> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

صورة تجمع من اليمين: أبوبكر كعدل والسيد زين العيدروس ومحمد علي باشراحيل والشيخ محمد بن سالم البيحاني
صورة تجمع من اليمين: أبوبكر كعدل والسيد زين العيدروس ومحمد علي باشراحيل والشيخ محمد بن سالم البيحاني
تمهيد:بين يدي القارئ الكريم صورة ضمت أربع قامات يصعب تناول مناقبها في صفحة واحدة لا تكاد تتسع حتى لعرض الخطوط العريضة لتراجمها وحسبي وأنا أوظف هذه الصورة أن تتعرف أجيال الحاضر والمستقبل على معادن رجال هذه المدينة الطيبة.

1- أبوبكر كعدل:
أبوبكر محمد سعيد كعدل، من مواليد 6 يناير 1921م (عدن) في حافة البنانية ثم انتقلت الأسرة إلى شارع الزعفران في مسكن مجاور للسادة آل الصافي، أمام مسكن الشيخ عبدالرب جابر، أطال الله عمره ومتعه بالصحة. توفي والده وهو في الثانية من عمره فشمرت والدته، رحمها الله عن ساعديها وكافحت من أجل توفير الغذاء والملبس والكراسة والقلم إلى جانب جرعات من الدفء والحنان.

جرياً على عادة أهل زمان التحق أبوبكر كعدل بكتاتيب المدينة لتعلم القرآن ومبادئ القراءة والكتابة والتحق بعد ذلك بمدرسة الإقامة Residency School (مدرسة السيلة الابتدائية لاحقاً والمتحف الحربي حالياً) بكريتر وأكمل تعليمه بمدرسة القديس يوسف العالية (البادري) بكريتر.

أبوبكر كعدل ومشوار طويل ومتنوع في مجال الوظيفة:
اكتفى أبوبكر كعدل بقدر متوسط من التعليم، فيه من الكفاية لتأهيل صاحبها للالتحاق بأي وظيفة في أول السلم في أي مؤسسة كانت، وفي العام 1936م التحق أبوبكر كعدل بهيئة المياه ضمن فريق من مشرف ومساعدين كانت مهمتهم فحص مياه الشرب التي كان يستخدمها السكان المتعاملون مع الآبار، إلا أن بقاءه في تلك الوظيفة دام لأشهر معدودات، لأن موظفين هنوداً تكالبوا عليه وأبدى كعدل ردود فعل سريعة وحادة أفقدته الوظيفة.

يلاحظ من تقلبات أبي بكر كعدل في الوظائف قد حكمتها حدة مزاجه وسرعة انفعاله وردود فعله التي كانت تتسم بالحدة فقد كان رحمه الله يتوخى من رؤسائه في العمل توفر قدر معقول من احترام المرؤوسين وإلا كان رده للصاع بصاعين وذلك ما حدث له عندما التحق بإدارة الهجرة والجوازات وكان من زملاء عمله عبدالغفور خان (قريب أحمد يوسف خان) رحم الله الجميع وكان أبوبكر كعدل يساعد المتقدمين من المحافظات الشمالية (المعروفة آنئذٍ بالمملكة المتوكلية اليمنية) في الحصول على جوازات سفر بريطانية من خلال إرشادهم إلى مخارج تكفل لهم ذلك الامتياز.

أبوبكر كعدل يجد ضالته المنشودة في محكمة عدن:
التحق أبوبكر كعدل بمحكمة عدن أميناً لمكتبتها ووجد فيها ضالته المنشودة ونهل الشيء الكثير من مئات العناوين في شتى القوانين بما فيها الشريعة والفقة الإسلاميان بمذاهبه الأربعة ولا تزال مكتبته رحمه الله تضم مراجع في علوم الفرائض (تقسيم التركات) وفي الأحوال الشخصية وغيرها وعلى خلفية قراءاته تبنى قضية توصيل خدمات المياه إلى مناطق نائية من حي العيدروس العريق.

على خلفية تلك القراءات تمكن أبوبكر كعدل من تحقيق نجاح كبير أثناء ممارسة مهنة العرض حالات (Petition Writer) وكانت تلك المهنة مصدراً للكعدل عند توقفه عن العمل الرسمي، بل وكان بعض القضاة السودانيين يشيرون على متقاضين باللجوء للكعدل لإعداد عرائضهم القانونية.

كعدل وزيراً في حكومة اتحاد الجنوب العربي:
اعتباراً من 18 يناير 1963م أصبحت عدن إحدى ولايات اتحاد الجنوب العربي وأصبح حسن علي بيومي، رئيس الحزب الوطني الاتحادي ورئيس وزراء ولاية عدن وزيراً بلا وزارة في الحكومة الاتحادية وقدم بيومي ثلاثة من أعضاء حزبه وهم: نائبه عبدالرحمن جرجرة، وعين وزيراً للمعارف (التربية والتعليم) والسيد عمر عبدالعزيز شهاب، وزيراً للمالية وأبوبكر كعدل، وزيراً للبريد والهاتف. توفي حسن بيومي في يونيو 1963م وأصبح السيد زين عبده باهارون زعيماً للحزب الوطني الاتحادي ورئيساً لوزراء حكومة عدن. طرأت تعديلات على الحكومة الاتحادية وأصبح أبوبكر كعدل وزيراً للطيران بالوكالة بالإضافة إلى مهامه السابقة.

كعدل ومشروع مفاضلة بين مطار عدن الدولي ومطارات إقليمية وقارية:
شهد العام 1937م صدور أول قانون للنقل الجوي في عدن وبناء مركز الأرصاد في مطار عدن الدولي الذي صممه كريستوفر كينيدي، الذي قام بتصميم مطار جدة الدولي أيضاً. طاف أبوبكر كعدل أثناء فترة ولايته بعدد من مطارات الخليج وشرق أفريقيا وشرق آسيا لإجراء مفاضلة بين مطار عدن ومطارات تلك الدول وأشار تقريره أن المطار الوحيد الذي تفوق على مطار عدن الدولي من حيث حركة الطيران شهرياً هو مطار طوكيو الدولي الذي سجل حركة (1062) طائرة قادمة ومغادرة مقابل (1040) طائرة قادمة/مغادرة في مطار عدن الدولي، وعلى أساس ذلك شهد مطار عدن حركة تحديث للأجهزة والمعدات وتطوير المورد البشري ومن المحزن في هذه الأيام أن ينحدر هذا المطار الدولي إلى الدرك الأسفل من الحضيض بعد تصفية شركة طيرانه وسحب معداته وأجهزته وعزل المطار من حركة الطيران.

كعدل وعدد من الاهتمامات:
كان أبوبكر كعدل صاحب علاقات اجتماعية واسعة وكان من أصدقائه حسن بيومي وشقيقه حسين والسادة آل باهارون وفي مقدمتهم السيد زين عبده باهارون وعميد «الأيام» محمد علي باشراحيل وربطته علاقات طيبة بالسلاطين والشيوخ منهم: الشريف حسين بن أحمد الهبيلي والأمير شعفل بن علي والشيخ محمد فريد العولقي، الذي بأدله الوفاء بأن قدم خدمة لنجله محمد في دولة الإمارات العربية المتحدة فور معرفته بأنه نجل صديقه أبوبكر كعدل ويصعب حصر دائرة الكعدل الاجتماعية.

من اهتماماته رحمه الله أنه كتب كثيراً في عدد من الصحف وكان غالبها في «الكفاح» وقليلها في «الأيام»، كما كان رحمه الله ماهراً في العزف على آلة العود ومجيداً في أداء الأغنية الصنعانية والأغاني المحلية ذات الطابع العدني وكان صوته جهورياً وكان يمارس متعته في العزف والغناء في بيته أو مع أصدقائه على نطاق محدود.

كعدل وآخر سنوات العمر:
اعتكف أبوبكر كعدل في منزله خلال الفترة الممتدة من عام 1967م وحتى العام 1977م وإن خرج لمرات معدودة فكانت إلى مبرز العمودي حيث كان يقضي سويعات المقيل مع صدييقه عمر العمودي وعبدالقادر باصالح وآخرين.

التحق بعد ذلك في شركة النصر للتجارة الحرة في إدارة الرقابة وتحسنت ظروفه المادية والمعيشة والنفسية عندما التحق بشركة براس بترول البرازيلية، وشغل وظيفة مدير مالي وإداري وأصيب بمرض السكر وبلغت المعاناة ذروتها عند إصابته بالجنجرينا وبترت ساقه بعد أحداث يناير 1986م وغادر إلى صنعاء عام 1987م حيث ركبت له رجل صناعية في مركز الأطراف الصناعية.

انتقل أبوبكر كعدل إلى رحمته تعالى في أغسطس 1988م عن 67 عاماً وخلف وراءه ملحمة كفاحية وسمعة عطرة وثلاثة أولاد هم: إلهام (تحمل الجنسية الإماراتية)، محمد (مقيم في الإمارات)، أحمد (موظف في شركة النفط اليمنية - فرع عدن) وكان أكثر التصاقاً بوالده حتى وفاته وهو الذي زودني بالمعلومات اللازمة لإعداد الجزء المتعلق بوالده في هذه الحلقة وإليه شكري وتقديري.

2- محمد علي باشراحيل .. الميلاد والنشأة:

محمد علي عبدالله عمر باشراحيل من مواليد حي العيدروس بكريتر في يوم الجمعة الموافق 4 أبريل 1919م وباشراحيل حضرمي الأب ويافعي الأم (لولة بنت حسن خالد)، وأخذ جرعاته الأولى من أبجديات القراءة والكتابة في كتاتيب المدينة والتحق بعد ذلك بمدرسة البعثة الدنماركية التبشيرية بحي العيدروس وتخرج جل جهابذة عدن في تلك المدارس وارتبط اسم تلك البعثة بواحدة من أعظم مكتبات عدن وهي:

Danish Mission Book-Shop. بكريتر.

شركة البرق واللاسلكي أولى صفحات إلياذة باشراحيل:
أملت الظروف الأسرية الصعبة على فتاها محمد بالخروج إلى معترك العمل فالتحق في العام 1935م بشركة البرق واللاسلكي كمتدرب على آلة المورس وانتقلت الأسرة إلى التواهي، مقر عمل ولدها محمد وفي العام 1941م باركت السماء اقتران الشاب محمد علي باشراحيل بربة الصون والعفاف سعيدة محمد عمر الشيبة (جرجرة) لتكمل معه بقية الصفحات الجمة للألياذة الباشراحيلية.

شاءت الأقدار أن يتقدم باشراحيل بطلب إجازة غير مدفوعة الأجر إلى مرفق عمله إلا أن طلبه رفض وكان رد فعله أعنف بتقديم استقالته واضطر إلى العمل في داخل بيته بإعداد رسائل تجارية لرجال أعمال فيما شمرت الزوجة الشابة عن ساعديها واشتغلت من داخل بيتها ببيع الأقمشة وخياطة الملابس مشاركة زوجها بتحمل تكاليف الحياة وعكست بذلك المقولة المأثورة: وراء كل عظيم امرأة.

باشراحيل لا يسكن إلا القمم:
لا يمكن للمرء تبوأ مواقع متقدمة إلا إذا توفرت لديه الشروط والمقومات وانطبق ذلك علي محمد علي باشراحيل ويسهل رصد ذلك من سيرته ومسيرته فقد ترأس نادي الإصلاح العربي في الخمسينات من القرن الماضي بعد أن كان نائباً لرئيس النادي في مدينة التواهي وسبق له أيضاً أن شارك في تأسيس (حلقة شوقي).

كما شارك محمد علي باشراحيل مع الرعيل الأول محمد علي الجفري وشيخان الحبشي وسالم الصافي وأحمد عبده حمزة ورشيد الحريري وآخرين من الصفوة بتأسيس حزب الرابطة عام 1951م وارتقى باشراحيل درجات السلم في ذلك الحزب العريق من عضوية اللجنة التنفيذية إلى مركز نائب الرئيس.

تزامن نشاط باشراحيل المتعدد والمتنوع مع اقتحامه مجلسين مهمين هما: المجلس البلدي خلال الفترة 52/1958م والمجلس التشريعي 55/1959م وأبلى خلال عضويته في ذينك المجلسين بلاءً حسناً من خلال اللجان العاملة (اللجنة المالية ولجنة الأراضي) وأنجز عدداً من المكاسب للصالح العام والوثائق الرسمية ماثلة أمام الجميع وعزز أعماله من أجل الصالح العام بأن كان عضواً في مجلس أمناء مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية التي جمعت بين عظمة مدرسيها وخريجيها من الطلاب.

باشراحيل يطرق بثقة باب الصحافة:
إذا كانت الصحافة مجالاً من مجالات الإبداع فقد طرق محمد علي باشراحيل مع شريكة حياته (سعيدة) باب الإبداع الإذاعي بمشاركتهما في برامج إذاعة عدن منذ تأسيسها في أغسطس 1954م قبل أربع سنوات من تأسيس صحيفة «الأيام».

أصدر محمد علي باشراحيل في العام 1956م صحيفة «الرقيب» الأسبوعية نصفها الأيمن باللغة العربية ونصفها الأيسر باللغة الإنجليزية وكانت قلباً نابضاً ببطينيه وأذينيه الأيمنين والأيسرين وفي السابع من أغسطس 1958م صحيفته «الأيام» اليومية وصحيفته الـ «ريكوردر» Recorder الأسبوعية في المبنى الحالي لـ «الأيام» الذي ضم مسكنه ومقر صحيفته ولهذا المبنى حكاية.

كان محمد علي باشراحيل أول رئيس لمجلس بلدي منتخب عام 1955م وكان الرجل الثاني في لجنة الأراضي وحصل على بقعة واحدة ويأس من إمكانية بنائها وكاد أن يعيدها لولا أن قيض الله له صديق عمره الشيخ عبدالله صالح المحضار الذي أشار عليه بأن يمنح الأرض للشيخ محمد عوض باوزير ليبني عليها فيللتين، واحدة لباوزير والأخرى لباشراحيل وهكذا تمكن باشراحيل من تجاوز الأزمة لأن الزمن لم يكن زمن المتاجرة والسمسرة بالأراضي كما هو جار في هذه الأيام.

باشراحيل وشريك حياته محتسبان عند ربهما:
أخذت «الأيام» موقعاً متميزاً في ساحة السلطة الرابعة (الصحافة) في عدن خلال عصرها الذهبي ولم يكن من السهولة بمكان احتلال مثل تلك المكانة سيما وأن العصر كان عصر المجتمع المدني بكل مؤسساته: صحافة وأحزاب ونقابات وتنظيمات طلابية ونسوية واتحادات الأطباء والحقوقيين والخريجين، وعجت الساحة بكل ألوان الطيف وكان أن قرر محمد علي باشراحيل غسل يديه من العمل الحزبي، لأنه عزم على السير في طريق الصحافة الليبرالية، التي يتسع منبرها لكل الأقلام دون تمييز ووظف باشراحيل رؤيته السياسية الثاقبة في كتابة الافتتاحيات حتى دخول المنطقة على كافة الصعد أتون حروب أهلية وإقليمية مدمرة وما تبعها من تداعيات وباتت المنطقة في كف عفريت وأفرزت المرحلة ترتيبات جديدة واستحال على السياسيين والإعلاميين ورجال المال والأعمال التعايش مع تلك الأوضاع التي سادها الاحتكام إلى السلاح ولذلك أغلقت الصحف أبوابها ومنها «الأيام».

قرر النظام الجديد في عدن انتهاج نموذج «واحدية وسائل الإعلام» وصدرت الأوامر بإغلاق الصحف المحلية حتى صدور تراخيص جديدة وأثبت تقادم الزمن أن الدولة مالكة الصحافة والتجارة والخدمات وغيرها وهي إشارة واضحة إلى أن على المعنيين بالأمر الرحيل إلى أرض الله الواسعة وتخلص محمد علي باشراحيل من أصول مؤسسته من مطبعة وأحبار وأوارق ولوازم مخزنية أخرى وحمل عصا الترحال إلى الشمال اليمني ليستقر به المقام هناك حتى قيام دولة الوحدة.

في التاسعة من صباح الأحد الموافق 21 فبراير 1993م انتقل محمد علي باشراحيل إلى جوار ربه في صنعاء وورى جثمانه الطاهر في عدن أما أرملته الفاضلة سعيدة محمد عمر الشيبة (جرجرة) فقد انتقلت إلى جوار ربها مساء الأحد الموافق 11 ديسمبر 2006م في عدن وورى جثمانها الطاهرة في موكب مهيب في عدن.

نجلا باشراحيل هشام وتمام يدفعان ضريبة نجاح «الأيام»:
عادت «الأيام» إلى سيرتها الأولى في 7 نوفمبر 1990م بعد قيام دولة الوحدة على كتفي نجلي محمد علي باشراحيل، هشام وتمام وبدأت أسبوعية وتدرجت حتى أصبحت يومية كما كانت وازدانت بالألوان وحققت انتشاراً كبيراً من حيث التعامل المباشر للقراء معها أو عبر الشبكة العنكبوتية (الانترنت) وكان ذلك بفضل الله ومن ثم بفضل نجليه والعاملين معهما والمحبين لهما من أصدقاء وقراء ولكل نجاح هناك أعداء النجاح من حثالات، إلا أن قافلة «الأيام» سارت وتسير ولا يضيرها نباح الكلاب.

3- السيد زين العيدروس .. الولادة والنشأة:

السيد زين بن حسن عيدروس العيدروس من مواليد عام 1885م بحي العيدروس العريق بكريتر (عدن)، حيث أخذ الحي اسمه تيمناً بالإمام العدني أبي بكر بن عبدالله العيدروس المولود بمدينة تريم عام 1432م والذي يعتبر السيد زين من سلالته، وفي ذلك الحي أحد أعرق جوامع عدن ألا وهو جامع العيدروس.

نشأ السيد زين العيدروس في ذلك المناخ الروحاني ونهل جرعات مشبعة من المعين العلمي لعمه السيد عبدالله بن عيدروس بن زين العيدروس، أحد أكبر علماء عصره وكان يلقب بـ «شمس العلماء» أما تعليمه النظامي فقد حصل عليه في مدارس عدن وأتقن اللغة الإنجليزية كتابة ونطقاً وحديثاً من خلال دروس خاصة تلقاها على يد المستر شارب، مدير المجلس الثقافي البريطاني زBritish Councilسوكان مقر المجلس في مبنى فندق الحرية (فندق متروبول سابقاً وكان معروفاً أيضاً بفندق التركي) وانتقل مقر المجلس بعد ذلك إلى المبنى الذي يشغله حالياً اتحاد نساء اليمن بالريزمت.

السيد زين العيدروس منصب عدن صاحب أياد بيضاء:
رست قناعة شمس العلماء السيد عبدالله بن عيدروس بن زين العيدروس، منصب عدن وهو على قيد الحياة بأن يخلفه في منصبة عدن ابن أخيه السيد زين العيدروس الذي شغلها بعد وفاة عمه من العام 1947م حتى العام 1960م. كان رحمه الله معتدل القامة مهيب المطلعة حاد القسمات وارتبط ترحيبه وإصغاؤه لضيوفه وأصدقائه بالابتسامة المطبوعة لا المصنوعة. كان لا يتحدث إلا إذا قضت الضرورة وكانت حجته بأنه شغوف بما يرد على ألسنة محدثيه لعله يستفيد ويفيد إن شاء الله تعالى.

كان السيد زين العيدروس مجبولاً على حب الناس يعود مرضاهم ويواسي محتاجيهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم بالسير في جنازات الموتى وتقديم المواساة لذويهم وأقاربهم وكان رحمه الله يحرر التوصيات للمهندس البلدي بصرف أراض لسكان منطقة العيدروس بغرض بناء مساكن أو محلات لهم.

أسس السيد زين العيدروس جمعية عدن الخيرية وكان واحداً من أبرز رؤسائها الذين عملوا متضامنين من أجل إغاثة الفقراء والمنكوبين وإعانة فقراء الطلاب بتقديم لوازم الدراسة من ملابس وحقائب وكراريس إلا أن أعباءه تضاعفت بعد وفاة أخيه السيد عيدروس بن حسن العيدروس، وتفرغ لمهام أخرى تقع في صلب مصالح المجتمع وألح عليه مركزه كمنصب عام لعدن بأن يعمل على إنجاز تلك المهام، كما عمل رحمه الله على حل الخلافات الاجتماعية بين السكان وأسهم في حل الخلافات الناشئة بين الحكومة والنقابات في خمسينات القرن الماضي بالتعاون مع الشخصية النقابية والوطنية عبدالله عبدالمجيد الأصنج والشخصية السياسية والصحفية محمد سالم باسندوه، وكان في الوقت ذاته يعمل على رأب الصدع داخل الجمعية الخيرية وكان يردد «لو لم أكن خارج الجمعية لما استطعت حل مشاكلها».

السيد زين العيدروس في محررات رسمية:
ورد اسم السيد زين العيدروس أو صورته في عدد من المحررات الرسمية منها الإعلان العام رقم (120) بتاريخ 4 مارس 1958م المنشور في الجريدة الرسمية (الجازيت) بشأن «لجنة أراضي التاج» برئاسة المدعي العام المستر شيلدز وعضوية عدد من الشخصيات العدنية وهم: محمد علي باشراحيل وعبده حسين الأدهل والشيخ علي محمد باحميش والسيد زين العيدروس.

كما نشرت الجريدة الرسمية الإعلان الحكومي رقم (88) بتاريخ 2 يونيو 1959م بشأن تعيين لجنة الأوقاف من التالية أسماؤهم: 1- السيد زين العيدروس، 2- الشيخ علي محمد باحميش، 3- الشيخ محمد بن سالم البيحاني، 4- الشيخ أحمد علي صالح، 5- مصطفى عبدالكريم بازرعة، 6- زين العابدين حسن علي بليدا، 7- محسن حسن خليفة، 8- وقار حسن أنصاري.

نشرت الجريدة الرسمية أيضاً قرارات رسمية بتكريم السيد زين العيدروس للخدمات الجليلة التي قدمها للمجتمع، كما نشرت مجلة «إذاعة عدن» صوراً للسيد زين العيدروس وكوكبة من نجوم المجتمع أمثال: الشيخ علي محمد باحميش ومحمد علي باشراحيل وعلي محمد لقمان بالإضافة إلى توفيق إيراني، أول مدير لإذاعة عدن عند تأسيسها عام 1954م وكان المذكورون ضيوفاً على برنامج إذاعي في معرض الرأي.

الخميس الحزين في عدن الستينات:
خيم الحزن على العصر الذهبي لعدن الستينات من القرن الماضي عندما نعى الناعي وفاة السيد زين بن حسن عيدروس العيدروس، منصب عدن في 5 مايو 1960م عن عمر ناهز الـ 75 عاماً مخلفاً وراءه سجلاً ناصعاً من الباقيات الصالحات و(11) ولداً، الذكور منهم: 1- الشيخ مصطفى (منصب عدن الحالي)، 2- حسين، 3- محمد، 4- شيخ ، 5- عبدالقادر، 6- عبدالله، 7- عيدروس وأربع بنات.

4- الشيخ محمد بن سالم البيحاني .. الولادة والنشأة:

الشيخ محمد بن سالم بن حسين الكدادي البيحاني من مواليد عام 1908م بحصن هادي، مدينة القصاب، إمارة بيحان الهاشمية. تلقى علومه الدينية على يدي والده العلامة الفقيه الفلكي الشيخ سالم بن حسين الكدادي البيحاني. انتقل بعد ذلك إلى حضرموت برفقة صنوه الشيخ عبدالاله سالم البيحاني، حيث تلقيا علومهما على يدي الشيخ الجليل عبدالله بن عمر الشاطري العلوي وكوكبة من شيوخ آخرين وأقام في الرباط العلمي هناك زهاء عامين.

شد الشيخ البيحاني عصا الترحال من حضرموت إلى فيحاء الشيخ عثمان بعدن بحثاً وراء الاستزادة العلمية ووجد ضالته المنشودة في تلك المدينة عند شيخها الجليل أحمد محمد العبادي (1883-1968م) وهو العلامة ذاته الذي درس على يديه الراحلان الكبيران محمد سعيد جرادة وعبدالله أحمد محيرز.

محطات بارزة في حياة الشيخ البيحاني:
بعد حصوله على درجة العالمية من الأزهر الشريف بمصر، عاد الشيخ محمد بن سالم البيحاني إلى عدن وشرع في حمل راية التنوير من خلال صروح كبيرة بدأها بالجمعية الإسلامية مع كوكبة لامعة من أبناء المدينة منهم الشيخ محمد عبدالله المحامي (والد المحامي طارق) والشيخ علي محمد باحميش والشيخ علي بازرعة والشيخ علي إسماعيل تركي والسيد سالم الصافي والشيخ ياسين راجمنار والسيد عبدالله بن صالح المحضار والأستاذ علي غانم كليب وصاحب الفضيلة السيد محمد علي الجفري والأستاذ عبدالرحمن جرجرة والتي أعلن عن تأسيسها عام 1949م إلا أن الوهن أصابها بعد وفاة محركها الشيخ محمد عبدالله المحامي.

اقترنت سيرة الشيخ البيحاني بجامع العسقلاني بكريتر وينسب الجامع إلى الحافظ بن حجر العسقلاني الذي أقام في عدن ستة أشهر من عام 806هـ وفي العام 1950م تم هدم الجامع وأعيد بناؤه على أحدث طراز ورفد المحسنون المشروع بتبرعاتهم التي بلغت حصيلتها 82.400 روبية وأشرف على هذا العمل الجليل الشيخ سعيد بن أحمد بن عمر بازرعة، ونفذ المشروع المقاول الحاج محمد عثمان ثابت الأديمي، وكان الجامع مناراً في عهد الشيخ البيحاني حيث كان إماماً وخطيباً وواعظاً ومدرساً ومحركاً للحلقات العلمية في الجامع (أمين سعيد باوزير، حلقات القرآن ومجالس العلم في مساجد عدن - ص 28).

من المحطات البارزة في سيرة ومسيرة الشيخ البيحاني هي تلك الجهود الجبارة المباركة التي بذلها في جمع تبرعات بلغت حصيلتها 149 ألفا و624 ديناراً لتمويل بناء المعهد العلمي الإسلامي بكريتر (ثانوية البيحاني النموذجية حالياً) أكبر صرح علمي آنذاك بعد كلية عدن، كما استغلت حصيلة التبرعات في بناء عدد من العمارات السكنية كأوقاف للمعهد.

من مؤلفات الشيخ البيحاني:
1- إصلاح المجتمع، 2- أستاذ المرأة، 3- ديوان الخطب المنبرية، 4- كيف تعبد الله؟، 5- الفقه البسيط، 6- تخفة رمضان، 7- نحو المسجد، 8- أطيب الكلام عن سيرة سيد الأنام، 9- بلدة طيبة ورب غفور، 10- رسالة في نصيحة أهل يافع، 11- التعليقات على نظم بلوغ المرام، 12- تعليقات على هداية المريد، 13- رسالة في تعدد الزوجات والطلاق في الإسلام، 14- رباعيات البيحاني، 15- زوبعة في قارورة، 16- أشعة الأنوار على مروريات الأخبار (على جزئين)، 17- العطر اليماني في أشعار البيحاني، 18- معاملة ودين وعبادة ودين.

هناك خمسة مؤلفات مخطوطة للشيخ البيحاني لم تطبع بعد.

الحاج هائل يحسن مثوى الشيخ البيحاني:
غادر الشيخ محمد بن سالم البيحاني عدن بعد استقلال الجنوب إلى الشمال واستقر به المقام في مدينة تعز وأقام في مسكن بناه له الحاج هائل سعيد أنعم، رحمه الله وظل الشيخ البيحاني تحت الرعاية الكريمة للحاج هائل، الذي نفذ وصية الشيخ البيحاني بأن يقوم بتجهيز ودفن جثمانه تحت مسجد المظفر بتعز وكانت وفاته رحمه الله في ليلة الجمعة، 24 ذي الحجة 1391م الموافق 10 فبراير 1972م.