مبدعونا في المهجر والانتماء الإبداعي

> «الأيام» مختار مقطري:

> اسمحوا لي أن أجرب الشعور بالغرور فلطالما أضر بنا التواضع فليس هناك ما يسعد الكاتب أكثر من سعادته بإعجاب قارئ بما يكتب وسعيه للتعرف عليه وقد أسعدني حديث الأخ عبدالقادر صالح فدعق معي في الجوال عن إعجابه الكبير بمقالتي (عوض أحمد والطاؤوس) المنشورة في هذه الصفحة في العدد (4987) بتاريخ 11/1 ولم أكن أعرفه من قبل، فطلب أن نلتقي ووافقت دون تحديد موعد وفي اليوم التالي طلبت من عوض أحمد الذي أعطاه رقم جوالي أن يأخذني للقاء هذا القارئ الشغوف بما أكتب لأنعم أكثر بشعوري بالسعادة أو بالغرور أو بالاثنين معا.. لا أدري. وفي بيته بالتواهي فوجئت بوجود الفنانين علي سيود، ومحمد المسلي، وجعفر حسن، وأحمد نشطان بين الحضور، إذن فعبد القادر هذا عاشق للموسيقى والغناء.. أجهزة التسجيل المتطورة التي يمتلكها دلتني على حرصه على التوثيق الفني لكن ما أسعدني أكثر أن قارئي المعجب شاعر غنائي.

ودار بيننا الحديث.. فعرفت أن مسقط رأسه شبوة.. انتقلت أسرته للإقامة في كريتر بعدن وهو طفل في الثالثة من عمره.. فلعب في حواريها وتعلم في مدارسها وعشق جبالها وشمسها وشواطيها ثم شد الرحال إلى جدة بالمملكة العربية السعودية ومازال مغتربا فيها منذ نحو 23 عاما.. لم يحدثني عن سبب الهجرة ولم أسأله عنها، اللقاء الأول فرض بيننا مسافة.. لكن اللقاء بين الشاعر الغنائي والمهتم بالغناء اليمني بدد كل الحواجز واختصر كل المسافات بيننا.. على الرغم من أنه لم يتحدث كثيرا أو قليلا عن شعره وعن تجربته الشعرية، بل وفهمت دون أن يعلن أنه لا يرغب في الحضور الإعلامي وينأى عن دوائر الضوء في الصحف، لكني وجدت نفسي مدفوعا لأكتب عنه لسببين أولهما أنه جدير بأن يكتب عنه وثانيهما إحساسي بأن رغبته الحالية بالبقاء في الظل لن تدوم وإلا ما معنى أن يلحن الفنان الكبير محمد محسن عطروش أغنيتين من تأليفه ومثله فعل علي سيود وجعفر حسن.. فشاعرنا إذن يؤخر فقط موعد الإعلان عن دخوله ساحة الأغنية اليمنية.. وهو يهيء نفسه في هذه الفترة التي أتمنى ألا تطول ليدخلها بقوة، وفي شعره ما يؤكد مقدرته على دخوله القوي المنتظر ساحة الفن. وكم أتمنى ألا يزعل من تعجلي الإعلان عن بعض ملامح تجربته الإبداعية، وإنما يشفع لي أنه مبدع وأني أكتب عن المبدعين ومن حق القراء علينا جميعا التعرف على كل مبدع جديد ولو بقدر يسير، فوعدته أن أكتب عنه ما يشبه الخبر فكتبت عنه بتفصيل أكثر وكل ما أرجوه أن يلتمس عذرا لقلمي الثرثار.

وفي اللقاء استمعت لعلي سيود يغني أغنية جميلة من تلحينه وكلمات عبدالقادر فدعق، توازى فيها الجمال بين اللحن والكلمات.. وعلى قدر الجمال في الكلمة يأتي الجمال في اللحن.. حقيقة معروفة.. ثم غنى عوض أحمد أغنية أخرى جميلة من تلحين علي سيود ثم أطربني كثيرا بأغنية رقيقة الكلمات زاهية المعاني فيها فكرة حلوة وتجربة إنسانية عاطفية نجح الشاعر بذكاء فني وإحساس عميق أن يصنع للحب بين طرفين تاريخ في الوجدان وفي الذاكرة.. فالحب الحقيقي هو الذي يتحول إلى تاريخ أحداثه المشاعر الجياشة ولحظات الفرح والشك والغيرة والهجر، وهو تاريخ لايمحى من الوجدان وإن ادعى الشاعر العاشق عزمه على ذلك مكابرة وانتصارا لقلبه الجريح.. هذه الأغنية لحنها بعذوبة ورقة تطريب الفنان جعفر حسن.

إن اطلاعي على نصوص قليلة للشاعر الغنائي عبدالقادر فدعق لا يعطيني حق وصفه بالشاعر الكبير، ولكنني أجزم بأنه شاعر مطبوع، له مواضيعه المتسمة بالجدة والخصوصية الشاعرية والفكرة الحيوية في النص، فالنص الغنائي ذو الفكرة الناسجة لوحدته العضوية الفنية أصبح نادرا، كما أن له قاموسه من اللهجة العامية، إلا أنه يختار المفردة الوسطى والموحية والرافدة للمعنى، وتحار في تحديد تعريف لمفرداته هل هي عدنية أم شبوانية.. شبوة مسقط رأسه أم عدن حضن طفولته وملعب صباه وشواطئ صبواته الأولى.. لكنه صوت شعري خاص ومتميز وفي نصوصه تمتزج نسائم شبوة بنسائم عدن.. ولعل هذا ما يميز شعر وألحان وغناء مبدعينا في المهجر خصوصا الذين اضطروا إلى الغربة والاغتراب وعاشوا في المهجر سنين غير قليلة كشاعرنا عبدالقادر فدعق الذي غادر عدن وهو في الثامنة عشرة من عمره، إن ألسنتهم لا تتغير وتمسكهم بالتراث الموسيقي والغنائي اليمني لا يتراخى وإنما يزدادون شغفا به وعشقا له ويغدو انتماؤهم له انتماء لليمن رغم زحمة المؤثرات الفنية في دول الجزيرة والخليج العربي، فالفن وحده هو الرداء الواقي للانتماء للوطن وليس أدل على تجدد هذا الانتماء وسريانه في الدم من حالة شاعرنا الغنائي عبدالقادر فدعق الذي كتب نصوصه الغنائية ليلحنها ويغنيها فنانون يمنيون لعلمه أنهم وحدهم أقدر على ترجمة مشاعره المنتمية لليمن في أغنيات جميلة، فإلى جانب من ذكرت هناك تعاون فني يتم الإعداد له والاتفاق بشأنه بينه وبين كل من الفنانين عبدالكريم توفيق، نائف عوض، رويدا عوض، عبدالرحمن الأخفش، والفنان اليمني المغترب في السعودية ناصر فدعق في خمسة أعمال تم تسجيلها وبانتظار أن تنزل إلى الأسواق قريبا، كما أن هناك تواصلا بينه وبين عبود خواجة قد يسفر عن تعاون فني متوقع بين الاثنين، علما أن أول من غنى له هو الفنان القدير هود العيدروس.

أخيرا أشكر الفنان القدير عوض أحمد على تهيئة لقائي بشاعرنا وإهدائه «الأيام» صورته المنشورة مع هذه المقالة وهو الأمر الثاني الذي أرجو ألا يزعل بسببه شاعرنا الغنائي الجميل عبدالقادر فدعق أحد مبدعينا المغتربين المنتمين إبداعيا لتراثنا الغنائي الأصيل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى