وكلٍ بحاله ينعم ...

> علي صالح محمد:

>
علي صالح محمد
علي صالح محمد
في عموده اليومي (آفاق) المنشور بصحيفة «أخبار العرب» الإماراتية في يوم الأحد 18 مارس 2007 كتب الصديق العزيز، الاستاذ فضل النقيب مقالا بعنوان: (ما خفي أعظم) تناول فيه وبنوع من الحسرة والأسى ما آل إليه حال العرب، وموقعها من محو الأمية الرقمية التي فرضها العلم والتطورالجاري بصورة مذهلة، مشيراً كمثال على ذلك إلى ما وصل إليه هذا التطور المتمثل بإصدار الجيل الثالث من التلفون المحمول من إنتاج نوكيا وما يمنحه من خصائص استخدام مثالية لحامله في مشاهدة الفضائيات والتصفح عبر الانترنت وخدمة تحديد الموقع والاستماع إلى إذاعات الـ FM المتنوعة وغيرها من الخدمات التي تعكس معجزات الثورة الرقمية والتكنولوجيا المتسارعة، التي تختزل الزمن ليصبح له معنى عظيم وقيمة حقيقية لدى من يهمهم ذلك، وهي الثورة التي لم نشهد منها سوى الشيء اليسير، حسب وعود بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت وما خفي فأعظم، ولا غرابة في ذلك يا صديقي وحالنا العربي وكافة الدراسات والتقارير تؤكد ان الأمة العربية تتصدر وبجدارة المرتبة الدنيا في مجالات الحرية، والتعليم، والدور الفاعل للمرأة في المجتمع - بالمناسبة قرأت مؤخراً خبرا تناولته الصحف يفيد بأن الترابي أفتى بأن شهادة المرأة العالمة تساوي شهادة أربعة جهلة - والمرتبة العالية في مؤشرات فساد الأنظمة وحجب الحريات من أجل إطالة فترة البقاء والتمسك بالسلطة مع ما يفرضه ذلك من إنفاق مهول على إعداد وتسليح أجهزة الحماية وأدوات القمع ( الجيش، الشرطة، الأمن، الاستخبارات، الحماية الخاصة، القوات الخاصة، أجهزة مكافحة الشغب ...إلخ)، وذلك على حساب الإنفاق على مشاريع التنمية الإنسانية التي تشكل المعرفة والتعليم أهم جوانبها، الأمر الذي جعلنا نحن العرب نفاخر بقوة بأن نسبة الأمية في الوطن العربي (حسب تقارير 2005) بلغت 45% بين البالغين، وفي إسرائيل تقدر بـ 5% ليصل عدد الأميين العرب 68 مليون أمي ثلثاهم من النساء في حين يوجد أكثر من عشرة ملايين طفل غير ملتحقين بالمدارس بين سن 6 و15 سنة، ليبلغ متوسط سنوات التمدرس 5 سنوات للفئة العمرية من 25 عاماً فأكثر، في حين يبلغ في الدول الصناعية 13 سنة ، ونسبة الإنفاق على البحوث العلمية والتطوير بين 0.1% - 0.2% من إجمالي الدخل القومي وهو أقل بعشر مرات عن المعدل الإسرائيلي 2% ، كما يخصص للتعليم 8% من إجمالي الإنفاق ليصل نصيب الفرد بين 100-340 دولارا مقابل 1500 دولار في البلدان المصنعة و1000 دولار في إسرائيل، ليصبح عدد العلماء والباحثين العرب 0.35% من الألف من السكان كما أن استخدام العرب لشبكة الانترنت لا يزيد عن 0.6% وفي أغلبه استخدام ترفيهي أكثر منه تعليمي، لينعكس الحال على نسبة المطبوعات العربية إلى العالمية حيث لا تتجاوز 1%، أما النشر العلمي فقد بلغت نسبته 0.7% في حين بلغ في إسرائيل عشرة أضعاف نصيبها من سكان العالم.

وبهذا الصدد يقول أصحاب الاتجاه المعرفي في علم النفس: «إن سلوك الإنسان ما هو إلا انعكاس لبناه المعرفية، وإن حل المشكلات السلوكية لن يتم إلا بتعديل الاتجاهات المعرفية عنده». وهذا القول يفسر لنا بوضوح جوهر المشكلة التي نعاني منها كأنظمة ومجتمعات ويمنحنا في الوقت ذاته الحل لمشكلتنا القديمة الجديدة في موقفنا من التربية والتعليم، وهي التي تشهد اليوم أزمة مستفحلة وكبيرة على المستوى العالمي يكمن جوهرها في الهوة الكبيرة المتنامية بين التقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع وبين المدرسة التي تخلفت عن هذا التقدم بعد أن كانت تنتجه في يوم من الأيام في البلدان المتقدمة، لتصبح قضية ردم الهوة الناشئة في هذه البلدان اليوم الشاغل الأساس للأنظمة السياسية والبرلمانات القائمة فيها، وينطلقون في ذلك من مقولة ان «لا ثورة في الدولة إن لم تسبقها ثورة في التربية» على اعتبار أن الإنسان هو محور كل السياسات وبصفته أهم الثروات أو كما يقول أحد اليابانيين: «منبع ثرواتنا ليس تحت أقدامنا بل هي فوق أكتافنا» وبما أن الشيء بالشيء يذكر فحين سئل شمعون بيريز عن سبل القضاء على الفقر - وكان يومها رئيساً لوزراء إسرائيل - أجاب : «إن طريق القضاء على الفقر هو المدرسة» . أما الألمان فحين تسألهم عن الفرق بين التعليم والتربية، فإنهم يقولون: «بالنسبة للتعليم فعليك أن تعرف شيئاً محدداً، أما بالنسبة للتربية فعليك أن تكون شيئاً ما».

بهذه الرؤية المعرفية الواعية تجاه التربية والتعليم وعلاقة ذلك بكافة الأمور الحياتية الأخرى استطاعت هذه البلدان أن تعالج مشاكلها وتحقق تقدمها وتحدد مكانها بين الأمم ولسان حالها يتمثل قول الامام الشافعي رحمه الله:

تعلم فليس المرء يولـد عـالمـاً وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القـوم لا علم عنـده صغير إذا التفت عليه الجحافل

وإن صغير القوم إن كان عالماً كبـيـر إذا ردت إلـيه المحافـل

وإلى حين نصحو من سباتنا الطويل المستمر نحن - العرب- ولنمني أنفسنا، فما علينا سوى أن نردد:

العالم ينعم بعلمه.. والجاهل بجهله ينعم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى