الشاعر عبد اللاه الضباعي صراحة الذهب .. على مرجل الغضب

> «الأيام» أديب قاسم:

> الثور ..والثورة .. الانتقال من واقع إلى آخر ..من النظام الملكي إلى نظام جمهوري (ديمقراطي شعبي أو ديمقراطي ليبرالي أو أياً كانت تسميته) أو كانت النقلة النوعية من ثورة إلى أخرى ومن اللا دولة إلى دولة .. إلى وحدة، لم يحدث في حياة اليمن أي فارق زمني .. أي تغيير نوعي حقيقي - كان هذا هو نسق قصيدة «الثور زهير» التي استمدها الشاعر الضباعي من شاهد فولكلوري ينم عن (حكاية - مَثَل) شعبي: قصة الثور الذي ذهب عجوزاً، وعاد هو نفسه بعد أن شُذِّبت قرونه..وجرى تلميعه:

مسعد قال يا مسعدة يبدو الثور عجز كبر

شيّب ما معه مقدرة للمحراث قد هو كبير

قالت له وايش العمل ايش الحل لو ما قدر

قال الحل باسوّقه بابيعه وبأخذ صغير

بكّر فيه مسعد صباح باعه بالثمن ذي يُسِر

بيع الثور ماكان سهل بيعه كان أمراً عسير

روح دون أن يشتري غيره لم يجد أو ظفر

في المطلوب ذي راسمه في باله وذي بالضمير

مر الشهر يتلوه شهر يتسوق وماشي عثر

لم يحصل على مطلبه من لسواق يرجع ضجير

لكن بعد فتره طويل اتسوق وفجأة نظر

حصل مقصده والطلب افضل سابقة بل وخير

سلم قيمته باهظة قيمة سببت له ضرر

ويروح وكله فرح، من فرحه يريد يطير

اثناء سيرهم في الطريق شاف الثور غير البقر

عارف مسلكه والطريق نحو البيت ساني يسير

ساعة ما وصل منزله، بيصرخ يقول انتصر

قال استبشري يا مره جبنا ثور ما له نظير

لكن شافته مسعدة صاحت قالت اسوأ خبر

مسعد قال ماذا حصل؟ قالت يبدو انك ضرير

شوف اتقصقصين القرون وتلمّع بصبغه شعر

أما الثور ذي تعرفه لوّل ذاك حقك زهير

ورب يوم بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه ..وإن كثيراً من الثورات قد افرغت عشية تحولها إلى أنظمة وطنية بعد أن أدارت ظهرها للشعب! .. وغدا الواقع اسوأ مما كان عليه قبل قيام تلك الثورات إن لم يكن هو عينه .. وهذه هي ثورة الحيونات على سيدها الطاغية (في «مزرعة الحيوان» قصة جورج أورويل) بعد أن قامت دولتها وأنجزت دستورها المؤلف من سبع وصايا .. إذا بالحيونات تفاجأ بالوصية السادسة «لا يجوز لأي حيوان أن يقتل حيوانا آخر» تتبدل فتصبح «لا يجوز أن يقتل حيوان حيوانا آخر دون سبب».. وسكتت الحيوانات على مضض، وبقيت تعلل نفسها بأن المبدأ (أو الوصية) السابع مازال موجودا، وهو القائل «كل الحيوانات متساوية». ولكن هذا المبدأ أيضاً لم يلبث أن حُرّف: فالحيونات تعود من الحقل ذات مساء لتجد الخنازير وقد أخذت تمشي على رجلين اثنتين وفي يد كل منها سوط، وعلى جدار المخزن عبارة طويلة تقول: «كل الحيوانات متساوية، ولكن بعضها أكثر تساوياً من بعضها الآخر»!.. وهكذا جرى تحريف الدستور .. فالشعارات ترفع في الثورات وعند المنعطفات أو التحولات الكبيرة فإذا انتصرت برزت من رجالاتها فئة متحكمة تتناول هذه الشعارات أو المبادئ بالتشويه والتحريف!.. وما كل ذاك إلا لأن الخنازير قد شرعت تطالب بهذه الميزات: تطالب بحليب الأبقار، وبتفاح الحقول!.. ثم جعلت تستبد بالمزرعة وبكل ما فيها من خيرات. هذه طبقة تزول لتحل محلها طبقة جديدة .. أي طبقة تقوم على أنقاض طبقة ومعنى الحياة واحد!

كلمة أخيرة

في مرآة هذا الشعر نتلمس هدي المفكرين من أبناء اليمن الشرفاء فإلى جانب الشاعر المناضل عبداللاه الضباعي، نجد عقد النضال قد انتظم الشاعر أحمد عبد ربه المعمري والشاعر زايد علي السليماني ..ونجد فيهم بذرة أمل من جسارة الروح في قول الحق .. حيث يصب اتجاه الثلاثة في مصب شعر الضباعي:

«إن الثقة بالدولة هي الدعامة الأولى في حياة الشعوب وفي استتباب الأمن والسلام والعدل، فلا أمن للناس إلا إذا وثقوا بمن يتولون أمورهم من الحاكمين، ومن يديرون معاشاتهم من رجال المال والأعمال، ومن يحكمون بينهم من أهل القضاء والإدارة .. فإذا أصبح الناس ذات يوم فقيل لهم إن الذين يثقون بهم من الوزراء والحكام لصوص!.. وإن الذين تعتمدون عليهم في تدبير معاشاتكم واستثمار أموالكم لصوص!.. والذين تلجأون إليهم لإقامة العدل وحماية الحقوق هم الذين يغيرون على تلك الحقوق ويلتوي في ايديهم ميزان العدل، فذلك ولا ريب هو الفزع الأكبر عند سواد الشعب».

فظاهرة الفساد اليوم منتشرة الذيول في المرافق .. والرشوة المالية وغير المالية عملة يجري رواجها في أرفع الأوساط ..ونهب المال العام يكشف عن سوء إدارة الدولة، وتراخي الأمن وخضوعه لليد القوية.. كل هذا دليل على فساد الحكم واستغلال النفوذ..وإن معرفة الفاسد الأول يكشف الستار عن كل معاقل الفساد .. وإن السكوت عليه يجعله مثل (الغرغرينة) سُماً سوف يأتي على حياة الدولة والمجتمع. وكان ينبغي تقديم المفسدين ليمثلوا أمام محكمة قضائية علنية باعتبارهم مجرمين وآثمين شريرين ليحاكموا محاكمة تتفق والنص الديمقراطي الرسمي -والشعبي، لا سيما وأن ثمة (عريضة حقوق) يتقدم بها الشعراء والمثقفون والموكلون بحقوق الإنسان والمتابعون للحياة الديمقراطية في اليمن، وتظهر من خلال صرخات هذا الشعب!.. فلابد من اتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية الخاصة بتقديم الرؤوس الكبيرة للمحاكمة.. لا بد من وضع حد لطغيان المجرمين (المفسدين) ولو كانوا من كبار الوزراء والأقطاب وأركان الدولة، وإرساء اسس سيادة الشعب.

تحية للشاعر المناضل عبد اللاه الضباعي..وغيره، وحيثما يعيش شعب في ضلوع شاعر.. وعند كل من أدرك قول الشاعر فاتعظ واعتبر:

بكى صاحبي لما رأى الدرب خالياً

وأيقن أنّا لاحقان بقيصرَ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى