معلم بـ(معوز) و(شبشب)!!

> م. علي أحمد حسن:

> العلم والتعليم هو الرأسمال الحقيقي للأوطان والشعوب.. إنه الركن الأساسي الذي يقوم عليه بناء المجتمعات ونهوضها، والنور الذي تسترشد به المساعي الإنسانية نحو التطور، وهو الشعلة التي تنير الطريق للشعوب والطاقة التي تمكنها من تحقيق الإنجازات واحترام الذات والنجاح على الصعيد الفردي والعائلي وعلى صعيد الأمة بشكل عام.

وإذا تأملنا حال ووضع التعليم في بلادنا سنجده قد شهد تدهوراً وانحداراً في السنوات الماضية، حتى وصل إلى درجة تثير الأسى والحسرة في النفس، وتبعث الخوف على مستقبل أجيالنا الحالية والقادمة، خاصة في ظل المستوى المتدني جداً للمعلم، وهو الركيزة الأساسية في العملية التعليمية. وباستعراض سريع لقطاع التربية والتعليم خلال بعض المراحل التي عاصرناها يمكن أن نستخلص الآتي:

أولاً: في زماننا، أي في بداية الستينيات عندما كنا طلاباً، كان الأساتذة الأفاضل قدوة في كل شيء: في الجوهر والمظهر والاستقامة وحسن الخلق.. كانوا بالنسبة لنا شوامخ عالية.. ودافعاً للتفوق والتنافس في التحصيل العلمي وفي نظافة البدن والملبس والمظهر العام.. كنا نحاول أن نقلدهم في كل شيء، وكل واحد منا قدوته الأستاذ (فلان) ويتمنى أن يصبح مثله مستقبلاً. وأذكر من معلمينا الأفاضل حينها الأساتذة الأجلاء: محمد حسين ناجي، طيب الله ثراه، وحسين عبدربه علوي، أطال الله عمره، ومحمد علي هيثم، رحمه الله، وأحمد صالح العيسي، رحمه الله، وعلي صالح غرامة، رحمه الله، ومحمد صالح القطيش، أطال الله عمره، وصالح عمر الجفري، أطال الله عمره، وعربي عبدالقادر، أطال الله عمره، وغيرهم كثر من المعلمين، القدوة والمثل، لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً. وكان لباسنا نحن الطلاب، يومئذ، موحداً (السروال الكاكي القصير، القميص الأبيض والحذاء والجوارب البيضاء) مع الحفاظ على النظافة والمظهر العام اللائق، وإلا فإن أي مخالف سيعود من الطابور الصباحي فوراً على منزله حتى يأتي ولي أمره إلى المدرسة، وكنا نتبارى في التحصيل والمعرفة، بتشجيع وحث من معلمينا الأفاضل، ونقرأ ما يقع بين أيدينا من الكتب والمجلات المفيدة في شتى العلوم والمعارف، ونجل ونحترم أساتذتنا كثيراً ونقوم بما يطلبونه منا على أكمل وجه.. هكذا كنا حتى نلنا الاستقلال (في الجنوب سابقاً) عام 1967م.. وأنا هنا أتحدث عن مدرسة ريفية في مديرية لودر وليس في عاصمة ومدينة رئيسية مثل عدن.

ثانياً: جاءت مرحلة السبعينات وبدأت الأحداث تتغير، وأصبح الطالب منشغلاً بالأمور السياسية على حساب العملية التعليمية ويشارك في المسيرات الشعبية وترديد الشعارات ويناقش في الاشتراكية والأممية ومرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وحتى الشيوعية وقراءة الكتب الاشتراكية وحفظ ما استطاع منها ليتمكن من منازلة أقرانه في (أشيد وأخواتها).. ومع ذلك فالأمانة تقتضي أن نقول إنه كان هناك تعليم ونظام دقيق متبع في المدارس التي حصل توسع كبير في بنائها في الأرياف والمدن، وابتعاث أعداد كبيرة من الطلاب في شتى التخصصات إلى البلدان الاشتراكية، حيث تخرج الكثيرون منها وشغلوا مناصب رفيعة في أجهزة الدولة المختلفة، لكن أحداث 13 يناير 1986م حصدت العديد منهم في الصراع بين القبائل الاشتراكية!!

ثالثاً: في مرحلة التسعينات وبعد توحيد شطري اليمن، شُيدت كثير من المدارس في الأرياف والقرى على أحدث طراز معماري وكثير منها جهزت تجهيزاً جيداً، كما شيدت الجامعات في معظم المحافظات وازداد عدد الطلاب في جميع المراحل الدراسية وكذا ازداد عدد المعلمين (كما لا كيفاً) وبالمقابل زادت وطغت العشوائية والمحسوبية، والقبلية والشللية في توظيف المعلمين دونما اعتبار للمستوى واختيار المعلم المناسب في المكان المناسب، بل إن البعض قد اشتروا الوظيفة بالمال (نقداً) وترتب على ذلك (أن المعلم الأحول لا يمكن أن ينتج إلا طلبة عمياناً) فتدنت مستويات الطلاب في المراحل الأساسية.. فهل يعقل ونحن في القرن الـ(21) عصر العلم والتكنولوجيا وشبكات الانترنت أن يأتي المعلمون إلى المدرسة، بمظهر لا يليق بمقام الرسالة التي يؤدونها، على الأقل من حيث الشكل إذا لم يوجد المضمون.. منهم من يلبس (المعوز) والقميص و(الشباشب) وآخر يلبس (فوطة) وقميص و(صندل) وثالث يرتدي الثوب العربي الذي لا يعرف (الغسيل) ولا (الكي)، وترى أحدهم حليق اللحية والشوارب.. والآخر مطلق العنان للحية كثة، لا تعرف التهذيب والتشذيب وربما تعشش فيها أشياء أخرى!!

وإذا كان هذا حال المعلمين، فكيف يمكن أن يكون حال الطلاب؟! وهل يستطيع المعلم أن يطلب من الطالب الالتزام بشيء؟! الطالب اليوم، في عصر الثورة المعلوماتية، عمّ يتحدث؟! في السبعينات كان يتحدث عن موضوع مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية. أما اليوم فإنه يتحدث عن العصبية القبلية والتماسك القبلي والوقوف مع القبيلة ضد الأخرى حتى على الخطأ.. وهكذا عدنا ثمانين سنة إلى الخلف وأصبح حديث الطالب مع زميله عن القبيلة (الفلانية) وكم قتلت من القبيلة الأخرى، إلخ.. وما أن يخرج من الفصل ويعود إلى البيت حتى يأخذ السلاح ويتمنطق به- هذا إذا لم يتمنطق بالسلاح في المدرسة- كي يثبت للآخرين ما يعنيه، أما المراجعة والاستعداد لليوم الدراسي التالي فالعوض على الله، بل إن البعض ترك الدراسة وأصبح من جليسي المعلمين في مقايل القات!!

رأينا في بلدان الاغتراب المجاورة تقدماً مستمراً ونظاماً ثابتاً في سير العملية التعليمية، ورأينا أن الزيارات المفاجئة من قبل الوزير ووكلائه تؤتي ثمارها وأن متابعة القوانين التي تصدرها الوزارة واتباع مبدأ الثواب والعقاب هو الحل الأمثل لسير وتقدم العملية التعليمية برمتها.

ما كتبته في هذه العجالة ينطبق على ما لاحظته في بعض مديريات أبين والبيضاء كمغترب يزور بلده من وقت إلى آخر، وليس الغرض منه النقد من أجل النقد كما قد يفهم بعض الناس.

ولكن من منطق الحرص على بلدي التي أريد أن أراها جميلة في كل شيء وفي كل زيارة.. والله من وراء القصد.

دبي - الإمارات العربية المتحدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى