في زيارة لمؤسسة إنسان للتنمية:اهتمام ورعاية وجو أسري يرسم البسمة الصافية النابعة من قلوب الأطفال الأيتام

> «الأيام» بشرى العامري:

> يتعدى عدد الأيتام في بلادنا التسعمائة ألف طفل في مختلف محافظات الجمهورية، وقد يدفع الفقر والحرمان واليتم بالكثير منهم إلى التشرد والتسكع في الشوارع، والبعض منهم يتم إيداعه في أحد دور رعاية الأيتام التي نادراً ما تجد داراً منها فعلاً تمثل المكان الأمثل لإبداع أطفال لا حول لهم ولا قوة، ولا ذنب لهم سوى أنهم حرموا من حنان الأبوة والأمومة، فتجدهم في تلك المراكز وكأنهم مساجين أو قطيع من الحيوانات، ولا يغيب عن ذكري مطلقاً منظر رأيته في إحدى دور رعاية الأيتام: الأطفال بحالة مزرية وهم متجمهرون في الساحة يريدون تسلق السور والفرار إلى الشارع للسرقة أو التسول أو التسكع، المهم أن يخرجوا قليلاً من هذه الدار، ورجل أشعث أغبر يحمل عصا غليظة يضرب كل من يحاول الاقتراب من السور بكل قوته ويتلفظ بألفاظ بذيئة لأن هؤلاء أولاد الـ... لم يتركوه يستمتع بمقيله وتخزينته.

ولكن عند زيارتي لبيوت الأسرة التابعة لمؤسسة إنسان، والتي جاءت بناءً على طلب إحدى الموظفات التي ألحت علي، تفاجأت فعلاً بالمستوى الذي يعيشه الأيتام هناك والذي أعتقد أن الكثير من أبنائنا العاديين لم يصلوا إليه.

وأثناء الزيارة تحدث رئيس المؤسسة الأخ محمد عبده معوضة عن هذه المؤسسة قائلاً: «مؤسسة إنسان للتنمية مؤسسة إنسانية غير حكومية تعمل في مجال رعاية الأطفال وتأهيل الشباب عبر مشاريعها وبرامجها المختلفة، ومنها مراكز بيت الأسرة لإيواء الأيتام، أنشئت المؤسسة في 2005/5/15م وبدأنا بمركز واحد أسميناه (بيت الأسرة) ثم أنشأنا المركز الثاني، وفي المركزين اليوم (90) طفلاً من الأيتام أو المشردين وبالأخص أيتام الأبوين».

وعن أهداف مراكز بيت الأسرة تحدث قائلاً:

«الهدف الأساسي هو إيواء ورعاية الأطفال الأيتام والمشردين الذين لا مأوى لهم، وتعليم هؤلاء الأطفال تعليماً نظامياً وجعلهم يتحلون بالأخلاق الإنسانية الأساسية كحب الآخرين والانخراط في المجتمع وإكسابهم العديد من المهارات الحياتية كمهارة التعامل مع الحاسوب والانترنت والقراءة السريعة والثقة بالنفس وما إلى ذلك، ونحرص أيضاً أن تتحقق في الأطفال صفات الشخصية المتوازنة من صحة وتعليم ومساواة وترقية ورياضة وثقافة».

وعن أهم البرامج المقدمة في مراكز بيت الأسرة أجاب قائلاً: «يقدم بيت الأسرة للأطفال المستهدفين السكن الملائم والمجهز بجميع المستلزمات الأساسية التي يحتاجها الطفل بما يعوضهم عن الحرمان الذي عاشوه فترة من الزمن، بحيث يصبح لكل طفل سرير خاص به ودولاب وفرش ومخدة وبطانية. كما يقدم لهم ثلاث وجبات رئيسية يومياً يتم مراعاة القيمة الغذائية فيها بما يحقق نمو وسلامة الأطفال ويتناسب مع أعمارهم. ويوفر لهم الملابس الملائمة بأنواعها من ملابس داخلية ورياضية ورسمية و(بجامات) نوم يراعى فيها الجودة والتعويض عما فاتهم من حسن المظهر ودفء اللباس، ويتم إلحاق جميع الأطفال بمدرسة نظامية لها خبرة تعليمية وتربوية، وتسلم لكل طفل حقيبته المدرسية والزي المدرسي ومصروف جيب يومي، كما يتم تزويد الأطفال بالدروس الخصوصية في بيت الأسرة للارتقاء بمستوياتهم والحد من ظاهرة ضعف التعليم.

كما توفر المراكز الأمهات البدائل القادرات على توفير جو أسري يعيش في كنفه الأطفال الملتحقون، إضافة إلى اختصاصيات واختصاصيين اجتماعيين ونفسيين لدراسة حالات الأطفال وآلية تعديل السلوك لدى كل طفل وتعزيز الجانب الإيجابي بما يخدم مصلحته والحد من الاكتئاب والفزع الليلي والخوف والقلق».وعن الخدمات الأخرى التي تقدمها هذه المراكز تحدث قائلاً: «في بيت الأسرة عيادة صحية خاصة يتم خلالها تقديم الإسعافات الأولية عند الحاجة، كما يتم الفحص الدوري لكل طفل للتأكد من صحته وسلامته من الأمراض، إضافة إلى التثقيف والإرشاد اليومي من أجل بيئة صحية وإعطاء كل طفل حقيبة نظافة خاصة به تتكون من (منشفة، صابون، عطر، فرشاة ومعجون أسنان) كذلك وفرت هذه المراكز الألعاب الرياضية المختلفة للترفيه والتسلية والبلايستيشن إضافة إلى الترفيه الخارجي كالرحلات إلى الحدائق والمسابح والمتنزهات والمصانع. كما تسعى إلى إلحاق الطفل فور قبوله بحلقة للقرآن الكريم، إضافة إلى تقديم البرامج السلوكية والكرتونية بما يعزز من إيجابيته وثقته بنفسه والحد من السلوكيات المنحرفة». ويقول عن نمط التعامل اليومي مع الأطفال: «لقد حرصنا على أن نكون قريبين من نمط الأسرة الحقيقية، ولذا سمينا المراكز بيت الأسرة وذلك ليشعر الطفل بأنه في بيته وبين أسرته منذ الصباح وعند ذهابه إلى المدرسة وعودته أيضاً، كذلك حرصنا على أن يكون في بيت الأسرة المشرف وزوجته والطباخ وزوجته والحارس وزوجته أيضاً حتى يشعر الطفل بأنه في كينونة أسرية تعوضه عن الكينونة التي فارقته منذ طفولته، فنحن نحرص على أن يعيش الطفل في جو مليء بالحنان والعطف يمارس فيه حياته اليومية بعيداً عن الأوامر والنواهي الكثيرة التي قد تؤدي في الأخير إلى إحجام الطفل والتقليل من إبداعاته وتفكيره».

أما أهم الأنشطة الأخرى للمؤسسة فتحدث عنها بقوله: «تمشي المؤسسة بخط آخر غير مراكز الإيواء حيث إن للمؤسسة وحدة للتدريب والتوعية الإعلامية مهمتها تدريب العاملين في المؤسسة وفي المؤسسات الأخرى المماثلة، ونفذنا أكثر من خمسة برامج تدريبية استهدفت أكثر من (100) شخصية من المؤسسات العاملة على مستوى الجمهورية والمؤسسات العاملة في مجال حماية الطفولة على مستوى أمانة العاصمة، وشاركت فيها أكثر من عشر منظمات ومؤسسات بتمويل من قبل اليونيسف، ونحن مستمرون بالجديد».

> ما سبب فتحكم لمراكز الذكور في الأمانة ومركز إناث في محافظة عدن؟!

- نحن نشترط في الذكور أن يكون يتيم الأبوين أو يتيم الأب وأمه متزوجة أو لا تستطيع رعايته أو العمل كحالة الجنون أو العجز وخلافه، والمركزان هنا في صنعاء للذكور وفي عدن للإناث والسبب أنه في أمانة العاصمة عدد الأيتام الذكور المعرضين للتشرد والضياع كبير جداً مقارنة بالإناث، كما أنه توجد مراكز خاصة لليتيمات تقدم خدمة نوعية جيدة مقارنة بمراكز الذكور، ولدينا هنا طلب لإيواء أكثر من (200) يتيم، أما في عدن فلا يوجد أي مركز إيواء للفتيات، ولذا اخترنا أن يكون مركزنا الثالث للفتيات بعدن».

وعن أهم المعوقات تحدث قائلاً: «من أهم المعوقات التي تواجهنا وتواجه أغلب المنظمات العاملة في ذات المجال هي المعوقات المادية، حيث إن نفقاتنا مرتفعة وعدم وجود جهات مستمرة في الدعم الثابت، فالطفل لدينا يحتاج إلى رعاية شاملة من غذاء وتعليم وكساء وعلاج وترفيه، ونحن حريصون على تلبية كل احتياجاته بجودة ترضي الطفل وترضينا وتتناسب مع المجتمع من حوله ويشعر الطفل بأنه في مكان آمن وحياة آمنة.أيضاً تواجهنا مشكلة في إيواء الفتيات وعدم تقبل المجتمع لذلك، فقد تنام وتأكل وتعيش في الشارع وتجلس في الجولات مع الرجال أهون عندهم من أن تعيش في أحد مراكز الإيواء الآمنة الذي يديره طاقم نسائي من الفراشة إلى المديرة!! وهناك أيضاً مشاكل تواجهنا من الأطفال أنفسهم وتنحصر في المشكلة النفسية بسبب الماضي الذي عاشوه قبل دخولهم الملجأ، ومنها الاضطهاد الطفولي والتحرش الجنسي والمشاكل التي واجهوها من قبل أقاربهم من الطرد والضرب والمبيت في الخارج والعيش مع كبار السن ورعايتهم، وعندما يأتون إلينا يظلون يعانون من تلك المراحل لمدة سنة أو سنتين فترى لديه الفزع الليلي والتبول اللا إرادي وعدم الثقة بالنفس والبكاء السريع».

> ماذا عن تواصل أقارب الأطفال معهم؟

- نحن نحرص ألا يعزل الطفل عن مجتمعه وأقاربه، فإذا لم يأتوا إلينا فنحن نذهب إليهم بالأطفال في المناسبات والأعياد ونعطي للأطفال كسوتهم ومصروفهم وأدواتهم كاملة حتى لا يشعروا أنه ثقيل عليهم، فالطفل يستمر لدينا لفترة معينة ثم يعود إلى قبيلته وأسرته فمجتمعنا اليمني قبلي، ولأن الطفل ينتمي إلى قبيلته وقريته وأسرته وحارته فنحن حريصون أن تظل علاقته بهم متصلة ونحن نتصل أيضاً بأقاربهم وأهاليهم وندعوهم لزيارتهم وليطمئنوا عليهم ويروا ثمرة جهدنا معهم. كما حرصنا عند إنشاء مراكزنا أن تكون وسط المجتمع غير معزولة في أماكن نائية وبالتالي يدرس الأطفال في المدارس العامة مع الآخرين ويذهبون إلى المساجد وإلى الحفلات ويلعبون في الشارع مع أطفال الحارة.واختتم حديثه قائلاً: «أدعو رجال الخير إلى التفاعل مع المؤسسة ومد يد العون لها وأن يقوموا بزيارات ليروا أن بالإمكان أن نصنع شيئا من لا شيء.. وأن نعمل مؤسسات رائدة من صدقات المحسنين ومن الزكوات والفتات التي يقدمونها، فالمحسنون ينفقون بسخاء في هذا الجانب ولقد حققنا شراكة مع الأمم المتحدة ومؤسسة الصالح للتنمية الاجتماعية».ودعا جميع المؤسسات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان وبالأخص حماية الطفولة أن تعمل لأجل اليمن لا لمصلحة أي حزب، وقال: «نحن في اليمن ما يزيد عن 50 جمعية لكن قد يكون العمل أقل بكثير من المؤسسات والجمعيات في دول الخليج مثلاً رغم قلة عددها هناك، بسبب هذه المماحكات الحزبية والمشاكل صغيرة لكن إذا ما عملنا شراكة وتعاونا وكل يدلي بدلوه سنصل باليمن إلى درجة عالية من الرقي والتقدم، لأن منظمات المجتمع المدني دائماً في أي دولة من الدول تعمل عملا كبيرا قد يصل إلى نسب مرتفعة جداً فيما تقدمه للحكومات والدول».

حقيقة ما لمسته في مراكز بيت الأسرة يدعو للراحة والاطمئنان وإلى أنه مازال في بلدنا خير ومكان تجد فيه الابتسامة الصافية تنبع من قلب من حرموا حنان الأم والأب، ونتمنى من الجهات الأخرى أخذ القدوة من هذه المراكز، ودعم أصحاب رؤوس الأموال لها عوضاً عن دفع المبالغ الطائلة فيما لا فائدة فيه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى