> عبدالقادر باراس:

عبدالقادر باراس
عبدالقادر باراس
أينما امتد بصرنا على اتساع اتجاهاته المترامية لأرضنا، لا نجد إشراقة أمل في الوقت القريب مهما حاولنا عبثاً العثور عليها، حيث سلبت ابتساماتنا وانتزع انتماؤنا لها، ونموت مرات ومرات ونحن أحياء لما نعانيه من جراء ما نتلقاه من جرعات موجعة وبواقع مرير، مراراته قاسية.

فمن التهميش وضياع أبسط مقومات نحتاجها إلى تفشي كافة صور الفساد الذي تحول إلى أسلوب إدارة منظم، أصبحت سحنات وجوهنا بائسة لا لون لها، ويومياتنا تمر بسلسلات درامية من نهب وسطو وتهريب وتزوير ورشاوى، وحسرة شباب متعثر وبطالة مستفحلة تنذر بمستقبل كارثي، وأناس يتسولون الحياة على أرصفة الفقر والعوز والفاقة بأيادٍ مستعطية رغم ما يكمن تحت أقدامهم من ثروات، نسمع من خلالها أنين الجياع واستغاثات وتظلمات.

كل ذلك لم نحرك له ساكنا لأن رمالنا باتت في مكانها دون أن نحركها، ولم نعد ننتج ونصدر سوى البؤس والقهر، فواقعنا يشعرنا بأن أحلامنا لم تعد مجرد كوابيس محلقة بدياجير الظلام، بل تنساق بأحلام يقظة مخيفة ومفزعة.

فكل ما لمسناه ونلمسه لم يتعد الأمر إلا في توزيع كلام نصفه للاستهلاك لدغدغة مشاعرنا في وقت أصم الجميع آذانهم حتى لا يسمعوا، لأن خطباءنا ومنظرينا قد غطوا أعينهم كي لا يروا حقائق الأرض المشحونة بحالة من التذمر الجماعي، ونصفه الآخر سخر للتصدير لطمأنة الرأسمال الاجنبي، وأقاويل تلقى في محافل الورش والندوات والمؤتمرات تدوي في أسماعنا عن دروس ومفاهيم حب الوطن الذي جعلوه كحبة «بندول» نبتلعها بلا ماء، فالوعود ببناء دولة النظام والقانون تلقى حتفها في بيئة العنجهية والتكابر وعدم إنصاف المظلوم وتكريس مظاهر «الكانتونات» لهيمنة القبلية والمناطقية، والكيل بمعيارين لتصبح قماماتنا زاخرة بثقافة الفساد وصور المفسدين القبيحة.

نتابع يومياً مشاهد واقعنا نفسها بالحركة البطيئة فنجد أن حالنا أشبه ما يكون بكرة ثلج.. نعم بكرة ثلج بدأت تلتهب وتتهيأ بالتدحرج لترتطم بأجسادنا المتهالكة. ماذا بقي لنا؟!.. طالما نحن في حاضرنا ومستقبلنا غير قادرين على إظهار نوايانا في إصلاح ما ينبغي إصلاحه، فهل تمسي لغة التسوّل عنواناً لحياتنا؟!