عسكرة الحياة المدنية

> د. هشام محسن السقاف:

> تفشل الدولة الأمنية في تحقيق الأمن، وراع الناس كثيراً اضطراب الأوضاع في غير مكان من الجمهورية اليمنية، وكان التذمر المدني في محافظات الجنوب والشرق يفضح فشل السياسات المتبعة بعد حرب 94م الظالمة التي كان بإمكان المنتصر فيها أن يستفيد من كل إفرازات الجنوب طوال 27 سنة من حكم الاشتراكيين، والإخفاقات التي كانت سمة لسياسة الاحتراب الداخلي في ظل طغيان أيديولوجيا الشعار والتصفية الدورية، مع ما يستدعيه ذلك من اتساع دائرة المتضررين من سياسات الحزب الحاكم. إلا أن الظلم العام شاملاً هذه المرة القطاعات العسكرية والمدنية بعد 1994م وبروز وجوه المنتفعين من قوى النصر الموهوم ممن مارسوا سياسات أنانية لحساب ثرائهم من الأراضي والوظيفة العامة، جعل القوى المدنية والشعبية تستشعر الغبن في أنصع تجلياته، وبات التسريح من الوظيفة يعني الموت جوعاً وهو ما لم تعرفه الطبقة الوسطى والشرائح الأفقر في دولة الجنوب السابقة، حيث أصبح مسلماً به تآكل الطبقة المتوسطة في الجنوب والتحاقها بالشرائح الأكثر فقراً في المجتمع منذ العام 1994م. وتزداد الصورة قتامة في العيون عندما يجري عبث شامل بالثروة من قبل حفنة من المنتشين بإفرازات الحرب والنصر الذي يشبه الهزيمة على حساب شقاء عام يمد ظلاله الثقيلة على كل سماء وأرض هذه المحافظات، دون أن يعني ذلك أن الشمال كل الشمال قد استفاد من هذه الأوضاع الملتبسة، بل إن المعاناة قد مست كل القطاعات الشعبية وكأنها نار جهنم (وما منكم إلا واردها)، بينما تبنى قصور المنتفعين من الأوضاع المهترئة، الذين رغم قلتهم قد أصبحوا كثقب طبقة الأوزون الذي يزداد الاحتباس الحراري كلما اتسع ليختنق الجميع. وبعيداً عن ردة الفعل الأحادية تجاه اعتصام الناس سلمياً في ساحة العروض (الحرية) يوم 7/7 الماضي، الذي سيؤرخ له كبداية للرفض الشعبي للسياسات التجويعية والمنحازة ضداً تجاه قطاعات شعبية عريضة في جنوب وشرق الوطن، ستظل هذه الأجهزة العقيمة الأكثر خطراً على تجربة الحكم الديمقراطي في دولة 22 مايو 1990م الوليدة، وعلى الاتجاه الوطني المتوازن لتوجهات فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح خاصة المتمثل منه في برنامج فخامته الانتخابي، فمثل هذه التصرفات والممارسات اليومية لقطاع من المتنفذين تلحق ضرراً بالغاً بالتوجهات الوطنية مهما حاول هؤلاء رمي الآخرين بشتى الأوصاف والتهم الجاهزة، فإن ذلك لن يغير شيئاً من قتامة الصورة الرمادية التي ترسمها سياسات النهب والسخرة والبطالة والتسريح من دون وجه حق وحرمان أبناء هذه المناطق من حكم أنفسهم حكماً حقيقياً وكاملاً.

عندما تحاصر الأطقم المدججة جمهرة العسكريين والمدنيين وبصورة مثيرة لا ننتظر من هؤلاء الذين حرموا من حقهم في العمل وفي الحقوق أن يرددوا - أو بعضهم على الأقل- زوامل المحبة وأغاني الفرح، فما بالنا والاستفزاز والنغمة الانفصالية والشمولية قد مست ليس المعتصمين فحسب بل وصحيفة «الأيام» من قبل القوى الأمنية.

وبعد ثلاثة أيام من الاعتصام الكبير يحاول الأخ مدير أمن شبوة والمحافظ وآخرون أن يمروا من فوق كل معاناة شبوة التي هي بحاجة لمعالجة حقيقية تنبع من بين ظهراني شبوة وأهلها لا قفزاً على مطالبها واللجوء إلى استدعاء العصا الغليظة والتلويح بها في وجوه أبنائها وهو ما لم ولن يجدي في شبوة أو غيرها من محافظات الوطن، فالتحقيق مع مراسل «الأيام» الأخ صالح حقروص بتلك الصورة البدائية في الدولة الأمنية التي تفتقر للأمن صورة بائسة أخرى دالة على إفلاس مثل هذه الأجهزة في إدارة نمط الحياة الجديدة في اليمن، وتحولهم إلى عبء آخر على النظام السياسي الذي يقوده فخامة الأخ الرئيس والتائق إلى التغيير العصري المنشود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى