المقالح في«كتاب القرية» (1)

> «الأيام» عبده يحيى الذباني:

> (كتاب القرية) ديوان شعر للدكتور عبدالعزيز المقالح صدر في عام 2004م، يعد هذا الديوان الفريد من أنضج ما كتب الشاعر وإضافة حقيقية إلى الرصيد الشعري اليمني والعربي والعالمي لاسيما أنه ترجمه إلى اللغة الفرنسية ونشرت الترجمة في الكتاب نفسه.

لوحات الديوان السبع والسبعون تدور كلها في عالم القرية الفطري الجميل وهي تجارب عاشها الشاعر وتخيلها، عسكت صورة القرية في شكلها وروحها كما هي في نفس الشاعر.. قرية يمنية لها خصوصيتها وجغرافيتها وتاريخها ولكنها تبقى قرية شعرية بما تنطوي عليه من حقائق أو مضامين عميقة لأن الشعر ليس وثائق جغرافية أو تاريخية أو اجتماعية.. أجل إنها قرية المقالح الشاعر التي عاش فيها ربيع العمر (الطفولة) حتى وإن انتسم ذلك الربيع المقالحي بأعاصير الشتاء واصفرار أوراق الخريف كما قال هو في كتابه (ثرثرات في شتاء الأدب العربي):

هذه القرية الصغيرة

الواقعة بين الأرض والسماء

في فضاءات من البهاء

المفتوحة على وديان واسعة

هي المدخل إلى وادي بنا المشهور

في المدونات

وفي القصائد المغناة

إذا فنحن أمام تجارب منغمة عن قرية ذات وجود حقيقي وليس عن القرية من حيث سماتها العامة المشتركة أي القرية كجنس مكاني إذا جاز التعبير.

وليسمح لي المقالح العزيز عبدالعزيز أن أجدف في هذا البحر الفني الخضم الذي تعددت روافده وتنوعت ما وسعني التجديف في هذا المقام الضيق، لقد قال هو نفسه عندما قدم لديوان البردوني متسائلا كيف للساقية أن تقدم النهر؟ وها أنا أقول متأثرا به: كيف لنا أن نحصر البحر في زاوية؟

ولابأس فقد تتلمذنا على شعر المقالح ونقده وكتبه كافة ونحن طلاب في الثانوية وبدأنا نمارس الكتابة الشعرية بازغين من أفقه هو ونجرب الدراسة الأدبية في شعره هو مأخوذين في كتابته الأدبية والنقدية كأنما ننطلق إليه منه فكان أول ما كتبته في سني الدراسة الجامعية الأولى مقالات أدبية من مثل (الرمز والأسطورة في شعر المقالح) و(مسحة الحزن في شعر المقالح) قبل أكثر من عشرين عاما.. أجل إنه (المقالح) أستاذنا الأول في الأدب وفي الكلمة الأدبية الوطنية العاشقة المناضلة تلك الكلمة التي اقتبسها المقالح من جذوة أبي الأحرار محمد محمود الزبيري فأضاف إليها وجدد ونوع فيها ولونها بدمه وبعصره لاسيما وقد دخل طفلا سجن حجة الإمامي الرهيب باحثا عن أبيه المناضل السجين ومن ثم رأى بعينيه الصغيرتين ما خلفه تتار اليمن على وجه صنعاء من دمار بعد سقوط حركة 1948م الشهيدة.

الشاعر في كتاب القرية وصل إلى قمة قدرته المعهودة على خلق العلاقة الحميمة بالأشياء، علاقة شعورية فلسفية عميقة ومن ثم القدرة على تحويل هذه العلاقة إلى نسيج شعري فريد بينما يبدو كثير من هذه الأشياء أن ليس لها علاقة بالشعر وأنها لا توحي به ومن هنا يأتي تفرد الشاعر الذي باتت علاقته بالعالم علاقة شعرية شعورية بامتياز، لقد ذكرتنا دواوينه الأخيرة بديوان عابر سبيل لعباس محمود العقاد بيد أن هذا الأخير كان منظرا وناقدا في شعره، بينما كان المقالح شاعرا فيلسوفا.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى