رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الولادة والنشأة .. أنجب المرحوم فارع سالم الشيباني ثلاثة أولاد هم: عبدالرحمن فارع سالم ، 2- علي فارع سالم، 3- محمد فارع الشيباني. أصبح الثلاثة من الشخصيات المعروفة في المجتمع انتقل اثنان منهم إلى رحمة ربهما وبقي منهم زميلنا محمد فارع الشيباني، أمده الله بالصحة وطول العمر.

الفقيد عبدالرحمن فارع سالم من مواليد عدن عام 1936م وفيها تلقى مراحل تعليمه العام وهنا يقول أحد أصدقاء عمره وهو الأستاذ أنور خالد: «عرفته صديقا وفيا منذ الطفولة.. وكان زميلا في المدرسة من عائلة فقيرة، ورغم الفاقة واصل دراسته بالكاد».

عبدالرحمن فارع وتجربة مبكرة في السعودية
خرج عبدالرحمن فارع بمؤهل ثانوي إلى سوق العمل عام 1952م وشهدت عدن آنذاك هجرة عمل منظمة إلى صلالة بسلطنة عمان وإلى المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية وتحديدا في الدمام ورأس تنورة، وكان الترحيل إلى السعودية عبر مكتب بارحيم بعدن، وكان عبدالرحمن فارع واحدا ممن منحوا فرصة عمل هناك وهنا تبرز شهادة (ابو هشام) في كتاب تأبين الفقيد عبدالرحمن فارع(ص52) حيث ورد في صدر الشهادة: «ساهم (أي عبدالرحمن) مع ناصر السعيد وبعض قيادات يمنية شابة في تنظيم وقيادة أول إضرابات عمالية منظمة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية في نوفمبر 1953م، وقد أضرب عمال وموظفو الشركة العربية الأمريكية (ارامكو) وقد شمل الإضراب ثلاث مناطق صناعية تابعة لشركة ارامكو (مثلث الارامكو): ابقيق مدينة حقول النفط والظهران المقر الرئيسي للشركة ومنطقة رأس تنورة ميناء ضخ النفط والمصفاة الوحيدة آنذاك في العربية السعودية».

دخل المتظاهرون في احتكاك مع قوات الأمن وتدخل الجيش الذي كان مرابطا في مدينة الخرج بالقرب من مدينة الرياض وألقي القبض على معظم القيادات وفي مقدمتهم عبدالرحمن فارع الذي أودع سجن الظهران ثم نقل إلى سجن الدمام الكبير تمهيدا لتسفيره إلى عدن عبر البحرين (مصدر سابق).

عبدالرحمن في شهادة الطيطي، الشخصية الوطنية والنقابية
جاء في شهادة الاخ محمد عبدالله الطيطي، الشخصية الوطنية والنقابية المعروفة (ص 34): «ولدت والفقيد في عامين متقاربين فكان فقيدنا الراحل من مواليد عام 1936م وكنت أنا من مواليد 1938م وبدأت حياتي العملية في البنك منذ عام 1956م، وبدأ الفقيد العمل في شركة أ. بس. المحدودة (A.BESS CO. LTD) وكان موقع العمل بجانب شركة الفيات.

كان هناك (جاراج) كبير لصهاريج النفط المقطورة التابعة لشركة شل (المبنى المستخدم حاليا من قبل فرع شركة النفط اليمنية بعدن) كان الفقيد هو المسؤول الأول عن هذا الجاراج الكبير الذي كانت صهاريج النفط المقطورة ترابط فيه. كان الفقيد يؤدي عمل من غاب من العاملين حتى لا يتعرض أجره للاستقطاع وكنت على اتصال دائم معه في هذا الجاراج».

ويمضي المناضل الطيطي في شهادته عن مناقب الفقيد عبدالرحمن فارع، فيشير إلى اللقاءات التي ضمت بشراً من مختلف الأشتات في منطقة دارسعد خلال فترة منع القات في مستعمرة عدن 57/1958م وكانت فترة زخم وطني حافل بالنقاشات ونعته الطيطي بالقول: «وكان فقيدنا الراحل عبدالرحمن فارع الدينامو المحرك للنقاشات بين المتواجدين».

وكلمة حق قالها المناضل الوطني علي صالح بيضاني
الشخصية الوطنية والاجتماعية المعروفة علي صالح بيضاني قدم عرضا مركزا ومقتضبا عن الفقيد (ص 39 )عن محطات الفقيد وعلاقته التي امتدت به قرابة 35 عاما منذ منتصف الخمسينات، والتي بدأت من خلال لقاءات مع آخرين في حارة حسين (أحد أحياء كريتر العريقة) وسادت تلك اللقاءات حلقات نقاشية في العمل السياسي والوطني والنقابي والثقافي.

تحدث البيضاني عن تجربة عبدالرحمن فارع في ممارسة النشاط النقابي في شركة أ.بس. المحدودة، وكان من أبرز عناصره آنذاك الشهيد محمد ناصر محمد (والد أيمن محمد ناصر، رئيس تحرير «الطريق»)، وعن مبادرته بشراء السلاح وتصنيع المفرقعات من مادة (تي.إن.تي (TNTوقام بتجربتها مع رفاقه خلف جبل (ابو الوادي)، بين الجبال والبحر (من أجمل المتنفسات التي كان سكان عدن يرتادونه وأصبح حاليا في حكم المحظور على السكان) والتي نجحت نجاحا كبيرا ومن أبرز العمليات التي نفذها عبدالرحمن فارع عام 1961م بالقنابل المحلية الصنع استهدفت معسكر (سيدا سيرلاين) بخورمكسر والذي وصفته «فتاة الجزيرة» و«ايدن كرونيكل»، بأنها أجرأ عملية فدائية في منطقة تحول الليل فيها إلى نهار.

يضيف البيضاني في شهادته: «وفي أواخر عام 1962م بدأت الجبهة الناصرية تجدد نشاطها مع ثورة 26 سبتمبر وبمبادرة ذاتية ومع ضباط من جيش سبتمبر في لواء (إب) منهم القائد العسكري الكبسي، كان عبدالرحمن فارع أحد الأربعة الاوائل المختارين للتدريب على السلاح الحديث».

وماذا في جعبة الأستاذ أبوبكر شفيق؟
الأستاذ أبوبكر علي شفيق، أطال الله عمره ومتعه بالصحة، أحد رموز العمل الوطني والرياضي البارزين وأول محافظ لعدن بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م قدم شهادته للتاريخ (راجع وثائق ندوة الثورة اليمنية ، الانطلاقة التطور آفاق المستقبل، الجزء الثالث ص 37 ) وعرض تجربته في العمل الوطني بقلب وعقل مفتوحين عندما كان ضمن مجموعة الجبهة الناصرية أو التنظيم الناصري أو ما كانت تسميته أحيانا باسم (منظمة الشباب العربي) أو (حركة الطليعة العربية الاسلامية) تغييرا للاسماء وتغييرا للارقام وأنواع الحروف المطبعية وكان ذلك من منطلق احترازي قانوني وبناء على نصيحة من أحد العناصر المناضلة المتعاونة.

يمضي الأستاذ أبوبكر شفيق في شهادته بأن من أبرز مؤسسي التنظيم الناصري في عدن : أبوبكر شفيق (أو كما قال إضافة إلى هذا الكهل)، وعبدالرحمن فارع وسعيد عمر العكبري وأحمد هبة الله علي ومحمد علي ومحمد أحمد باشماخ «وكان من عناصرنا الفاعلة الشهيد خالد عبدالله قاسم (خالد هندي)، وممن كانوا على مقربة منا ويكونون رديفا مناصرا وفاعلا في بعض المهمات الفقيد علي والشيخ سعيد العراقي وعلي صالح بيضاني ومحمد عبدالله طيطي وعبدالله أحمد الحمزي وصلاح الدين عبدالرحمن دبعي وأسعد بن أسعد طاهر وحسين شيخ عزيبي وعبدالله بن عبدالله حسين وعبده شعيبي وخالد أحمد سعيد مفلحي، وكنا على علاقة حميمة وتفاهم مع قيادات وطنية كمثل الأخ عبدالله عبدالمجيد الأصنج وعبدالله علي عبيد وعبده خليل سليمان ومحمد سالم باوزير وعلي أحمد ناصر السلامي وسيف أحمد الضالعي ومحمد سالم باسندوة، كما تعاون معنا كل من الإخوة عبدالقادر الفردي والطبيبان سالم عبدالخالق السعدي وخالد علي قاسم القصاب ومن المتعاونين معنا عبده خليدي».

الناصري عبدالرحمن فارع في الجبهة القومية
كان عبدالرحمن فارع سالم أحد مؤسسي (منظمة الشباب العربي) التي عقدت اجتماعها التأسيسي في الرابعة من عصر السبت 13 أبريل 1963م في فندق احسان الله بكريتر، وفي 6 مايو من نفس العام عقدت المنظمة اجتماعا لها في مقر نادي الإصلاح العربي بالتواهي لإقرار دستور المنظمة (راجع مجلة «الإكليل» عدد صيف 1988م - الهيئات الشعبية اليمنية - القسم الرابع: علوي عبدالله طاهر) وسبق أن أشرنا سلفا على لسان الأستاذ أبوبكر شفيق أنهم كانوا ضمن مجموعة الجبهة الناصرية أو التنظيم الناصري أوما كانت تسيمته أحيانا باسم منظمة الشباب العربي، وقد كان عبدالرحمن فارع من ناشطيها السياسيين والعسكريين.

تأسست الجبهة القومية في 19 أغسطس 1963م بمدينة تعز، وتشكلت من حركة القوميين العرب والجبهة الناصرية وجبهة الإصلاح اليافعية والقطاع السري للضباط الأحرار وتشكيل القبائل والمنظمة الثورية لأحرار جنوب اليمن المحتل والجبهة الوطنية وتم الإعلان عنها في 14 أكتوبر 1963م باستشهاد الشيخ راجح بن غالب لبوزة وكانت الشرارة الأولى للكفاح المسلح المنظم رغم إجراء العديد من العمليات العسكرية في عدن، وكان عبدالرحمن فارع من ضمن المشاركين بتنفيذها.

عبدالرحمن فارع من الاعتقال إلى مواصلة النضال
برزت مشاركات عبدالرحمن فارع في مساقات مختلفة فقد كان من المشاركين بفعالية في المسيرات والمظاهرات الكبرى منها ما عرف بالزحف على المجلس التشريعي في 24 سبتمبر 1962م بصرف النظر عن الجهة التي نظمت الجماهير في ذلك اليوم وكان عبدالرحمن فارع من الناشطين البارزين في العمل الفدائي، إلا أن السلطات البريطانية اعتقلته عام 1964م مع الرعيل الأول من مناضلي الجبهة القومية، ووقّع وهو رهن الاعتقال مع عدد من رفاقه في 9 يوليو 1966م على بيان رفضوا فيه اتفاقية دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير وعرف الإطار الجديد لجبهة التحرير اعتبارا من 13 يناير 1966م.

بعد خروجه عام 1966م من المعتقل السياسي انضم إلى مجاميع الجبهة القومية الرافضة للدمج ونشط عبدالرحمن فارع عسكريا في إسقاط كريتر في 20 يونيو 1967م وكان مسؤولا عسكريا عن كريتر بأوامر قيادة الجبهة القومية وكلف بعد ذلك بتحمل مهام القائد العسكري لمنطقة المعلا وحي الثورة (القلوعة) حتى قرب الاستقلال( شهادة علي صالح بيضاني في كتاب تأبين الفقيد ص 42).

سنوات ما بعد الاستقلال وعبدالرحمن فارع لا يستقر على حال
عاش عبدالرحمن فارع 17 عاما بين تاريخ نيل المحافظات الجنوبية استقلالها في 30 نوفمبر 1967م وتاريخ وفاته في 15 يناير 1985م، وهي الفترة التي تنقل فيها من وظيفة إلى أخرى، وشملت أيضا سنوات صراعه مع المرض الذي انتهى باستسلامه ويتضح أن الصرع كان صراعين مع الرفاق والمرض.

عمل عبدالرحمن فارع سكرتيرا للمحافظة الاولى (عدن) ثم سكرتيرا للمحافظة الرابعة (شبوة) ثم مأمورا لمديرية بيحان ومسؤولها التنظيمي، وصدر قرار بعودته إلى عدن حيث نقل إلى مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والتوزيع ومنها انتقل إلى وزارة الصحة في قسم رعاية الأمومة والطفولة، وهناك يقول صديق عمره أنور خالد (كتاب تأبين الفقيد ص 26): «فقد حاول طوال السنين الأخيرة من حياته لتدبير علاج بنت له أصابها مرض عضال منذ طفولتها ولكن دن جدوى وأخيرا ألم به المرض العضال فقاومه بصمت وإباء حتى أنه لم يبح به لأقرب أصدقائه وقبل أن يتدبر العلاج صرعته المنية».

القاضي محمود أحمد الحمزي وجلسة الوداع في مبرز دربش
كان تعاطي القات مسموحا به في المحافظات الجنوبية يومي الخميس والجمعة وأيام المناسبات الدينية والوطنية والعامة، وصادف يوم الثلاثاء 1 يناير 1985 (عطلة عامة) أن التقى القاضي محمود أحمد الحمزي (وكان أيضا كاتبا مسرحيا) الفقيد عبدالرحمن فارع في مبرز صالح دربش في حارة القطيع بكريتر خلف البنك المركزي، وضم اللقاء بعض الأصدقاء منهم محمود أربد وعبدالله علي مرشد وعلي عيسى وحامد جامع وبدر عبده سعيد شيباني والمهندس حسين عبدالعزيز هايل وحسن نعاش ومحمد علي عزيم.

ورد في شهادة القاضي الحمزي (ص 63-65 من كتاب التأبين) أن المناضل عبدالرحمن فارع أشاد بجهد القاضي الحمزي ككاتب مسرحي والمخرج أربد وكان آخر عمل جمعهما (العلم نور) وكان مسلسلا من خمس حلقات مكرسة لحملة مكافحة الأمية، ثم انتقل الفقيد إلى نقطة أخرى وهي السوق السوداء التي تتاجر بالخضار والفواكه وقد جاء الفقيد عبدالرحمن فارع بنصوص قانونية من القانون البلدي الفصل 102 وتطرق إلى ضرورة اتخاذ التدابير القانونية لردع تلك الظاهرة التي تطال قوت الشعب.

لم يكن القاضي الحمزي يعلم أن منتصف يناير قد كان قاسما مشتركا بينهما، ففي يناير 1986م، استغل أحد ضعفاء النفوس من الحثالات خلافا شخصيا بينه وبين القاضي محمود الحمزي وأطلق عليه النار أمام بيته وأرداه قتيلا.

قائد الحزب والدولة ينعى الفقيد وأسرته ترد التعزية بأحسن منها
بعث الأخ علي ناصر محمد، الأمين العام للجنة المركزية رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى رئيس مجلس الوزراء ببرقية تعزية إلى أسرة الفقيد عبدالرحمن فارع أعرب فيها عن عميق الحزن بوفاة الرفيق المناضل عبدالرحمن فارع وعدد فيها مناقب وتضحيات الفقيد فداء للوطن وحريته واستقلاله. وردت أسرة الفقيد على التحية والتعزية بأحسن منها وأثنت فيها على مشاعره النبيلة وعاهدته أنها سائرة على درب فقيدها الغالي.

القرشي عبدالرحيم سلام وعبدالقادر أمين ينعيان الفقيد شعراً
ضم كتاب تأبين الفقيد العديد من كلمات النعي نثرا وشعرا وكان من ضمنها قصيدتان للشاعرين الوطنيين الكبيرين القرشي عبدالرحيم سلام وعبدالقادر أمين، فمن قصيدة القرشي «سلاما وليس وداعا» أقتطف:

صديقي العزيز

تعال نمارس بعض طقوس محبتنا

نستريح قليلا

نغني طويلا

ونبكي بغير دموع

ومن قصيدة عبدالقادر أمين «إلى الفقيد المناضل عبدالرحمن فارع شيباني» أقتطف:

ما أراد الحياة إلا رخاء

للجماهير واجتثاث الفساد

إن حزني عليك هيج شعري

ضاف جرحا إلى جراح فؤادي

عبدالرحمن فارع في رحاب الخالدين
انتقل المناضل الوطني عبدالرحمن فارع سالم إلى جوار ربه يوم الثلاثاء 15 يناير 1985م، وشيع جثمانه الطاهر بعد الصلاة عليه في جامع العسقلاني عصر اليوم نفسه، وترك وراءه سجلا نضاليا واجتماعيا حافلا وأرملة وأولاده: محمد وماهر ورشا وسهام ووفاء ومها وعصام وعصمت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى