار الذي أخلّ بالتوازن الدولي وأدى إلى سلسلة الصراعات والحروب والتدخلات في المنطقة التي نشهدها اليوم في أكثر من منطقة في العالم.

اعتمد في هذا الفصل كما قال على صفحات صفراء من لقاءاته مع بعض القيادات اليمنية تعود الى العام 1968 وحتى قيام الوحدة، أي في فترة حكم الرئيس قحطان الشعبي، فهو لم يطلع على التجـربـة في شكل مبـاشر، ولم يشر إلى أية لقاءات لاحقة، كما أنه لم يزر اليمن إلا العام 2005، وأجرى فقط مقابلة مع عبدالقادر باجمال.

وقع بريماكوف في أخطاء عدة في الأسماء والألقاب والأحداث والتواريخ، فتحدث عن الرئيس قحطان الشعبي أنه أقصي في 22 حزيران (يونيو) 1969، بتهمة خرق مبدأ القيادة الجماعية، وأنه اعتقل وقتل في صيف عام 1970 عند محاولته الهرب. وحقيقة الأمر أن الرئيس قحطان الشعبي عاش حتى العام 1983. ويبدو أن الامر اختلط على بريماكوف بين الرئيس قحطان الشعبي ورئيس الوزراء فيصل الشعبي، وكرر الخطأ عندما ذكر اسم عبدالله باعزيز، والصحيح هو عبدالله عبدالرزاق باذيب الزعيم الوطني والأممي، وكرر خطأه في الأسماء والألقاب عندما تحدث عن محمد صالح اولاكي، واسمه الصحيح (محمد صالح العولقي) الذي لم يكن رئيس اتحاد نقابات العمال كما ذكر، بل وزيراً للدفاع آنذاك.

تحدث المؤلف عن مؤامرة قادها «سالمين» ضد عبدالفتاح إسماعيل وأنه استند إلى دعم قبلي من ثلاث محافظات بعد قيام الحزب الاشتراكي، لكن الحقائق حول تلك الفترة كانت كما يأتي:

كان الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) رئيس مجلس الرئاسة في اليمن الجنوبي منذ العام 1969 وحتى حزيران 1978، وكان عبدالفتاح إسماعيل عضواً في مجلس الرئاسة منذ العام 1969 وحتى العام 1980، فلم يقص الرئيس ربيع، عبدالفتاح من عضوية مجلس الرئاسة، ولم تكن هناك مؤامرة خارجية ضد أحد، ولم يكن زعيماً قبلياً، وهو الذي كان يعمل على توحيد اليمن وضحى ومات من أجلها عام 1978، (وجرى كل ذلك قبل الإعلان عن قيام الحزب الاشتراكي في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1978، وليس كما ورد في كتاب بريماكوف).

أما بالنسبة الى أحداث كانون الثاني (يناير) 1986، فقد تحدث عن عودة عبدالفتاح إسماعيل إلى عدن بدعوة من قيادة الحزب، الا أنه عاد بإرادته وبتأييد القيادة السوفياتية لهذه العودة، على رغم تحفظاتنا على عودته لأسباب سياسية وأمنية لا أريد التعرض لها في هذا المجال، وأعتقد أن كثيرين من المطلعين على الشأن اليمني يعرفون ذلك، فالمؤلف اعتمد على لقاء وحيد أجراه مع عبدالقادر باجمال في العام 2005، الذي كان أحد المشاركين بتجربة الدولة في اليمن الديموقراطية منذ منتصف السبعينات، وتحدث عن الانحرافات المدمرة للقيادات اليمنية، وأنه لم يشترك في شكل مباشر في التجربة وفي أحداث 1986.

وللحقيقة التاريخية، إن عبدالقادر باجمال كان يحسب على الجناح اليساري في الحركة والجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني، ولا أقصد من كلامي الإساءة إليه الآن، لأن طبيعة المرحلة (في ذلك الوقت) أفرزت مثل تلك الحالات، وكان هو وغيره من المسؤولين اليوم في دولة الوحدة من القيادات المحسوبة على ما كان يسمى بالزمرة بعد العام 1986، وإلا كيف وصل إلى منصب رئاسة الحكومة بعد العام 1994، بعدما حلت (الزمرة) محل (الطغمة) كما كان يطلق على الطرفين المتصارعين في الجنوب بعد الأحداث، واختصرهما المفكر والمناضل الكبير عمر جاوي رحمه الله بكلمة (طز).

وإذا كانت التجربة في عدن مرت ببعض الأخطاء والسلبيات بسبب السياسات المتطرفة التي أشار إليها بريماكوف، فقد كانت للثورة ايجابياتها وفي المقدمة تحرير الجنوب وتوحيده بعدما كان مقسماً إلى 24 مشيخة وسلطنة، وقيام جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية التي حققت نوعاً من العدل والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، من حيث مجانية التعليم والصحة وإقامة مشاريع تنموية حيوية في مجالات الصناعة والزراعة والطرقات والكهرباء وإشادة المساكن الشعبية وغيرها من المشاريع، ثم اتجهت الى توحيد اليمن شمالاً وجنوباً. وهناك من حاول اختصار تجربة عشرين سنة في الجنوب بالأخطاء المدمرة والانحرافات والسجون، وهذا ليس عدلاً وإنصافاً بحق التجربة التي لا شك في أنه رافقتها بعض السلبيات والأخطاء.

ونقل بريماكوف عن عبدالقادر باجمال أخبار إرغام السجناء على قراءة الكتب الماركسية ومنعهم من قراءة القرآن، لكن هذا لم يحصل لا قبل أحداث العام 1986 ولا بعدها، بل كانت هناك تجربة فريدة في هذا المجال، خصوصاً في سجن المنصورة، حيث فتح عدد من الورش التعليمية للسجناء، تعلموا فيها مهناً كاللحام والنجارة والكهرباء والبناء وغير ذلك...، ومنهم من اتجه إلى التعلم. وأذكر هنا السجين ناصر صالح جبران الذي كان من العشرة الأوائل في امتحانات الشهادة الثانوية، مما دفعنا للعفو عنه بإلغاء عقوبة السجن، وتابع الرجل دراسته الجامعية، وأصبح من كوادر الدولة. كما كان السجناء الجنائيون يمنحون إجازة يومي الخميس والجمعة يقضونها بين أقاربهم ويعودون صباح السبت، وأعتقد أن هذا معروف للجميع في ذلك الوقت. وفي الثمانينات أفرج عن المعتقلين السياسيين وفي مقدمهم السلاطين والمشايخ حكام الجنوب قبل عام 1967، وهذا لا يعني أنه لم تحدث ممارسات خاطئة بحق بعض المعتقلين في بعض السجون كما هي حال السجون والسجناء في الدول العربية وفي معظم سجون العالم، كما حدث ويحدث اليوم في سجن أبو غريب ومعتقل غوانتنامو وغيرهما.

والأهم في نقدي لهذا الفصل من كتاب بريماكوف أنه على رغم إيجابيات السياسة الخارجية السوفياتية في دعمها السياسي والاقتصادي والعسكري للأنظمة الوطنية وحركات التحرر الوطني في ظل الحرب الباردة والصراع بين الدولتين العظميين، تجاهل المؤلف السلبيات والممارسات الخاطئة التي ارتكبتها بعض الأجهزة السوفياتية في تعاملها مع اليمن الديموقراطية، وهذا ما كشفت عنه الوثيقة التي تسربت ونشرت في «جريدة كينيا اكسبريس» عام 1986، حول دور الـ «كي جي بي» في إذكاء الصراع بين الرفاق في الحزب، في محاولة لوصول مجموعة أكثر موالاة لهم كما كانوا يتوهمون، وهم بهذا التدخل الغبي ساهموا في أحداث 1986، وفي الخسائر التي لحقت باليمن والشعب اليمني في الأرواح والممتلكات، وهم لم يتآمروا على اليمن الجنوبي فحسب، بل تآمروا على الاتحاد السوفياتي وعلى المنظومة الاشتراكية وعلى صديقهم في الضفة الأخرى في أفريقيا الرئيس منغستو هيلامريام في ايار (مايو) 1988 عندما حاول بعض الضباط الأثيوبيين الموالين للسوفيات الانقلاب عليه وهو في طريقه لزيارة ألمانيا الديموقراطية، متهمين إياه بالشوفينية الإثيوبية والإفريقية والتخلي عن المبادئ الأممية، ولم يكن ذلك صحيحاً، فقد كان يردد دائماً انني أثيوبي أولاً وأفريقي ثانياً وأممي ثالثاً.

وأذكر أنني في العام 1988 قابلت في صنعاء أحد المستشرقين الأميركيين، وأظن أن اسمه البروفسور مارك كاتز، إن لم تخني الذاكرة، وهو خبير في المد السوفياتي (الشيوعي) في الجزيرة العربية، ومعتمد كخبير لدى البيت الأبيض في عهد إدارتي ريغان وبوش، وحضر اللقاء الذي استمر لأكثر من أربع ساعات كل من الأخوة عبدالله أحمد غانم والقاضي نجيب شميري والديبلوماسي اليمني مروان نعمان الذي كان يشغل مدير مكتب وزير خارجية الجمهورية العربية اليمنية الدكتور عبدالكريم الايرياني، الذي تم اللقاء بترتيب منه.

قال لي المستشرق الأميركي: «حاولت أن أعرف بعض التفاصيل حول ما جرى في عدن عام 1986 من بريماكوف ومن فيتالي ناؤومكين مدير معهد الاستشراق، فوجدتهما يتهمانك بأنك تحولت إلى ديكتاتور صغير وتمردت عليهم، أي على الروس، ونسجت علاقات مع الدول المحافظة في منطقة الجزيرة والخليج، ومع المعسكر الغربي، على حساب العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، ولهذا كان لا بد من أن تسقط. وكان ردي (أي رد المستشرق الأميركي) عليهما: ولهذا وقفتم إلى جانب الفريق المتطرف لاستخدامهم ضد علي ناصر. لكنكم أنتم الذين خسرتم بخروجه من السلطة، لأنه في ظل سياسة علي ناصر المرنة طورتم العلاقة مع صنعاء، وأقمتم علاقة ديبلوماسية مع عمان، ومع الإمارات، وأنتم الآن تغازلون السعودية، وهذا لم يكن ليتحقق في الماضي. وعلى عكس ما تعتقدونه، فإن سياسة التطرف ضد دول المنطقة في الخليج كانت تخدم إستراتيجيتنا ومصالحنا في المنطقة». والملاحظ انك لم تهاجم السوفيات والقواعد السوفياتية في عدن منذ خروجك من السلطة. فقلت له: «إن المعركة ليست مع السوفيات، وانتم الآن في شهر عسل مع الرئيس غورباتشوف ومع بريماكوف وغيرهما.

اما القواعد السوفياتية في سقطرة وعدن فأنتم تعرفون أنه لا توجد قواعد وإنما هذا جزء من الحرب الباردة وصراع القوى العظمى ونحن ضحايا هذا الصراع الدولي في المنطقة وفي المحيط الهندي».

وكان الحديث مع المستشرق الأميركي تناول الماضي والحاضر والمستقبل آنذاك، وأكتفي بما أشرت إليه آنفاً وسأنشر التفاصيل عن هذا اللقاء في مذكراتي حول الـســياسـة الخارجية لليمن الديموقراطية.

التوضيحات التي ذكرتها ليس هدفها التقليل من دور بريماكوف الذي أقام أوسع العلاقات وأعمقها مع حركات التحرر ومع الأنظمة العربية التقدمية وقادتها لمصلحته ومصلحة الأجهزة التي كان يعمل معها عندما كان مراسلاً لـ «البرافدا» ومديراً للـ «كي جي بي» ووزيراً للخارجية ورئيساً للوزراء في روسيا، وإنما هي ملاحظات تهدف إلى تصحيح المعلومات الواردة في كتابه، بحسب الوقائع التي عايشتها وشاركت فيها من موقعي في المسؤولية منذ بداية التجربة في اليمن الديموقراطية.

عن «الحياة اللندنية»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى