الباشراحيل.. في ذكرى ميلاده الـ (88)

> د. هشام محسن السقاف:

> لا تخرج النتائج عن مسبباتها في مجمل لحظات النشوء والترقي في المجتمعات الإنسانية المختلفة، والراصد لحركة التاريخ في عدن غداة الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م) سوف يلاحظ نمواً في الوتائر الاجتماعية والثقافية متسارعاً، يسقط على قاعدة اقتصادية ناهضة هي أساس القبول المدني في المدينة، إذا أعدنا الفرع إلى الأصل في مسائل التطور التاريخي، سنقف إزاء التطور الذي شهدته المدينة عدن، ونهوضها الحضاري من خلال حقائق عامة ما بين موضوعية وذاتية، لتكتمل صورة التبدل الناشئ فيها لصالح المواطنين، وبإسهام اضطلع به رجال أفذاذ تمثلوا مصائرهم من داخل أحداثيات تاريخية مؤثرة، هم صانعوها، لصالح مدينة هي وطن داخلي في جغرافية صغيرة، البحر والجبل ملمح أساس من ملامحها الجميلة. يقول ابن خلدون: إن الفلاسفة والعلماء عندما يتحدثون عن المدينة الفاضلة إنما يتحدثون من جهة (الفرض والتقدير) لا غير. في حين أن العمران البشري له طبائع في أحواله (قوانين) فالتغيير والإصلاح يحتاجان قوة مادية وأخرى معنوية (محمد عابد الجابري). فمن قلب عدن تتشعب الاهتمامات الوطنية والقومية، لتحفل الذاكرة الجمعية بأسماء رواد صنعوا نهضة مدينتهم/ الوطن بصبر وأناة ومثابرة، ولمعت أسماؤهم في سموات وطنهم بفعلهم الذي استوعب واستجاب لآمال وأمنيات شعبهم، ويعد الأستاذ الكبير محمد علي باشراحيل (1919- 1992م) واسطة عقد الرواد الذهبي في عدن، بإسهامات وأعمال متنوعة تأخذه من السياسة والإعلام إلى المنتديات الأدبية والسلطة المحلية، وهو العربي الوحيد في أول مجلس تشريعي، عدا أنه قد انتخب في المجلس البلدي فيما بعد، وبمساق متواز يكون للباشراحيل خياره السياسي كأحد المؤسسين لأعرق الأحزاب السياسية في الساحة (رابطة أبناء الجنوب العربي) ونائب لرئيس الحزب لفترة يشعر أثناءها صاحب المواهب المتعددة أن أفقه في العمل الوطني يتسع لما هو أكثر من مساحة حزب، وبذلك غدا -كما نراه فيما بعد- قطب الحركة الوطنية في عدن، تلتقي عنده التيارات السياسية المختلفة، وتكتمل لديه أطراف وأطياف التأثير الوطني في الساحة، ويصبح مكتب الباشراحيل (داره العتيق وهي بعينها مقر صحيفتيه «الرقيب» و«الأيام») كدار أبي سفيان من دخلها كان آمناً.

يحضر الباشراحيل الكبير في ذكرى ميلاده الثامنة والثمانين المصادفة لـ4 من أبريل من كل عام، باستحضار الحاضر الذي يفسر الماضي كما عند ابن خلدون، وبتفعيل الذاكرة بما هي إمكانية للحفاظ على الانطباعات وإعادة إنتاجها(Ribot) مع التأكيد على خاصية (إعادة الإنتاج) هذه، من خلال رصيد الرجل وموروثه ومواقفه التي لم تحظ حتى الآن بالدراسة الكافية، للتدليل على أن نضالات الباشراحيل، وكل ذلك العمل المتنوع والمتدفق والمضني، يمثل جزءاً مهماً من تاريخ هذه المدينة العريقة، فـ (التاريخ هو دائماً فعل المؤرخ، أليس تاريخ فرنسا ميشلي Michelet هو أولاً تاريخ ميشلي نفسه؟) محمد جادور، مجلة بصمات 01 الخطاب التاريخي بين امتدادات الذاكرة وحدود التأويل.

ولعلنا في حالة الباشراحيل وتراثه نلقي بمرساتنا في مرفأ «الأيام» الأبناء، الذين تلقفوا من يد أبيهم شعلة النار المقدسة كما تقول الأسطورة القديمة، لنبحث في سبيل إعادة إنتاج تاريخ المدينة (عدن) في فترة ازدهارها الكبير، من خلال رصد ميراث الرجل الكبير في اتجاهاته المتعددة، وبذلك نحدد الذاكرة التاريخية على أنها (الوظيفة الفيزيائية) المتجسدة في إعادة إنتاج حالة وعي ماضية) كما يقولLalande ونظفر بالمقابل بالوقوف، بعيداً عن الطللية، إزاء حالة تاريخية غنية مثلها الباشراحيل محمد علي خير تمثيل، وصنع أدوارها وأطوارها المختلفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى