النساء شقائق الرجال

> د. هدى علي علوي:

> لقد هيمن فكر بعض الحركات الأصولية في العقود الأخيرة على الوعي المجتمعي في كثير من البلاد العربية ومنها اليمن، وتركزت رسائل هذه الحركات على الترويج للتفسيرات المتشددة في التعاطي مع قضايا المرأة، واستقطب خطابها دون شك شرائح عريضة من المجتمع، حيث تبنت أطروحات مثيرة للقلق أخذت ترتب لانقلاب خطير في المفاهيم واحتلت المرأة مساحة كبيرة في أجندة هذه الحركات، فتصدر موضوع (عودة المرأة إلى البيت) قائمة مشروعها التعبوي من خلال إضفاء ذلك البريق الخرافي على الوظيفة الأزلية للأنثى كراعية لشؤون المنزل وهي وظيفة يجب أن تبقى محل فخر للمرأة وجديرة باحترامها دوماً.

لقد صاغت تلك الحركات الدعوة التي تشكك في ولاية المرأة عموماً وفي ولايتها للشؤون العامة خصوصاً، وذلك عن طريق سوء التوجيه لمناسبة الحكم الذي يرى في ولاية المرأة مخالفة لقواعد الشرع، حتى لو كانت الولاية التي جرى الحديث عنها مفترضة في ظل الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية العظمى وهي أبعد ما تكون عن أنظمة حكم الدول أو الدويلات القائمة في هذا العصر على امتداد الرقعة الإسلامية المترامية.

إن غياب المبادرات الشفافة لتحديث التفسير الفقهي قد أحدث خللاً في فهم أصل الأحكام وغاياتها، وانعكست آثاره في كثير من السياسات والممارسات الخاطئة على صعيد التعامل مع قضايا المرأة ذات الطبيعة الخلافية التي تحتمل تبايناً في منابع الاجتهاد الفقهي وحججه، وعلى هذا النحو فإن نجاح التيار الذي يؤسس لتحريم اشتغال النساء في القضاء وسطوته على مصدر القرار إنما هو إعلان عن محاولة اختراق عقل المشرع والتأثير في سيكلوجيته. وفي الواقع فإن القانونيات اليمنيات اللاتي يمتلكن في الغالب كفاءة زملائهن لم يؤهلن للعمل في هذا المجال منذ العام 1990م.

وهمشت لسنوات عشرات القاضيات اللاتي تم تعيينهن قبل هذا التاريخ.

وفي اتجاه آخر عممت تلك الحركات دعوات ترهيبية أخرى أسوة بدعاوى التكفير المنتشرة في بعض البلدان فكان ناقوس الخطر يدق لقضية مثل حرمة كشف الوجه ووجوب النقاب كلباس شرعي للمرأة المسلمة، وردد البسطاء عن ظهر قلب فتاوى غير معروفة المصدر في أمور ليست قطعية الدلالة ولا قطعية الثبوت، بل إن مؤسسات دينية كبيرة وعلماء أجلاء قد أصدروا فتاوى سابقة على خلاف ذلك، لكن التكوين القبلي للمجتمع اليمني والتأثير السلبي للموروث الثقافي قد خدما تلك التيارات ومنحاها مناخاً ملائماً لنمو واستقرار خطابها التحريمي.

إن تشدد النساء اليمنيات في وضع النقاب حتى في مواقع عملهن ذي الطبيعة الإنسانية والتربوية كالطبيبات والممرضات والمدرسات وكذلك المحاميات والأكاديميات لا يمكن أن نرده بأي حال من الأحوال إلى فتوى أو رأي فقهي مرجح أو النظر إليه من زاوية احترام الحريات أو باعتباره صورة تعكس خصوصية المجتمع اليمني فحسب، إذ إنه من غير المنطق إغفال حقيقة تأثير كل هذه العناصر مجتمعة إلى جانب حيادية الدور الإعلامي الرسمي وغير الرسمي الذي عجز عن تفعيل الحراك الثقافي باتجاه التصدي بمسؤولية لتأثير الخطاب السلبي الذي يتسرب إلى مسام العقل الاجتماعي التقليدي ويفرز سمومه دائماً وأبداً في ثنايا قضايا المرأة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى