قداسة الكلمة في النقد

> «الأيام» علي محمد يحيى:

> كيف نستطيع أن نطهر الكلمة من الشوائب حين تشوبها؟ وهل نحن اليوم قد سلمنا بأن الكلمة لم تعد نقية حتى نسعى كي نجد لها وسيلة لتطهيرها؟ وإذا كانت الكلمة قبل هذا اليوم نقية فمن عبث بها؟ أو تركها للتشوه والأدران؟ وهل الكلمة تستحق كل هذه الأدران؟ أم أننا نحن من يشوهها ويضعها في غير موضعها؟

لا أشك كما هو حال غيري في أن لكل كلمة دلالتها.. بل إن لكل كلمة صفاءها ونقاءها وروعتها وبهاءها وسحرها، ومعناها السامي الرفيع حين تكون في موضعها، لكن حين نطلقها عنوة في غير محلها الذي تدل عليه فإننا نسعى حتما إلى الإساءة إليها. إن الكلمة منذ الأزل هي رفيعة سامية بمعانيها، أما حين نطلقها من ألسنتنا أو من أقلامنا ونرددها ترديدا يعبر عن أهوائنا وأمزجتنا الخاصة فإننا نسيء إليها ونعبث بها، فنحجب عن أبصار الناس ضوءها البراق ونورها المشع الساطع.

واليوم أحسب أن الكلمة قد بدأت تفقد إشراقاتها أو هكذا أراد لها البعض ممن لم يدركوا بعد أنهم ربما يعبثون بحرماتها عندما نجدهم يطلقونها جزافا هنا وهناك دون أن يقدروا ما ترمي إليه من معان أو تهدف إليه أو تدل عليه تحت مسمى النقد، وإنه لمن الحكمة والواجب على من يتعاطى الكلمة من الكتاب وحملة الأقلام بمختلف أطيافهم أن يدركوا أن محاولات البعض وهم قلة دون شك في تشويه صور الكلمات ذات الدلالات المضيئة، وإن كان في اعتقادهم حسن النية بإطلاقها في غير مواضعها اللائقة بها، أن يتداركوا الأمر وينتبهوا إليه قبل أن يتوهوا في غياهب الإساءة. الكلمة لا بد لها من قدسية وإلا ما قيمتها حينما نطلقها دون تمحيص أو تبيان؟ لأننا في هذه الحالة نكون قد أسأنا إلى قدسيتها وحرفناها عن معناها الأصيل وهوينا بها من عليائها على صفحات الجرائد التي أصبحت مليئة بضجيج مثل هذه الكلمات. الأمر الذي ينعكس على القارئ بسلبية قاتمة، وإن النقد النافع المفيد لا يصل إليه إلا صاحب القلم النظيف البعيد عن شوائب العبث بروح القلم، وصاحب القلم النظيف هو ذلك الذي يعطيه من ضميره وعقله ليستشف من خلالهما معنى الكلمات التي يعبر عنها، لا أن يسخر قلمه لقلب الحقائق وتصويرها على غير حقيقتها.. وإن صدق النقد الحق هو صدق الكلمة ونقاء الضمير وصفاء الذهن وشفافية النفس.

صدق النقد وشفافيته يدلان على نبل القصد وسمو الغاية وصيحة الضمير الذي يهمه الحفاظ على قداسة الكلمات، ومن ثم قداسة الأدب والفن والعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى