كل زعماء الجنوب

> علي سالم اليزيدي:

> كل زعماء الجنوب في المنفى، في المكان البعيد، لم ينجح أحدهم في تغيير قدره أو العبث مع الأقدار، كل هذا في الجنوب ما قبل الاستقلال وبعده، كل القوى في الداخل ومثلها في الخارج جعلت من هذا الجنوب مكاناً مثل بحر الرمال المتحركة تحت أقدام السياسيين في إمارات وسلطنات الجنوب العربي آنذاك أو دولة الاستقلال بعدئذ أو ما بعد الأعاصير الأخيرة لحرب صيف 1994م، ولم ينصف هذا الزمن أولئك السباقين إلى الواقعية الفكرية والسياسية، ولم يرأف القدر برجال قدموا الإصلاح والاستقرار قبل شهوة الحكم، أراد الأمن إلا أن يغادر الأمير الكسادي مدينة المكلا منفياً بأوامر الإنجليز لمشاهدتهم أيادي العثمانيين تمتد إلى حضرموت، وقبله خرج أبناء الجمعدار القعيطي منصر وحسين من الشحر نفياً على متن باخرة إنجليزية إلى الهند.

وهي من مضحكات الدنيا كيف تراكمت كل هذه الرمال التي أكلت الرجال في الجنوب منذ وقت مبكر، حيث تركزت الأطماع هنا، ثم جاءت التآمرات علينا وكأنما القدر يقول لنا يوماً بعد يوم: الخصم ينتصر وأنتم المهزومون.

لم تتغير هذه العناوين، يوم جاء حزب رابطة أبناء الجنوب العربي وحتى لا نفرط في العاطفة وبعيداً عن تراث الصراعات، قدم رجاله فكراً حقيقياً عربياً جنوبياً وأدبيات سادت متجانسة مع كل المزاج الرابض في العقول يومها، ومثلما غادر منفياً الزعيم العدني الكبير عبدالقوي مكاوي أو من يطلق عليه (أبو الشهداء)، خرج أوائل رجال الجنوب هرباً ونفياً أيضاً زعماء حزب الرابطة لاصطدام أفكارهم بجدار الفكر القومي الذي ساد ونجح في الجنوب وسيطر وتسلم الاستقلال بقيادة الجبهة القومية، وكل الزعماء من ساسة الجنوب غادروا من بلدهم واتضح بعدئذ أن هذا قدر يلقي به الزمن على كل الجنوبيين وسجل في أوراقه كيف أخرج سلاطين حضرموت القعيطي والكثيري والمهري بن عفرير من دون غيرهم بطلب الإنجليز، وما هي إلا أيام حتى تسقط المناطق بيد رجال التحرير الوطني، ويحكم بالنفي عليهم، حكاية لا تنتهي،ومغزى بحره عميق وبعيد المدى، لماذا كل هؤلاء في المنفى حيث لا بيت لهم؟

إذا أخذنا بالمنطق السياسي، أنها بمثابة العقوبات التي تكتب وتنفذ، ومن المثير في الأمر هنا وأمام المتفرس والملاحق المدقق، أن من أراد الجنوب كاملاً دون أن تنتقص منه حبة رمل ليس هو جبهة الكفاح المسلح الفائز والخاسر منهما ولا أحزاب عدن ولا المجددين الحضارم ولا السلاطين الوطنيين كما أطلق على عدد منهم، ليس هؤلاء هم أصحاب الجنوب والمستمتعون بثروته وحكمه وبحره وشمسه، وليل الزمن قال كلمته، وكيف نفي رجال الاستقلال تباعاً فيما بعد واحداً بعد الآخر، إذ لم تمض إلا أيام، حتى أبعد قحطان رائد الاستقلال وجرى تصفية المناضل الوطني النظيف فيصل عبداللطيف، ثم فجأة يغادر مهندس الإطاحة بقحطان الشعبي محمد علي هيثم منفياً في القاهرة ، وتمر بعدئذ أمامنا المشاهد بوضوح حيث تقاطر على المنفى كل زعماء الجنوب إلى اللحظة.

ويسخر منا الزمن مرة بعد مرة، كلما أردنا وقتاً للهدوء والسلام واستقلالاً حقيقياً للجنوب يكتمل من ساحل حوف المهرية إلى ساحل باب المندب، لم يسمح لنا، هناك يد تمتد ليس مثل يد مُدّت لغريق، كلا وإنما لخلط الأوراق والتمزيق، وذات نهار ينفى أنصار سالمين بعد الغدر به، وكذا يغادر إلى موسكو عبدالفتاح إسماعيل منفياً هو الآخر بعد أن انقلب السحر على الساحر، ثم وكما قال المثل (الردة تقتل الذئب) عاد ليموت في انقلاب المنفيين، ويومها يغادر منفياً وربما لزمن طويل علي ناصر محمد وبرفقته زعماء سياسة كبار من الجنوب، ويتداعى الجدار ويسقط، ويضرب الجنوب بشدة هذه المرة وكأنما اللحظة قد حانت وأن الساعة الكبيرة قد اقتربت، وإلى متى؟! من يعرض هذه البضاعة في سوق السياسة ومن يشتري؟!

يغادر صنعاء منفياً زعيم جنوبي واحد هذه المرة، أليس هذا الزمن بساخر حقيقي؟ إنه للمرة الثانية علي ناصر محمد، ويتأجل نفي البقية الصاعدين إلى صنعاء إلى وقت قريب! ويضعف عود الجنوب، ولم يعد هناك زعماء عدنيون بارزون، وما الذي يخبئه القدر في لعبة الأيام؟ من أين تمتد الأيدي وتلعب بحبال المسرح؟ ليت الزمن يتوقف ويترك هذا الجنوب الباسل يبوح بخفايا وأسرار حول هذا الطامع الأكبر فينا.

وينتصف النهار فإذا بزعماء جنوبيين يغادرون على حين غرة، ويذهبون إلى المنفى، يخرج حيدر العطاس وعلي البيض والجفري وآخرون عقب حرب 1994م التي اندفعت نحونا واشتعلت وأكلت ونهبت ما يكفي، وخسر زعماء الجنوب، وكان المنفى في الانتظار كنهاية لحرب وطرد! وتظل كل هذه الرمال المتحركة تحت أقدام الجنوب..رياح عاتية وبلاد نصفها بحر والنصف الآخر أيضاً بحر من النفط والذهب، وتاريخ غني بالوطنية والتنوير، فلماذا نحن في المنفى كل النهار أو آخر الليل .. لماذا؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى