أدونيس يؤكد إسلامه على يدي باشراحيل .. لدينا أكثر من مليار مسلم وليست لدينا ثقافة إسلامية .. القرآن صالح لكل زمان ومكان.. الإسلام في دمي وحياتي وثقافتي

> «الأيام» عزمي عبدالوهاب:

> أدونيس (على أحمد سعيد إسبر) شاعر عربي كبير، وبقدر المساحة التي يحتلها في خارطة الشعر العربي، تأتي المعارك التي يثيرها أو تثار حوله، بداية من الاسم الذي اختاره، ليكتب به، حيث أثير غبار كثير حول دلالات هذا الاسم، رغم أن صاحبه وقع به قصائد الأولى، للنشر في المجلات، دون أن تكون وراء ذلك إحالات عقائدية.

وعلاقة أدونيس بالثقافة المصرية، دائماً كانت محل جدل ساخن، بداية من انتقاداته الحادة لرموز هذه الثقاقة، التي صنعت عصر النهضة العربية، وانتهاء بمواقفه من الدعوات التي توجه إليه من وزارة الثقافة المصرية في وقت من الأوقات، وفي كل الأحوال كان له مريدون وأتباع (شعراء) يستعيذون به من شياطين القصيدة الكلاسيكية والاتجاهات المحافظة.

وفي كل الأحوال أيضاً لم يكن الأمر يخلو من اتهامات لا تستند إلى دليل، مثلاً اتهمه الشاعر محمد عفيفي مطر بالسطو على مصطفى صادق الرافعي، وشن عليه الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي حملة شعواء، بسبب حديث الريادة الشعرية الذي ينفيه أدونيس عن مصر، التي بكى في إحدى ندوات معرض الكتاب بها، تحت تأثير هذه الحملة، وتحت تأثير الكرم المصري المبالغ فيه، حين قدمه مقرر الندوة للجمهور، بأن دواوينه في كل بيت، وبأنه إذا سألت أي شاب: ماذا تقرأ، سيقول لك بفخر: أقرأ أدونيس، هكذا قدمه مقرر الندوة، وهكذا بكى أدونيس متأثراً!

ربما يكون قد استعاد في هذه اللحظة الإنسانية ما كتبه الناقد رجاء النقاش تحت عنوان: «أيها الشاعر الكبير إني أرفضك» فأدونيس كان قد تلقى دعوة آنذاك من وزارة الثقافة المصرية لإقامة أمسية شعرية في معرض الكتاب 1988، ووافق على تلبية الدعوة، لكنه لم يأت إلى القاهرة، بل ذهب إلى الجزائر، ومن هناك أصدر بياناً يعلن فيه عن رفضه دعوة وزارة الثقافة المصرية، لأنه لا يرضى بزيارة القاهرة التي تعترف بإسرائيل.

قد يكون هذا هو موقف أدونيس السياسي آنذاك، لكنه جمع مصر كلها بمثقفيها وبسطائها في سلة واحدة مع نظام أبرم اتفاقية سلام مع الصهاينة، ولا بد أنه تجرع مرارة الكأس ذاتها حين اتخذ اتحاد الكتاب في سوريا قراراً بإنهاء عضويته به، لأنه التقى إسرائيليين في ندوة عقدت بأسبانيا، وكانت التهمة هي التطبيع مع العدو الإسرائيلي.

وعودة إلى رجاء النقاش فإنه كان قد خلص إلى نتيجة محددة: «إن أدونيس يكره مصر العربية ويكره العروبة كلها» وتفسير ذلك يعود إلى انتمائه للحزب القومي السوري بزعامة أنطون سعادة، الذي كان ينادي بسوريا الكبرى، وتضم العراق والشام، وقبرص أيضاً.

ويستعيد النقاش موقف أدونيس من الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961) فقد كان أشد المهاجمين لها، وفي إحدى قصائده يقول: «بلادي امرأة من الحمى، جسر من الملذات يعبره الفراعنة، وتصفق لهم حشود الرمل» ويقول ايضاً: «ليس في بلادي ما يطمئن الفراشة، ليس في بلادي غير غربان أفريقيا الجائعة».

وتتجاوز المسألة لدى «النقاش» حدود الموقف السياسي إلى التشكيك في الموقف العقائدي لأدونيس، عن طريق الاستشهاد بمقاطع من كتاب «الثابت والمتحول.. بحث في الإبداع والاتباع» الصادر في أربعة أجزاء، ولعل هذا التشكيك وغيره من اتهامات ما جعل أدونيس يضع هامشاً في مقدمة «طبعة جديد منقحة وفريدة» من هذا الكتاب صدر عن دار الساقى بلندن.

يقول أدونيس في هامشه: «ربما أكرر هنا، لكنه تكرار ضروري، خصوصاً في ضوء الالتباس الذي لا يزال يواجه بعضاً من قراء هذا الكتاب وهو التباس يؤدي إلى فهم خاطئ كلياً، أقول مثلاً: يبدو الإنسان في منظور الثقافة السائدة وكأنه لا يعيش إلا في الماضي، أو تبدو الخمرة، في هذا المنظور الصوفي، كأنها الله فيشرح هؤلاء كلامي قائلين: يرى أدونيس أن الإنسان العربي لا يعيش إلا في الماضي، ويرى أن الخمرة هي الله، ثم يستنتجون أن أدونيس ضد الإنسان العربي والثقافة العربية، وأنه، إلى ذل، ملحد، كافر... إلخ. وآراء هؤلاء الكتاب - الكلام لا يزال لأدونيس - هي كلها من هذا القبيل، ومن هذا المستوى، فهم بدئياً يشوهون ما أقوله، إما عن قصد سيء، وإما عن جهل بائس، بل يبدو أنهم لم يقرأوا حتى عنوان الكتاب، الذي لا يتحدث في الثقافة العربية والعقلية العربية عن الثبات وحده، كما يزعمون، بل عن التحول أيضاً، ولا عن الاتباع وحده، بل عن الإبداع أيضاً، ومن هنا، لا يقدمون أية مادة للنقاش معهم أو للرد عليهم».

انتهى هامش أدونيس الاحتجاجي، رداً على قراءات خاطئة، تنتهي باتهامات عديدة، أقلها شأناً اتهامه بالطائفية، لكن الحوار الذي تنشره «الأهرام العربي» يدعو للدهشة إذا ما وضعناه في موازاة حوار آخر، نشره أدونيس في نهاية الجزء الثالث من كتاب «الثابت والمتحول» وهو في الأصل رسالة دكتوراه، تقدم بها إلى الجامعة اليسوعية في بيروت.

هذا الحوار، يتفق ويختلف مع حوارنا المنشور هنا في بعض النقاط، ففي الحالين كان النقاش مفتوحاً، في الحالين كانت أسئلة الدين حاضرة، لكنه هناك كان يتهرب من الأسئلة، بالرجوع إلى الوراء، وهنا كان مستسلماً لمن يفتشون في ضميره الديني بالسؤال المباشر حد الفجاجة.

على سبيل المثال حين سئل أدونيس في الحوار المنشور في كتاب «الثابت والمتحول»: «إن مجتمعنا مجتمع متخلف، فكيف يمكننا تغيير هذا المجتمع بالدين،بالقومية، بالاشتراكية أم بالماركسية؟ كانت إجابته: «دعونا نبقى في إطار السؤال الأول، لنرى إذا كان هناك ملاحظات أخرى وبعدها ننتقل إلى موضوع آخر».

قفز أدونيس على السؤال ولم يعد حتى بالعودة للإجابة عنه، لكنه أجاب بأريحية عن سؤال - في حوارنا المنشور هنا - هل تشهد بالشهادتين؟ لعله في «حوار الثابت والمتحول» أراد ألا يخسر جمهوره في ندوة قدم لها مقررها بـ«أهلاً وسهلاً بكم في سلسلة ندوات الديمقراطيين العلمانيين». وفي ذلك الحوار القديم أيضاً لم يخف الشاعر الكبير ولعه بالثورة الإسلامية الإيرانية حتى أنه اعتبرها «شهيق إيران وزفيرها» لكنه عندما سئل: «الثورة الإيرانية مرتكزة على الدين، على أصل الدين الإسلامي إذا أردت، فهل الدين صالح لتجديد مجتمعنا» وكانت إجابته: «كيف أجيب عما إذا كان الدين صالحاً أو غير صالح؟». وأوضح السائل ذاته: «الثورة الإسلامية في إيران مرتكزة على الإسلام فيجب أن نحلل أساسها لكي نفهم معالمها واحتمالات تطورها في موقفنا من الإسلام؟» وأجاب أودنيس: «يجب أن نفهم أولاً مشروع إسلامية الثورة الإيرانية، شعب بكامله خبر إيديولوجية غير إسلامية، وعاش فشلها فثار دينياً، أما هل الدين صالح أم غير صالح فهذا ليس مبحثنا الآن». وكأنه كتب على الشعوب أن تكون فئران تجارب في معامل الإيدولوجيات، وكأنها مراوغة أدونيس، التي تجعله يقول في إجابته عن سؤال آخر: «إنني مؤمن بالعلمنة كما تطرحون - يخاطب منتدى العلمانيين الديمقراطيين - بل أذهب إلى أبعد من ذلك، أنا أعتقد أن أي مجتمع مهما كان مؤمناً، دينياً، إذا لم يتح مجالاً للإلحاد نفسه، تكون الممارسة الدينية فيه ناقصة، فالإيمان الديني العميق والحقيقي هو الذي يسمح بأن يكون إزاءه إلحاد حقيقي، والمجتمع الذي يسوده الإيمان، ويمنع الإلحاد هو مجتمع ذو إيمان ملتبس، ففي النهاية يظل في الإنسان نزعة تتمرد على كل شيء، حتى على الله والإيمان، وإذا كان الدين متسامحاً وديمقراطياً، ؤأصحابه يؤمنون بالتسامح والديمقراطية، فلابد أن يقروا بوجود الملحدين والكفرة والعلمانيين، وإلا لا يكونون مؤمنين، أي أنهم بأنفسهم ينفون إيمانهم». هنا تنبغي الإشارة إلى أن الحوار الذي تنشره «الأهرام العربي» عبارة عن نقاش دار بين أدونيس وعبدالله باشراحيل، وإبراهيم زقزوق، ومصطفى عبدالله، وفهد الشريف، وإسماعيل عقاب، وكان مكان اللقاء منتدى باشراحيل بالقاهرة، الذي فاز أدونيس بجائزته، وكتب ظهر غلاف أحد دواوينه، ما أثار ضده أيضاً مشكلات أخرى، وهي عادة ليست جديدة على أدونيس حين يشيد بديوان من الدواوين كتابة، لكن ما يبعث على الاستغراب أن مراهنات الشعراء الكبار على أسماء معينة، تنتهي دائماً بأن تخذل هذه الأسماء الشعراء الكبار الذين بشروا بها، وكالعادة أيضاً يرتد الشعراء الكبار عن أفكارهم القديمة ويصبحون أكثر محافظة وأشد صرامة في علاقتهم بالنص الجديد وبنصهم أيضاً.

هنا نص الحوار فإلى التفاصيل.

< كيف تنظر إلى النص التراثي في هذا الوقت؟

- النص كما يُنظر إليه اليوم، لا ينظر إليه من الجوانب الفقهية، من جوانب العبادة وأحكام الشرع، بدل أن يفتح أفقاً للتفكير، أفقاً للتساؤل أفقاً للعلاقة بينه وبين المعرفة، ليس بالمعنى لبعض المؤولين الذين يسيئون إلى النص القرآني، عندما يقولون إن كل شيء موجود في النص القرآني. عند تحميل النص كل شيء تقتله، يعني لا يكون النص بمثابة الضوء الذي يكشف لنا حياتنا العملية، ويكشف لنا مناهجنا الفكرية، ويغني ثقافتنا، النص القرآني قراءته كنص يعني بلاغة ويعني اجتهاداً لا كنص شرعي ، ولا أدعي بأنني عالم دين.

< قرأت التراث جيداً ويمكن أن تناقشه وتحاوره فبماذا تفسره؟

- حتى نعرف النص وأهميته فإن النص هو ارتباط بقراءته، النص هو القراءة، والقراءة تقوم على الفهم حتى لا تكون قراءة ذاكرة وقراءة تاريخية، القراءة هي مجموعة من العلاقات الثقافية والنفسية والتاريخية بحيث لا يكون القارئ واحداً والقراءة واحدة، كأن المسلمين لديهم عقل واحد، في جميع العصور لا يتغير، ويعتقدون أن هذا إغناء، بالعكس هذا إفقار للنص وإفقار للإسلام، وإفقار للبشر أيضاً، لذلك ليس لدينا ثقافة إسلامية، لدينا مليار وثلاثمائة مليون مسلم، خمس أو سدس البشرية، هل تستطيع أن تسمي عشرة مفكرين أو خمسة أشخاص يضعون النص القرآني على بساط المعرفة؟!

< هل هناك فرق بين القراءة والتأويل؟

- عظمة أي نص بما فيه النص القرآني هي في قابليته للقراءات المختلفة وهذا ينتج معرفة جديدة، بهذا المعنى يكون هناك نوع من تأويل الكلمة المشهورة (القرآن حمَّال أوجه) يقول النص القرآني عن الأمة الإسلامية «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَع القديم الجديد «مَ التقنية واستخدموها، لكن لماذا يرفضون المبدأ العقلي الذي أتى بهذه الإنجازات؟ هناك تناقضات في ذلك، هذا كله يستند إلى أن المعرفة جاهزة ومسبقة وتامة، والله يقول: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ» و«وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».

< في كتبك تعريض بالإسلام وبالذات الإلهية فماذا تقول؟

- لم أكتب كلمة ضد الإسلام بوصفه دينا ورؤية للعالم وإنما انتقدت الممارسة الإسلامية والفهم القاصر للنص القرآني، هذا نقدته وسأظل أنقده، وأنا مسلم ابن الثقافة الإسلامية، لو كان الإسلام لا يهمني لتحدثت عن قضايا أخرى، لأن الإسلام يسكنني، في دمي وحياتي وثقافتي، لذلك أغضب للإسلام وأناقشه، ولو لم تكن له الأهمية الكبرى لأحجمت عن ذلك. أنا أتحدى أي شخص يأتيني بكلمة واحدة كتبتها ضد الإسلام، أنا انتقدت وأنتقد التأويل السائد للإسلام، لذلك أنا أغضب وأثور، كيف لكتاب أنشأ هذه الحضارة العظيمة، وهذا الكم الإسلامي الهائل يغيب الاجتهاد فيه للتعريف بعظمته وقيمته.

< أتشهد بالشهادتين؟

- نعم لا إله إلا الله محمد رسول الله عشرات المرات .

< هناك من يكفرونك فماذا ترد عليهم؟

- لما فكيف لا يتسع المسلم للحوار، لذلك جاء الحديث النبوي (من كفّر مسلماً فقد كفر)، وأذهب إلى أكثر من ذلك لو استطاع أعداء الإسلام بكل قواهم، وبكل ما استطاعوا أن يؤذوا الإسلام، لما فعلوا أكثر مما فعل بعض المسلمين!

< هل ترى في النص القرآني تجاوزاً للفكر السائد وترى فيه حداثة؟

- إذا وضعته في إطاره التاريخي والحضاري، فهو نص حداثي متقدم على النصوص التي كانت من قبله وبعده، إذا أخذت السورة ونظرت إليها تراها كمثل حديقة مفتوحة من جميع الجوانب، من أية جهة دخلت تجد بنية مختلفة وهذه البنية المختلفة، ضد النظام الذي جاء فيما بعد في الكتابة وهذا نص حديث بالمعنى الدقيق للكلمة، بالمعنى الحديث هو في إطاره التاريخي نص متقدم فكرياً وفنياً ولغوياً بالمعنى الكتابي وهو نص حديث وإذا أخذت كل الشعراء الكبار في التاريخ العربي كان لديهم نص كامن في لا شعورهم، هو النص القرآني، وكان كل منهم يحاول أن يتقاتل مع النص ويتحاور معه، ويحاول أن يعمل مثله أو يبدع مثله، من هنا نستطيع فهم شاعر عظيم مثل أبي العلاء المعرى عندما فسر ديوان المتنبي وسماه (معجز أحمد) دائماً المبدعون الكبار يختارون أنموذجهم، والأنموذج دائماً خصم، إذا أخذت المتنبي يكون دائماً خصمي لأنني إذا كنت سأعمل مثله سأكون تابعه، لذلك يجب أن أعمل شيئاً إلى جانبه أو شيئاً يتخطاه وكل الإبداعات بالتاريخ كانت كذلك، النص القرآني كان من جهة نموذجاً ومن جهة مثلاً أعلى، وإلا لما حدث لدينا هذا الإبداع الكبير والدليل كل شعرنا بهذا المعنى.

كما في الدين المسيحي شخص المسيح هو المرجع، تستطيع أخذ الأناجيل ووضعها على الرف وتستطيع عدم قراءتها، إنما ارتباط المسيحي في العمق بشخص المسيح ما يأخذه منه، أنت تعرف أن التلامذة رووا حياة المسيح بأشكال مختلفة ليست متناقضة ولكن متنوعة ثم إذا أخذت التوراة هل هي بالفعل التي بين أيدينا.

< الدين يأمرنا بأن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ما الكتب التي تؤمن بها وأنت تقول الإنجيل ليس كلام الله؟

- نعم ولكن إذا كنت ستؤمن بالإنجيل ستقع في تناقض لأن مفهوم الله في الإنجيل مختلف لكن هل هو الذي بين أيدينا، والمسلم يجب ألا يخاف على القرآن ومهما نقد النص القرآني لن يؤثر فيه أحد لأنه موجود وجوداً موضوعياً مثل وجود أية ظاهرة موضوعية، بالعكس التفسير ينعشه ويحييه.

< هناك كتاب صدر في مصر (تحيا اللغة العربية ويسقط سيبويه) يطالب بإلغاء النحو العربي والبحث عن لغة وسيطة ما رأيك؟

- هذه قضية قديمة تثار بأشكال مختلفة، ويمكن تلخيصها استناداً إلى تطور اللغات في العالم فاللغة بشكلها الفصيح المتوارث صارت منفصلة عن الحياة، إن الطفل يستحدث في بيته لغة ويذهب إلى المدرسة إلى لغة أخرى بحيث يحدث لديه انفصام لغوي يؤدي إلى انفصام ثقافي لذلك يطالبون بلغة دارجة وبالنسبة لي مرة سئلت سؤالاً: الفصحى تموت لماذا تتمسك بها؟، قلت: على افتراض أن الفصحى تموت أحب أن أكتب بهذه اللغة التي تموت ولن أكتب إلا بها وهذا لا يعني أنني معاد للغة الشعب الدارجة، جميع اللغات في العالم لها مستويان لغة فصيحة ولغة دارجة، ربما تكون المسافة عندنا بين الدارجة والفصحى أبعد وأقوى وأشد منها في لغات أخرى، لكن من حيث المبدأ الخطأ ليس في اللغة وليس في النحو وليس في الصرف، لأن لكل لغة مشاكلها، اللغة الفرنسية مثلاً حين تقرؤها بنحوها وصرفها معقدة، اللغة الألمانية كذلك بنحوها وصرفها معقدة كالعربية، إذن الخطأ ليس في اللغة بذاتها وإنما في العقل الذي يستخدم هذه اللغة، نحن العرب يجب أن نعرف أننا لم نعد نعرف لغتنا ما الأسباب؟ هذا موضوع آخر حتى الشيوخ المؤتمنين على اللغة العربية عندما يخطبون في الجوامع يخطئون والمسلمون إجمالاً لا يعرفون لغتهم تقرأ الكتب التي توضع والتي تترجم نادراً ترى اللغة التي يكتب بها هي مثل بشرته مثل دمه، مثل الهواء الذي يتنفس، تحس اللغة العربية موجودة هناك في الكتب والقواميس، والكاتب يأتي إلى هذه الكتب ويأخذ منها المفردات، لا تخرج اللغة من قلبه ومن دمه ليس معنى هذا أن الدارجة أحسن أو هي الحل، أحك بالدارجة الآن عندما أحكي بالدارجة أشعر بأن عقلي تقلص وصغر وأفكاري تقلصت وصارت محدودة، لذلك لا أستطيع أن أكتب الدارجة إطلاقاً، المستوى يكون في ذروته ويهبط فوراً. فالمشكلة أكثر تعقيداً من كونها فصحى ودارجة وتسهيلاً وتبيسطاً أعمق من ذلك أعتقد أن كل النظريات حول اللغة العربية الآن هي نوع من الهروب من مواجهة مشكلة العقل الخلاق، الخلق طاقة على الإبداع وطاقة الخلق عند العرب هي المضمحلة، لذلك يريدون إنزال اللغة إلى مستوى هذه الطاقة وتنزيل البشر إلى هذا المستوى لذلك مشكلتنا مع الطاقة الإبداعية مع طاقاتنا الخلاقة وليس مع لغتنا، اللغة العربية هي أعظم لغة يمكن أن يتخيلها الإنسان. القرآن نزل بلغتنا، ونحن نستحقها، لأنها نزلت علينا من السماء بهذا الأسلوب إنما يجب أن نثبت أننا نستحقها، نذهب إلى تفاسير القرآن ابن كثير ومحمد عبده الشعراوي هل تطابقوا! العيب فينا نحن، علماؤنا منصرفون عن الاجتهاد بالسياسة هناك تغييب وتهميش وهناك من يتفوق ولا يحظى بشيء أزعم أننا لم نقرأ القرآن ولم نقرأ تراثنا، المسائل مترابطة سياسية وأنثروبولوجية، الآن شخصية النبي (صلى الله عليه وسلم) كالإصرار على أميته، هو لم وكلام أصحابه نقلاً دون أن نضيف الاجتهاد.

< بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ هل بدأنا في العد التنازلي للضعف؟

- هناك دراسات محمدية كدراسة خليل عبدالكريم، إرهاصات الإسلام والنبوة ودور خديجة في ذلك أحدهم يقول إن المسلمين الآن ليسوا بمسلمين سيأتي مسلمون آخرون كي يحملوا هذه الرسالة، الأجيال القادمة يمكن أن تحمل الراية كما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

< الأحاديث الموضوعة التي تعاقبت هل هي دسيسة ضد الدين؟

- طبعاً هناك علماء فندوا الأحاديث الصحيحة والضعيفة، والمدلسة وغيرها لكن إلى الآن لا تعرف العامة الحديث الصحيح من الضعيف، أصيب الدين ببعض التشوهات من خلال الأحاديث الموضوعة. وهناك شأن المذاهب الأربعة وتفرعاتها.

قال النبي (صلى الله عليه وسلم): يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على الجمر. يأتي زمان على أمتي ينسون الخالق ويعبدون المخلوق.

< بلند الحيدرى يقول أدونيس بنى قصراً، وجاء أتباعه كالجرذان، فخربوه؟

- هناك كلام كثير ليس المهم قصيدة النثر والوزن المهم بدلاً من الحديث عن الشعر نتحدث بالترهات، الشباب يتخرصون بأن قصيدة النثر ألغت الشعر العربي.

< ولو كانت هناك مقطوعة شعرية نثرية ومطابقة لها موزونة ماذا تفضل؟

- هناك روايات عظيمة كلها شعر «موبى ديك» وفيرجينيا وولف، كل روياتها شعر، الشعر حالة عامة، علماء الفلك وفرضيات غزو الكواكب كلها فرضيات شعرية، القصيدة نظام وبنية، المهم الحديث عن الشعر لا القصيدة، أعظم شيء في الشعر كالحب لا تستطيع تحديده، هل تستطيع أن تقول لي ما الحب؟

< علمنا أنك تعد كتاباً شعرياً في السيرة النبوية؟

- لدى مشروع كتاب في السيرة النبوية واتفقت مع ناشر فرنسي كي ننشرها وأنجزتها طبعاً أنا لا أحكي هذه الأشياء.. سيرة صافية وهي كتاب عظيم جداً لكن بصيغتها الحالية لآلئ، لكن الأصداف تغطي هذه اللآلئ سأنزع كل الأصداف وأترك اللآلئ فقط، وهي كلها شعر وستترجم إلى لغات.

< ما رأيك باقتراح الشاعر عبدالله باشراحيل لمشروع مختارات من الشعر العربي تترجم إلى لغات العالم؟

- بكل سرور نعمل مختارات من الشعر العربي بالفرنسية إذا وافقت دار النشر ونحن نعمل عليه، وأستطيع أن أقول إن الشاعر عبدالله باشراحيل، هو الذي أسهم بهذه الفكرة، والمادة موجودة ويمكن إعادة قراءتها من جديد. في دار جاليمار الكبيرة قلت لهم لديكم مختارات لكل شعر في العالم بينما أهم شعر في العالم الشعر العربي، ليس لديكم مختارات له قالوا لي نحن في ميزانيتنا لا نستطيع دفع ثمن الترجمة لأن الكتاب يصير غالي السعر لذلك تذهب غاية الكتاب، كل الشعر العالمي دفعوا ثمن ترجمته ونشرناه نقلت ذلك لبعض الممولين وإذا توافرت القيمة سنذكر اسم الممول في مقدمة الكتاب.

< طرح د. عبدالله باشراحيل فكرة إعادة تصنيف بعض التراث العربي وترجمته إلى اللغات الحية فما رأيك في ذلك؟

- مشروع عظيم لو تم وفي الجانب الآخر، أقوم الآن بجمع ديوان النثر العربي وسينشر في «كتاب في جريدة» النثر لا يقل عن الشعر وهو الذي نشأ في المدينة، لا توجد ثقافة حية دون نثر، والشعر عفوي وارتجالي وتكتبه كيفما شئت لكن النثر يلزمه تعقل وثقافة واطلاع واسع، لذلك لا يفهم الشعر العربي فهماً واسعاً دون نثر مهم وعميق، هذا مشروع أعمل عليه (ديوان النثر العربي) حتى تبرز الشخصيات الحية والمبدعة في أمتنا وثقافتنا العربية، وسأسمي المختارات بجملة لأبي العلاء المعرى (جدي على الثدي). عن مجلة (الأهرام العربي) 14 يونيه 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى