مأزق (المنظومة السياسية)!!

> علي الكثيري:

>
علي الكثيري
علي الكثيري
إذا كانت السلطة في بلادنا لا تبدي غير السخط والتبرم تجاه أي شكل من أشكال النقد والاحتجاج على أي ممارسة خاطئة أو توجه ضال صادر عنها، على نحو يجعل ناقدها هدفاً لأشنع حملات التخوين والتجريم، فإن معظم أحزاب المعارضة تبدي القدر ذاته من الغضب والاستهجان تجاه كل من لا يتردد عن الاعتراف للسلطة القائمة بأي (حسنة) أو لا يتورع عن الإشادة بأي إيجابيات ملموسة يمكن تسجيلها لها، حيث تنهال تلك الأحزاب عليه بـ (سياط) التشنيع والتسفيه التي تصل حد اتهامه بـ (العمالة) للسلطة وأجهزتها.

تلك (حالة) مستحكمة تستبد - للأسف الشديد- بالساحة السياسية المضطرمة بالتوترات والخصومات والثأرات، وهي (حالة) لا تعكس سوى تجليات ومخرجات المستوى الفاجع والمحموم لجملة الاعتلالات والاختلالات والتشوهات التي تسري في مختلف أوصال المنظومة السياسية اليمنية، ولا تنم إلا عن مفاعيل أزمة مركبة تراكمت حلقاتها واستعصت نتيجة لفشل ذريع ظلت تمنى به محاولات معظم أطراف المنظومة لتأصيل أسس الممارسة الديمقراطية - فكراً وتوجها ونهجاً- في أعماق بناها ومراكز القرار والإدارة في هيئاتها، ذلك أن التكوينات الحزبية في بلادنا- إلا ما رحم ربي- تأسست على أيديولوجيات وعقائد سياسية شمولية نافية للآخر وممعنة في تقديس التسلط وتعظيم الأحادية واحتكار الحقيقة واختزال الوطن والوطنية في صورة الزعيم المطلق أو الحزب الأوحد، وهي - تلك التكوينات- إذ أظهرت استعداداً للانخراط في مساق التوجه الديمقراطي الذي فرضته جملة المتغيرات الدولية والتحولات العالمية، فإنها لم تظهر إرادة فعالة لإحداث تحول جدي وجذري في مرجعياتها ومنطلقاتها الفكرية ومنظومات نهجها وسلوكها، إذ ظلت لا تنتج في مسارات الفعل والممارسة سوى ما يؤكد ديمومة انشدادها لتلك المرجعيات والمنطلقات الشمولية، بحيث ظل خطابها الضاج بـ(الشعارات) الديمقراطية والمحتفي بـ (عناوين) التعددية السياسية والفكرية وحقوق الإنسان وحرياته الديمقراطية، ظل ذلك الخطاب يتضاد ويتناقض تناقضاً صارخاً مع ما تنتجه تلك التكوينات الحزبية على أرض الواقع، من أفعال ناسفة للآخر وسادرة في احتكار كل شيء: الحقيقة الكاملة والوطن والوطنية، فلا تتورع عن الانقضاض على كل مخالف ومعارض لها، بكل صنوف التخوين والتقبيح والترهيب والتكفير السياسي.

لاشك- والحال كذلك- أن إصلاح المنظومة السياسية- سلطة ومعارضة - في بلادنا يشكل أحد أهم محددات مصفوفة الإصلاح السياسي الوطني الشامل، ذلك أن ازدهار وطننا ونماء تجربتنا الديمقراطية يفرضان ضرورة مثل هذا التوجه، ونحسب- بعد كل ما سلف - أن مختلف أطراف المنظومة السياسية في البلاد مطالبون بالانسلاخ عن تمترساتهم، والإقرار بكل أشكال الاعتلال والاختلال والتشوه، باتجاه الاصطفاف المثمر المفضي إلى إنجاز المعالجات الناجعة، فـ (قشور) الخطاب الديمقراطي تتهاوى على وقع الممارسة الشمولية التي يتسابق الجميع على إنتاجها بغزارة لا تدعو للتفاؤل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى