حضور المرأة والأعباء المزدوجة

> د. هدى علي علوي:

> «أنا مقهورة وسأظل لأن الذي حررني وفك قيد أسري هو رجل» ..في هذا المعنى فقد وهبت المرأة الحقوق التي ارتضاها لها الرجل،ولم تأخذ شيئاً بل تسلمت ولم تنتزع قط بل منحت.. وهو ما كشفت عنه الكاتبة الفرنسية المعروفة (سيمون دي بوفوار) في كتاب العصر (الجنس الآخر) إذ قالت: «لقد ظل نضال النساء دائماً نضالاً رمزياً فلم تغز أبداً إلا بما أراد الرجل التنازل عنه.

لقد اعتادت المرأة التطلع إلى حقوقها مقدمة في قالب حلوى ومغلفة بورق ورد مكتوب عليه:(منحة خالصة النية) ليرد لسان حالها: أنا مقهورة وسأظل لأن الذي حررني وفك قيد أسري هو رجل».

وبعيداً عن ترف اللغة السياسية وشطحات المسميات الكبيرة فإن إسهام المرأة في معترك العمل السياسي مسألة لا تثير الشك، بالقدر الذي تطرح قضايا جدلية غاية في الحساسية سبق أن ناقشت على استحياء مستوى فعالية نضال النساء وحضورهن السياسي الفعلي، وأرجعت النتائج لأسباب عدم تمتعها بمعاملة منصفة، ومن ثم بأقل نصيب من الفرص الحقيقية.

والمؤشرات الضاربة جذورها في أرض الواقع لا تكتفي بتقدير العوامل التي تضيق الخناق على تجسيد المرأة لحقوقها السياسية، وإنما في إعادة قراءة الكيفية التي تعكس فيها المرأة وعيها وثقافتها السياسية على صعيد إظهار قدرتها على التعبير عن خياراتها بحرية دون تلقين أو تغرير أو وصاية من أحد، ذلك أن انخراط النساء في هذا المضمار يتطلب الاهتمام بعملية تأهيلهن وتزويد خلفياتهن بالمعارف السياسية والفكرية.

إن وصف حضور المرأة السياسي بالهامشي أو المحدود هو انعكاس صريح لحجم هذا التواجد الذي مازال ضئيلاً للغاية، لاسيما وأن المجتمع بكل أطيافه لا يميل في الحقيقة إلى التفاعل مع المرأة التي تصعد إلى المنبر بل ويجتهد لتغييبها عن هذا المجال، كما أنه يرسم صورة ساخرة وغير مقبولة للمنخرطات فيه، مما يعني أن التفكير بتطبيق ما يطلق عليه اليوم بتحفيز التمييز الإيجابي والتركيز على كيفية الاستفادة من تجربة نظام الحصص المخصصة للنساء في المجالس النيابية عملية تتطلب تهيئة وإعداد المجتمع أولاً لاستيعاب مثل هذه الإجراءات المستحدثة، وثانياً تمكين القاعدة العريضة من النساء والنهوض بها قبل الاندفاع إلى فكرة التجميل الرمزي للسلطة، الذي يسمح بصعود نخبة من النساء المتميزات إلى مواقع قيادية، لمجرد أن الدول المانحة أخذت تملي شروطها على الحكومات، فأعلنت أن المعيار الأهم الذي تقيس من خلاله مستوى التنمية الإنسانية لأي دولة هو تقدم المرأة.

وفي كل الأحوال فإن ذلك لا يقلل من قيمة هذه التجربة التي نجحت في بعض الدول العربية باعتبارها تشكل قوة دعم للمرأة في مسيرة النهوض من خلال تعزيز فرص الدفع بها، ومد يد العون لها على الأقل في هذه المرحلة، خاصة وأن المجتمع يحملها أعباء مزدوجة تتوزع بين وظيفتها الإنجابية ورعاية الأسرة وبين متطلبات العمل خارج المنزل وما يفرضه عليها من شروط الاجتهاد والمنافسة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى