عدن فواز طرابلسي

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
لا ينئ فواز طرابلسي العاشق لعدن عن إعلان حبه كلما وجد إلى ذلك سبيلا، ولكنه حبٌّ يغيم وراء أسئلة لا يجد لها إجابات شافية، فالوعود كثيرة ولكن موسم الحصاد يأتي بالقليل القليل، فما هو السر يا ترى؟ هو لم يعش معاناة الناس مابين الاستقلال والوحدة إلا عن كثب، فهو من ضيوف الخمسة نجوم يأتي أكثر من مرة في العام ليطمئن إلى نضج الرفاق وعزيمتهم في إنجاز المستحيل، ولكن ما استعصى عليه هو بروز الخلافات الحادة التي لا مبرر لها سوى حب الرئاسة والتنافس القبلي الذي لبس الايدلوجية رداء واتخذ الخنجر شعارا والغدر وجارا، من استكنّ فيه قنص العابر وغار في الظلام، وهذا ينافي المناقبية الحزبية المفترضة ويهيل على الايدلوجيا النقية من سخام الكير ما يجعلها منتنة تثير الاشمئزاز.

وجاء موسم «الأخوين» في يناير 86، حين زالت الأقنعة أو أزيلت وهنا لم يجد فواز ما يكتبه من رائق القول وتفاح الأمنيات، وكانت مجازر عدن تتناغم مع مجازر بيروت حيث يقيم فكأنه بين نارين، وقد احترقت لغة التحليل والتحريض والإشادة والنقد ولم تبق سوى لغة الشعر التي هي من معدن النار غير قابلة للاحتراق:

«عدن أأنت الجَنة أم الجُنة؟ جُنّت عدن، وكذب علينا الرفاق. قالوا نستبدل دكتاتورية البروليتاريا بـ«دولة الحب الغلابة» كما في الأغنية. كيف صدّقناهم؟ هل كان مرة للحب دولة؟ وهل أسهل من أن تتغلب الدولة على الحب؟ عدن وشلشل دم الأخوين».

لم يكذب عليك الرفاق يا فواز، فلم يكونوا سوى أنفسهم التي أبيتموها عليهم، ولو تركتموهم يتدرّجون من الحضانة إلى الابتدائي إلى الشهادات العليا صُعُدا لربما كانت النتائج أفضل، ولكنكم أردتم بهم حرق المراحل فمن كذب على من؟ لقد كانوا يرضونكم ويرضون غيركم وقد نسوا نفوسهم التي تغلي كالمراجل، ذلك أن الحسنة تحسب لغيرهم والسيئة تحتسب عليهم فلا يكافأون على الحسنة ولا تُغتفر لهم السيئ، ولذلك قال كل فريق في يناير ممن ألّف اليسار ما قاله شمشمون الجبار: عليّ وعلى أعدائي، وأخذوا في هدم المعبد على رؤوسهم جميعا، وهم يدعون الدعاء الذي لهج به أجدادهم السبئيون «ربنا باعد بين أسفارنا»، وبذلك عاقبوا أنفسهم وعاقبوا كل اليسار العربي والعالمي الذي كان يلهبهم بالسياط في اتجاهات شتى، وهناك مثل يمني يقول «من نسمته في يد غيره يموت معذبا» والنسمة هي الروح أو بارقها.

يواصل فواز النزيف الشعري «عدن: صخرة رماها طائر الرخ على باب المحيط الهندي، براكين بحرية مشددة بحبل سرة من الممالح والرمال إلى شبه الجزيرة العربية، عدن كيف أدخلك؟ أمن قلعة صيرة كما فعل الفاتحون، أم من دارسعد وطريق تعز مع جحافل الثوار؟ أم أتهادى إليك على طريق أبين مع قوافل البخور القديمة؟ من أي الجهات آتيك؟ أيتها الممتدة بين ساحل العشاق وراس معاشيق، مبتداك عشق ومنتهاك عشق، فما بالك مشغولة بالتفاريق؟

كل الطرق مسدودة يا فواز إذا انسد طريق العقل. العقل وحده يستطيع فتح الطرق حيث شاء، أما الغرائز فلا عمل لها سوى إغلاق الطرق، وتلك الشعارات التي بهرتك يا بن الطرابلسي كانت صناعة غرائز أما العقل فقد جرت إحالته على التقاعد منذ الاحتراب الأهلي المؤسسي عشية الاستقلال.

آه ياعدن هل نواصل النزيف مع صاحبنا (على الأرصفة تقعد بائعات العطارة يعرضن العطر العرائسي في العبوات البلاستيكية، «خذه للتي يحب قلبك، خليها تستحم وترتدي الدرع، وضع قطعة منه في المجمرة وخليها تبخر جسدها وشعرها» أعواد الصندل وبخور ظفار، كان كمال جنبلاط يوصيك عليه كلما ذهبت إلى عدن تحمل له منه رطلا في كل زيارة.. عدن: فضة وذهب مشغول، بن وزعفران ، الفل والكادي، العسل الدوعني، والجنابي من لحج، والأواني الجلدية المطعمة بالأصداف من شبوة. منذ سنوات كنت تجد صناديق من الخشب المحفور المطعّم. اشتراها السوفيت وتجار الآثار. اختفت الآن. كوافي المهرة ، فوط حضرمية، وأنسجة هندية زاهية ودروع. الدرع المذكر قميص المرأة، والمؤنث السترة الحديد التي يرتديها الفارس، وسلاح الدروع هو أقوى الأسلحة في هذه الجمهورية).

هذه مرثية يا فواز، ولا أدري كيف جاءني كتابك فقد كانت النسخة مهداة إلى د. ياسين سعيد نعمان ومكتوب في الإهداء «بانتظار أن أقرأ لك ماعندك عن وعود عدن.. مع الشوق والمحبة».. هل نأمل؟ ربما.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى