من الأممية والعولمة إلى الطائفة والقبيلة

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
(قبائليتاريا) مفردة ساخرة لاذعة أطلقها الكاتب أمين هويدي تجاه احتراب الرفاق في الجنوب في حقبة الثمانينات من القرن الفائت باسم البروليتاريا، لا شيء في الوقت الحاضر تبدل سوى الشعارات والمفاهيم وقليل من الانحناء والمراوغة لطبيعة المرحلة الجديدة. على اعتبار أن الوقوف بوجه العاصفة بالأدوات والشعارات القديمة نفسها سيكون كارثياً ومأساوياً بلا شك، لذلك وكيما تحفظ النظم السياسية لذاتها البقاء على كرسي الحكم نفضت عن يديها كل ما خاضت من أجله الحروب الأهلية والقومية والإسلامية والأممية وبسرعة عجيبة غيرت الاسطوانة والشكل واللون فيما بقي الجوهر والعزف والخطاب هو ذاته، ولا يستسيغه غير الحكام. ففي الوقت الذي كثر فيه الحديث أو الجدل عن العولمة والأنسنة وحوار الحضارات وفق رؤية الرئيس الإيراني الأسبق المفكر محمد خاتمي بدلاً عن صراع الحضارات مثلما هي فكرة صموئيل همينتغون الأمريكي والقائلة بصراع الحضارة الغربية والإسلام والكونفوشيوسيه من جهة ثانية كانت الممارسة على الواقع المعاش تؤكد بصراع آخر وطني لا صلة له البتة بالمفاهيم والشعارات العولمية الكبيرة و الصعبة الحمل بل يمكن القول إنه طائفي وقبلي ومناطقي.

لعقد ونيف من زمن ما بعد سقوط الشيوعية ونحن في معركة تلو الأخرى تارة بالسلاح الحربي وفي الأغلب بمعركة سفسطائية لا تنتهي في سبيل دحض فكرة خطها المفكر الأمريكي في إحدى المطبوعات عام 93م أو أننا منشغلون لإثبات براءة النظم السياسية مما حصل لنا من ويلات ومآسٍ ومما سيحصل من اضطهاد وانتهاك لحق الجميع في وطن آخر محوره الأساسي الانسان وغايته المنشودة المساواة والعدل والتنمية والحرية، منذ برزت فكرة الصراع الحضاري وجل الاهتمام والتركيز ينصب في المحاولات لإثبات العكس ولو من الناحية النظرية المؤيدة بإمكانية الحوار والتلاقح الثقافي والحضاري تحت سماء العولمة لا أحد يكترث لماهية الحوار أو الاندماج والتعايش المطلوب لنا كمجتمعات أنهكتها الحروب الأهلية والصراعات الدموية من أجل الحكم والاستئثار به، لم تلفت النظم السياسية لماهية الاحتقان والصراع الداخلي الناتج عن الإقصاء والتهميش وغياب المشاركة في الحكم والثروة والوجود.

كل الذي أهملناه أو تجاوزناه أثناء الحديث عن التعايش والتسامح والحوار بين البشر والأديان والثقافات، أطل من ثنايا الواقع بقبحه وعنفوانه وكلمه الموجعة، الماضي والحاضر اللذين أغفلا الحقبة بالحديث عن القومية والأممية والأسلمة والأنسنة هما الآن من أكثر القضايا إيلاماً وبروزاً وجدالاً، إذ إن الطائفة والقبيلة والسلالة والمنطقة حديث اللحظة والساعة وربما التحدي القادم الذي يستلزم منا الحوار والتسامح والتعايش، وإنه لمن المؤسف مشاهدة لبنان والعراق وهما البلدان اللذان حملا على كاهلهما لنصف قرن راية القومية والاشتراكية التقدمية بهذا الانحدار والسقوط لقاع الطائفية والسلالية والمناطقية وكذلك اليمن ومصر وسوريا ودول عربية وإسلامية عدة والتي مافتئت رافعة شعارات الحداثة والعولمة وإذا بها تهوي إلى الطائفة والسلالة العرقية التي كانت أوروبا قد تجاوزتها قبل أربعة قرون وأكثر بمعاهدة (وستفاليا) سنة 1684م بعد وقفها لعشرات السنين من الفظائع الناجمة عن الخلافات الدينية بين الطوائف بسبب عقيدة التثليث وها نحن نكتشف حقيقة واقعنا المتخلف الذي تجاوزناه كثيراً بالحديث عن الأممية والقومية وحوار الحضارات والأديان وغيرها، فيما هذا الواقع المر يؤكد حاجة الناس إلى الوحدة والتعايش والتسامح والعدل وفي أوطان فوق الطائفة والقبيلة والأحزاب.. الخ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى