العلم النافع في ظل حكومات عديمة النفع

> محمد علي ناجي الرباشي:

> فكرت في الدراسة الجامعية في مرحلة متأخرة لكوني وجدت نفسي بحاجة للاستفادة من الوقت الذي يمر من عمري والذي أرهق حياتي في زمن يجد الإنسان نفسه خارج اللعبة فالبعض قد يرى أنه يعمل ولكنه أصلاً لا يعمل، ولأني شعرت بخطورة مرور الوقت من حياتي بلا فائدة فقد قررت أن أواصل دراستي في جامعة عدن في التعليم الموازي مقابل دفع رسوم باهظة ومن خلال دراستي حالفني الحظ وتعرفت على أصدقاء وزملاء جدد من موظفين وطلبة من مختلف المحافظات وبعض الطلاب العرب وهم كانوا خير خلف لخير سلف من أصدقاء طفولتي ودراستي الأولى، وتعرفت أيضاً على دكاترة ومدرسين عن قرب كان لهم الفضل الكبير في تعليمي وتشجيعي على مواصلة دراستي في هذه المرحلة من العمر، واليوم وبقدرة قادر أصبح بعض هؤلاء الدكاترة والمدرسين من رجال الدولة والحكومة وهم بالأمس كانوا من أشد المعارضين لسياسة الدولة والحكومة ووجدت أيضا بعض الدكاترة والمدرسين فجأة في قائمة التقاعد الإجباري وبدون أي حقوق أو تقدير للسنوات الطويلة التي أفنوها في الجامعة أو فروعها، وجميع من درس معي يعرف أو يتذكر الأحاديث والانتقادات الحادة والملاحظات التي كان يرددها دكاترة ومدرسو الحكومة اليوم، فهؤلاء الذين كانت لا تفوتهم محاضرة إلا وتحدثوا عن فساد حكومات حمران العيون وعجزها عن القضاء على الفساد أو ضبط رموزه المنتشرين في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها، وعن ضعف دور القضاء وعدم وضع الحلول والمعالجات لمشاكل المواطنين، وتحدثوا كثيراً عن تجاوزات للقوانين والأنظمة في نهب الأراضي والسطو على الممتلكات العامة والخصخصة لمرافق الدولة الحكومية من قبل المتنفذين من حمران العيون بطرق احتيالية أو عن طريق المحاباة فيما بينهم، وكذا عدم تطبيق القوانين إلا على الضعفاء والبسطاء دون غيرهم وكانت أحاديثهم حينها قوية وشجاعة لأنهم كانوا يعيشون بين أوساط العامة من الناس ويتألمون لمعاناتهم وحياتهم الصعبة ونتيجة لمواقفهم الشجاعة فقد كانوا يحظون باحترام وتقدير جميع الطلبة الدارسين آنذاك.

إلا أن الطلبة وبعض الدكاترة والمدرسين تفاجأوا واندهشوا وشعروا أننا في حلم عندما وجدناهم في قوائم الحكومات وحصلوا على مناصب وزارية في حكومات حمران العيون سابقاً وفجأة تغير خطابهم السياسي وسلوكهم نحو الحكومة التي بدورها غيرت نمط حياتهم بسرعة متجاهلين معاناة الناس وظروف حياتهم الصعبة التي كانوا يتحدثون عنها ومتنكرين أولا للدور البارز والمهم لزملائهم الدكاترة والمدرسين الذين أفنوا سنوات عمرهم في التدريس في الجامعة ونهايتهم المؤلمة في تقاعدهم الإجباري وبدون أي مستحقات أو حقوق لهم وفق القوانين تمنحهم الحكومة الجديدة وهؤلاء هم الذين يرون أنهم قادرون على التخلص من الفساد رغم معرفتهم بفشل الحكومات السابقة في ذلك. وذلك لأن عدوى الفساد قد وضلت بسرعة إلى أياديهم وجيوبهم وبطونهم من خلال حصولهم على الأموال الطائلة في زمن قصير في إطار وزاراتهم وبطرق غير مشروعة ولهذا كله ونتيجة لنفاقهم فإن العلم الذي يتلقاه الدارسون من قبل هؤلاء لم يعد علماً صحيحاً أو نافعاً في هذا الزمان لأن مصداقية من علمك العلم والقوانين والشرف والأخلاق قد ضاعت وفقدت في وحل الفساد . ولهذا أصبح العلم غير نافع في حكومات عديمة النفع لا تعير أي اهتمام لمعاناة المدرسين والطلاب الدارسين والخريجين بل إنها سمحت لممارسات وسلوكيات تتنافى مع العلم الحقيقي فتجدها تسمح بالغش في المدارس بطرق غير مباشرة وكذلك سمحت بالمتاجرة بالعلم حتى أصبح اليوم سلعة تباع وتشترى في كثير من المدارس والجامعات اليمنية للاسف تحت مسميات كثيرة منها الاسثتمار والسماح للقطاع الخاص أن يمارس ذلك في ظل عدم وجود الرقابة الحقيقية على ذلك الاستثمار .

ولهذا فإنك تجد في هذا الزمان أن الحصول على الشهادة أصبح أمراً سهلا وبفلوسك تحصل عليها متى ما تريد دون أن تتلقى العلم أو تبذل جهداً من أجل ذلك العلم .

ولهذا السبب أصبحت الشهادات أو العلم النافع ليس مقياساً ولا يحظى أصحابه بأي امتيازات تذكر عندما يبحثون لهم عن فرص عمل أو تطوير أنفسهم في مرافق الدولة ومؤسساتها لأنها تعلم بالطرق والأساليب والمغالطات والتزوير الحاصل في المدارس والجامعات، ولأن إهمال الحكومة لذلك حقيقة يعرفها الجميع ولهذا فالوظيفة أصبحت للأشخاص الذين باستطاعتهم إن يجيبوا عن أسئلة محددة بعدد أصابع اليد فقط فمنها: من أنت ومن أين ومن أرسلك ولحساب من ستعمل وكم ستدفع؟؟ وهي أسئلة صعبة لا ينجح فيها إلا الأشخاص المقربون دون غيرهم من أصحاب الشهادات أو خريجي المعاهد العلمية والفنية الذين لا يحالفهم الحظ ويظلون سنوات في قوائم الانتظار للخطط الخمسية للحكومات وسياستها في التوظيف ويطول انتظارهم وتذهب حياتهم وسنوات عمرهم التي أفنوها في طلب العلم النافع بلا فائدة حتى تشكل حكومات وحكومات عديمة النفع، ويظل هذا الوطن في بداية الطريق ولن يتقدم خطوة واحدة نحو العالم المتحضر الذي تتباها شعوبه بالعلم النافع وبمستقبل أفضل لجميع شعوبها دون تمييز أو سؤال من أنت ومن أين وكم ستدفع ؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى