عدن فوّاز طرابلسي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
وعود عدن - رحلات يمنية، كتيّب يوسّع بالأدب وطرائقه، والشاعرية وتجنيحها، والقصّ وشخصياته المفعمة بالحياة، ما تقزّمه السياسة بتجهمها وتعاليها التنظيري وجفافها المعرفي الذي يشرب من عين حمئة، وقد أمكن لفواز طرابلسي الأستاذ الجامعي اللبناني والمؤلف والمترجم المرموق، أن يجسد عبر هذا الأسلوب الذي ليس اختياراً على كل حال، وإنما إفراز طبيعي لشخصيته وثقافته الموسوعية وللرهافة الإنسانية التي يتلمسها من يعرفه ومن يقرؤه.

يقص فواز دون تعليق مشهداً التقى فيه قبطان باخرة إنجليزية كانت راسية في ميناء عدن بصالح مصلح قاسم، وزير الدفاع في السبعينيات صدفة في أحد المطاعم، وكان الإنجليزي يترنح ويراقص نفسه بعد أن عجز عن إيجاد من تراقصه، وقد أتى إلى طاولتهم وسأل صالح الذي كان يرتدي بزته العسكرية، هل أنت ضابط؟ بل وزير الدفاع. انتصب الإنجليزي مؤدياً التحية العسكرية، ثم وجّه السؤال بعد أن قدم نفسه: هل من العدل أن يسمح لنا بإجازة على اليابسة حتى الحادية عشرة والنصف فقط؟ الوزير: لا تهتم.. تعود متى تشاء. مرة أخرى: هل من العدل أن تكون إجازتنا قصيرة إلى هذا الحد؟ لو زرتم بلادنا هل نفرض عليكم مثل هذه القيود. الوزير: هل زرت عدن من قبل؟ أكيد.. وقد قضيت فيها سنتين أعمل كمرشد سفن في ميناء عدن.

من الصعب أن يجد الإنسان نفسه في البحر الذي كان ملكه والبر الذي يرتاده متى شاء مقيداً ومحجوراً عليه دون أن يفقه المعنى، وقد ظل القبطان حتى وقت متأخر وعاد مع الوزير بسيارته ليُسمح له بالعودة إلى باخرته. الميناء دار ضيافة وكذلك المطار ونقاط الحدود وينبغي أن يتأصل هذا المعنى، فإذا كنت متجهماً ومتشككاً متشفيا فلا تستغرب إذا هجر الناس دار ضيافتك وأعطوا دعواتك لهم آذاناً من طين وأخرى من عجين.

تحت عنوان «جلسة قات مع علي بن الفضل» يبدع فواز منحوتة أدبية تصويرية وصفية مغناة ومعطرة بالفل والكادي وأنسام الحسيني وهي مهداة إلى سالم صالح محمد: «في البدء كان القات.. يسمونه المبرز، ويسمونه المقيل أيضاً. الغرفة مكتظة عابقة بالحر ودخان السجائر وبقايا روائح البخور. وكل أشياء الطقس جاهزة: المداع، المزغول، الماء البارد المبخر. النوافذ مقفلة وأجهزة التبريد والمراوح متوقفة حتى يأخذ المفعول كل مداه، والقوم متأزّرون بالفوط، يتحادثون بطريقة فوضوية، والمغني يدندن على عوده. جاحظة عيون القوم والأوداج منتفخة، والكوفيات اليمانية (يقصد المشدّات) ملتمة على النبتة السحرية تحافظ على نداوتها.»

هذه هي العين التي لم تفقد الدهشة بحكم الألفة، إنها تسجل وترسم وتتأكد من أنها لم تفرط في التفاصيل، مثلها مثل عيون الأطفال الذين يسحرهم ويستولي على انتباهم أي جديد قد لا تقع عليه عيون الكبار أبدا.

يتماهى النص بين رحلة القات وتهويم المتقوتين وبين مسيرة علي بن الفضل من خنفر إلى لحج فالمذيخرة فصنعاء فالتهايم، مع تهويمات باتجاه الصوفي أبو زربين المتهم أو المشرّف بإدخال نبتة القات إلى اليمن - سيّان-«قد نحن وسط المكريب.. مرة نضحك وعشر مرات نبكي».

ويستمر فواز بلطافة «ولا بد من أن يتبرع أحدهم في كل جلسة فيشرح مضار القات، وهو في العادة من المتعاطين المتحمسين، فيعترض عليه معترض».. أليست (البسّة) تحب خناقها؟.«وعن منافع القات قال الصوفي أحمد عجيل.. وسوف تفهم أشياء عجيبة وترى مجد الخالق».

ثم يأتي المغني «من لحظك النعسان والقد الرشيق.. من صدرك الميدان والخصر الحريق.. يسري الهوى يا زهرة الغصن الوريق».

يختم «هي طلقات الندى، وعدن المبتدى، ولكن صنعاء هي الخبر، ومنها سوف يأتيك الخبر اليقين».. وللموضوع صلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى