هل يجوز قانوناً تغيير عقد تمليك إلى عقد تأجير؟!

> علي صالح محمد:

>
علي صالح محمد
علي صالح محمد
قالوا عن مدينة دبي إنها المدينة التي تشهد أعلى معدل نمو عمراني في العالم، وقرأت قبل عامين لأحد زوارها من المشاهير قوله إن دبي هي مدينة القرن الحادي والعشرين، والمؤكد أنها كذلك بشهادة كل من يزور هذه المدينة، وبدليل حكاية أحد الذين تملكوا عقاراً فيها منذ أعوام حيث يقول: بعد أن اشتريت العقار المطلوب حملت عقد المبايعة إلى دار البلدية لتوثيق العقد، وفي الإدارة المعنية استقبلت في مكتب أنيق ومرتب من قبل الموظف المختص الذي استفسر عن الخدمة المراد تقديمها وبعد أن شرحنا له المطلوب طلب منا الانتظار لكي يعرض الموضوع على المدير لحظتها نظرت إلى ابني الذي كان يرافقني متوجساً ومتهيباً من الفترة التي سنحتاجها في المتابعة في لحظة مقارنة لا إرادية بما يحصل في بلدي أو بلاد أخرى في مثل هذه الحالات، كنت أنظر إلى الساعة وفجأة وبعد (اثنتي عشرة دقيقة) بالضبط عاد الموظف المحترم وهو يحمل (دوسيه) أنيقا ومرتبا يضم المعاملة والابتسامة تعلو وجهه ليقول تفضلوا المعاملة جاهزة، لحظتها نظرت إلى ابني والدهشة تعلو محياي غير مصدق أن المعاملة قد أنجزت، فحاولت استفسار الموظف ولكنه بادرني مقاطعاً وموضحاً بأنه في حال وجود أي استفسار فما عليكم سوى الدخول إلى شبكة الانترنت وفقاً للعنوان المسجل في المعاملة وستجدون الإجابة على أسئلتكم من غير الحاجة إلى المجيء إلى إدارة البلدية.

هذه الحكاية الواقعية تختزل بقوة سر أن تصبح دبي أولى المدن نمواً في العالم، إذ لا شيء يأتي من العدم والمؤكد أن وراء هذه الإنجازات المذهلة منظومة قيادية إدارية وقانونية وإجرائية رفيعة المستوى وعالية التأهيل، تقابلها رؤية استراتيجية تتسم بالوضوح والتميز خالية من مظاهر الفساد وأشكال التعطيل الإدارية المعتادة في البلدان العربية، لتغدو دبي وبسبب من ذلك وبكل المعايير مدينة عالمية تحتضن كل العالم بمعايير جودة أكثر من عالمية.وتحضرني هذه الحكاية الآن لأن لي حكاية مشابهة لا بد من إطلاع القارئ العزيز عليها، وطبعاً لست هنا بصدد المقارنة بين ما يجري هناك وبين ما يجري هنا لأن ذلك مؤلم للنفس ومحبط والروح، ولأننا إن فعلنا ذلك نكون قد تجنينا على الشاعر الشعبي المبدع سالم المحبوش الذي قال:

سالم علي قال ما نا سيرتي هرشه

وا ذي بتجرون ما عذري من السيرة

والحكاية أنني قررت - بعد تردد دام أعواما - الذهاب إلى إدارة أو مصلحة أراضي وعقارات الدولة لاستخراج وثائق الدار الي شيدتها عام 1998م في حوش المنزل الذي أمتلكه وفق عقد مسكن صادر في عام 1990م وموثق في السجل المدني والسجل العقاري، وبعد أشهر من المتابعة.. والتي استعنت لإنجازها بأحد الأقارب، طُلب مني الذهاب للتوقيع على العقد- الذي لم أقرأ محتوياته لحظتها من شدة فرحي بما أنجز- و يومها قيل لي بعد أسبوع ستتسلّم العقد، لأنه من الضروري أن يتضمن ختم وتوقيع المحافظ إلى جانب ختم وتوقيع مدير المصلحة، وبعد (شهر زمان) من هذا الموعد تسلّمت العقد وفي داخلي امتنان خفي لكل من أسهم في إنجاز المعاملة.. ولسان حالي يقول (هانت.. تعب جيبك ولا تعـب قلبك) ولكن هذا الشعور لم يدم طويلاً حيث فوجئت وأنا أقرأ العقد أنه أصبح عقد تأجير للأرض و(لمدة ثلاثين عاماً) عوضاً عن عقد التمليك الذي سلم للمصلحة مقابل استخراج العقـد البديل.

وهنا وحتى لا نصيب قوماً بجهالة أتساءل والسؤال أظنه مشروعاً وموجها للمعنيين، هل يجوز قانوناً أن تغير عقود تمليك المساكن بعقود تأجير للأرض؟ مع أنها مبان قائمة ومدفوعة القيمة في حين تمنح عقود تمليك للأراضي البيضاء ومجاناً وعقود تأجير ولمدة تسعاً وتسعين عاماً؟ وماذا يعني هذا التمييز. وإذا كان لا بد من صدور مثل هذه العقود فما هي الوثيقة التي تؤكد ملكية المباني القائمة ومن هي الجهة التي تصدرها هل البلدية أم السجل العقاري أم مصلحة العقارات؟وكما هو معلوم فإن العقار لا يصبح ذات قيمة مادية إلا بوثيقة تمليك معترف بها وليس بوثيقة تأجير لأن للأمر مترتبات قانونية وحقوقية عديدة مع الغير، وأهمها حق الملكية والقيمة المادية لهذا الحق التي لا يجوز أن تسقط بهذه الطريقة المتسمة بالتحايل على حقوق شرعية مكتسبة.كما أنه ليس من الحكمة أو الصواب التوجه بعد كل هذا العناء إلى البلدية في رحلة عذاب جديدة لاستخراج تراخيص بناء لمبان قائمة ومشيدة ومسكونة منذ سنوات، وبعد ذلك إلى مصلحة السجل العقاري لتوثيق العقود مع ما يعنيه ذلك من إجراءات متابعة مضنية جديدة ترهق الجيب وتتعب القلب معه.وفي مثل هكذا وضع هل يعتقد القائمون (على ذلك) - في ظل بقاء واستمرار مثل هذه الآلية وهذه المعاملات والإجراءات والنظم والمعاملات الإدارية المتشعبة وتعدد جهات الاختصاص - أنه سيكون هناك استثمار وطني وخارجي حقيقي ومنافس خصوصاً وأن واليمن سيستقبل بعد أيام مؤتمر تسويق فرص الاستثمار الذي سينعقد في صنعاء خلال شهر أبريل الحالي؟من تجربتي المتسمة بالمعاناة المتعددة الوجوه والصور- مما يجري على صعيد الأرض منذ عام 1994م - (أتوقع) أنه لن يكون هناك شيء من هذا القبيل في عدن أو غيرها طالما بقيت مثل هذه الأنظمة وهذه السياسات المعيقة ومثل هذه العقلية التي تدار بها الأمور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى