عن محاربة الفساد

> محمد فارع الشيباني:

> في مؤتمر صحفي عقده المدير الإقليمي الجديد للبنك الدولي في صنعاء في مقر البنك في حدة الجديدة، والذي اعتبره المدير الجديد فرصة للقاء بالصحفيين للدردشة.. ورداً على سؤال أو تعليق أحد الصحفيين لماذا تكره البلدان النامية وخاصة شعوبها البنك الدولي وتعتبره المنبع الرئيس للفساد وصانع الفاسدين والسبب الرئيس لإفقار الشعوب وازدياد عدد الفاسدين الذين يصبحون أغنياء بسرعة، أجاب المدير الإقليمي في صنعاء أن ذلك غير صحيح بدليل أن البنك الدولي قد أنشأ إدارة عامة في مقره الرئيس لمحاربة الفساد في البلدان التي يقدم خدمات فيها، وكذلك محاربة الفساد في داخل البنك نفسه، وحينها قلت له وكنا نجلس في شرفة جدرانها من الزجاج في مقر البنك في حدة الجديدة: «انظر إلى هذه القصور التي تحيط بنا إنها قصور قد لا تجد مثيلاً لها حتى في دول الخليج الغنية وأرجو منك أن تسأل من هم أصحاب هذه القصور فستجد أنهم مسؤولون كبار في الدولة، وإذا سألت عن الراتب الشهري لأي واحد منهم ستجد أنه حتى لو وفر راتبه كله وبدون أن يصرف ريالاً واحداً على عائلته فإنه سيحتاج إلى أكثر من مائة سنة لكي يجمع مبلغاً يبني به نصف قصر مثل هذا»، وأضفت «إنني أخشى أن جزءاً من القروض التي كبلتم بها هذا البلد الفقير قد صرف لبناء هذه القصور، أريد منك مع احترامي للبنك أن تريني بناءً واحداً أو مدرسة صغيرة وتقول لي إن هذا بني من قرض البنك»، وسكت المدير الإقليمي الذي عند تعيينه ووصوله إلى صنعاء أعلن أنه يؤمن بالشفافية وأن مكتبه مفتوح للصحفيين وللصحافة.

ولكن بعد ذلك المؤتمر الصحفي لم أسمع أنه عقد مؤتمراً صحفياً أو التقى بصحفيين إن لم يكن قد أصبح عدواً للصحافة. إن ميزة الفاسدين عندنا في اليمن أنهم لا يخشون شيئاً، ويمكن اعتبارهم وطنيين لأنهم لا يهربون جميع أموالهم إلى الخارج بل ينفقونها داخل البلاد على شكل قصور ضخمة وعمارات كبيرة ولا يخشون أن يعلنوا عن ذلك بل يتفاخرون بإظهار أنها ملك لهم.. أليست اليمن نعيم الفاسدين؟ فمن ماذا يخافون؟ أليس الكل فاسداً وإنما الاختلاف في درجة الفساد؟ فهناك من لا يرضيه إلا الكثير وهناك من يرضى بالقليل كل حسب منصبه ومقامه في السلطة.

وإثباتاً لذلك فما على الإنسان إلا أن يتجول في أحياء صنعاء الراقية وشوارعها الكبيرة ويسأل قصر من هذا؟ وسيجيب عليه أقرب واحد منه هذا قصر فلان، أو عمارة من هذه؟ وسيجيب عليه أي واحد في الشارع هذه عمارة فلان، وفلان هذا طبعاً ليس تاجراً تملأ تجارته الدنيا أو غنياً عن أب وجد ولكنه سيدهش عندما يعرف أن فلاناً هذا مسؤول كبير في السلطة ومازال يحتل موقعه أطال الله في عمره، وأنه قبل سنوات كان لا يملك من وسخ الدنيا سوى الثوب الذي كان يلبسه أو ثوب آخر يلبسه عندما يتسخ الثوب الذي عليه لزوم الغسيل - سبحان الله! إذن معرفة الفاسدين في اليمن ليست عملية صعبة ويكفي الإنسان أن يسأل فقط من يملك هذا القصر ومن يملك هذه العمارة؟ ولكن في هذه الحالة عليه أن يتحمل مسؤولية انهيار الدولة كلها لأنه لن يكون هناك من يحكم - والفساد عادة لا يحارب الفساد - ورحم الله الرئيس الشهيد سالم ربيع علي الذي استلف من البنك الأهلي عشرة آلاف شلن ليعيد بناء سقف عشة والدته الذي سقط ورهن راتبه لكي يقوم البنك باقتطاع أقساط المديونية منه.

ومع الأسف فقد شارك في الفساد بعض الإخوة من الجنوب الذين طلعوا إلى صنعاء، فقد أصبحوا يمتلكون القصور في صنعاء وعدن وكانوا أيام زمان يحلمون بالحصول على شقة وسيارة حتى لو كانت مستعملة وبعض منهم كان وزيراً أو نائب وزير أو عضو مكتب سياسي أو لجنة مركزية.. سبحان مغير الأحوال .. اللهم لا حسد .. اللهم ارحمنا واسترنا لأننا لا نريد أن نكتب على أبواب منازلنا «هذا من فضل ربي» إنك سميع مجيب. آمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى